•الصيادون أنقذوا عشرات الضحايا.. وفرق الإنقاذ انتشلت الجثث •لاجئة سورية: الموت فى الوطن أفضل من المعاناة خارجه هربوا من الموت فى سوريا ليجدوا المعاناة فى مصر، حاولوا الهروب من المعاناة فى مصر ليصطدموا بالموت فى مياه البحر المتوسط.. هذه هى خلاصة مأساة اللاجئين الذين حلموا بالخلاص من المعاناة على متن مركب هجرة غير شرعية إلى إيطاليا. التقت «الشروق» بالناجين من كارثة غرق مركب الهجرة غير الشرعية «أبو عثمان» قبالة سواحل غرب الإسكندرية، التى كان على متنها عدد من أبناء الجنسيات العربية، أغلبهم فلسطينيون وسوريون، كانوا فى طريقهم إلى إيطاليا فألقت بهم الأمواج إلى قسم الدخيلة بالإسكندرية، حيث وجدنا منهم سيدات وأطفالا يقطنون داخل حجرة الصلاة «مسجد» بالقسم فى انتظار الإفراج عنهم، بعدما تم احتجازهم فور إنقاذهم، فى حين التقينا بأقارب آخرين أتوا صبيحة يوم الغرق لمشرحة كوم الدكة للبحث عن جثث أبنائهم. «معرفتش أنقذ بابا» بدموع ممزوجة بحالة خوف ورعشة كانت ترقد إسراء محمود عيد، 7 سنوات، داخل حجرة المسجد، وهى تردد تلك الكلمات، وبمحاولة الحديث معها استفاضت فى البكاء وهى تتذكر لحظة غرق السفينة قائلة «طلعت السفينة مع بابا ورفاقه، كنا مجموعة أسر، وبعد تحرك المركب بدأت تهتز ووقتها أمسك بيدى وطالبنى بعدم الخوف، وفجأة لم أشعر إلا بوجودى فى المياه، وكان والدى يحتضننى ويحاول أن يسبح بى إلا أن الأمواج قذقتنا بعيدا عن بعضنا فلم أره بعدها وظللت أصرخ فوجدت شابا آخر يحملنى وأنا أصرخ بالنداء على والدى حتى أتى قارب صغير فركبناه. على بعد خطوات قليلة من إسراء جلست خالة فقدت 3 زهرات، هن أبناء شقيقتها «هيا حسين سلامة 5 سنوات، وجوليا حسين سلامة 6 سنوات، وسما حسين سلامة 3 سنوات» حيث غادرت معها هى وشقيقها «سعد عمر عفيفى» الذى لقى مصرعه غرقا أيضا، وروت الواقعة قائلة «عانينا فى سوريا بعد الثورة حتى تحولت البلد لحرب فى كل مكان، فكنا ننتظر الموت فى كل لحظة، فقررنا الانتقال إلى الشقيقة مصر، فتضاعفت المعاناة، حيث لم نجد عملا، ومع ارتفاع إيجار الشقق التى سكنا بها الذى كان يرهقنا ماديا، فأردنا الخروج حلما بحياة كريمة، خاصة لفتياتنا الصغار اللاتى لم يتوقفن عن التعليم والدراسة. وتضيف الخالة: «بعدما ازدادت الأمور سوءا فى مصر قررنا الخروج بطريقة غير شرعية كما فعل بعض أشقائنا السوريين، ووقتها تعرف شقيقى من بعض زملائه على شخص يقوم بتهجير أفراد من مختلف الجنسيات إلى إيطاليا ويدعى «عبده مصطفى»، وعلى الفور جمعنا المبلغ الذى حدده لكل منا للسفر وهو 3000 دولار. وتروى الخالة المكلومة لحظة الغرق فتقول «السفينة التى كانت ستحملنا إلى إيطاليا انتظرتنا على مسافة داخل المياه بالقرب من منطقة العجمى، وعندما تجمعنا على الشاطئ أخبرنا منظمو الرحلة أننا سوف ننتقل للسفينة عبر زوارق صغيرة، وبالفعل استقل كل 10 أفراد زورقا حتى وصلنا للسفينة، وبعد تحركها بحوالى ساعة بدأت تعلو الأمواج وتتأرجح حتى اصطدمت بصخور، فاختل التوازن وغرقت المركب فجأة. وتستكمل الخالة «صرخات النساء والأطفال كانت تدوى فى أرجاء البحر، وهرول كل شخص للبحث عن ذويه سواء أخ أو ابن أو زوجة، ووقتها لم أر أيا من فتياتى فظننت أنهم مع أخى، وظللت أنادى عليهم، حيث استطعت السباحة قليلا إلى أن أنتشلنى قارب صيادين كانوا هم أول من وصل لإنقاذنا، وبعد خروجنا إلى الشاطئ استمر دوى الصراخ والعويل، وكل فرد يبحث بين الناجين عن ذويه وينادى عليهم. «رأينا الموت بأعيننا.. ونجونا لنجد السجن فى انتظارنا».. بتلك الكلمات عبرت الخالة السورية المكلومة عن معاناتهم بعد نجاتهم من الموت مضيفة «عندما وصلنا إلى السواحل تم احتجازنا فيها ما يقرب من 7 ساعات بملابسنا المغرقة بالمياه المالحة، لكن لم تتعامل معنا قوات شرطة السواحل بسوء، بل أكرمونا وقدموا لنا المياه والمأكولات، إلا إننا عندما انتقلنا إلى السجن تم التعامل معنا كمجرمين، ومكثنا دون أن نغير ملابسنا المالحة. قصة أكثر مأساوية رواها حسام محمد 36 سنة، أحد الناجين، وهو فلسطينى الجنسية، كان يعيش فى سوريا، حيث نجا بأعجوبة بعد أن ظل يسبح 4 ساعات متواصلة إلى أن وجده قارب صيادين وشبح الموت يلاحقه، بدون ماء أو طعام، ووسط عاصفة هوجاء أجهزت على أرواح صحبته، يقول حسام «جئت إلى مصر فى شهر سبتمبر الماضى بإجراءات مشروعة لمجرد العبور إلى إيطاليا بطريقة غير مشروعة بعد المعاناة التى لا تنتهى فى سوريا، وبعد أن قمت بدفع مبلغ 3500 دولار إلى سمسار السفر الذى دلنى عليه أحد معارفى السوريين وظننت أن خروجى للبلاد الأوروبية سيكون بداية جديدة لمستقبلى الذى دمرته حروب فلسطين ومن بعدها سوريا، إلا أن سفينة الموت كانت فى انتظارى». ويواصل حسام قائلا «بعد خروجنا من السواحل بدأ المركب يترنح فى عرض البحر، وبالرغم من وجود إطارات نجاة مع بعض منا، إلا أنها لم تكن مفيدة للكثيرين بسبب ارتفاع الأمواج واضطرابها، ولم يكن أمام معظمنا ممّن لا يجيدون السباحة إلا إطلاق صيحات الاستغاثة دون جدوى، فلا أحد سيلاحظ وجودنا وسط هذه العاصفة. ويصمت حسام لبرهة وعلامات الحزن الشديد ترتسم على وجهه، ثم يتابع قائلا: فى هذا الموقف العصيب، لم يكن أمامى إلا السباحة، وترك الآخرين يواجهون المصير المحتوم، لعلى أصل إلى الشاطئ وأستدعى النجدة، وكان ارتفاع الموج يزيد الأمر صعوبة، وفى منتصف الطريق رأيت شخصين آخرين عن بعد فحاولت بصعوبة الوصول إليهما، وبعدها رأينا مركب صيادين على بعد فصرخنا فيهم لينقذونا، وبالفعل أتوا إلينا وقالوا إنهم أنقذوا زملاءنا منذ لحظات، وما أن خرجنا للشاطئ حتى وجدنا الاحتجاز فى انتظارنا. رحلة أخرى قطعتها «الشروق» فى رصد معاناة أهالى المفقودين والمحتجزين الذين هرولوا فى صباح يوم الحادث إلى مشرحة كوم الدكة للبحث عن أبنائهم فى المفقودين، ومنه إلى قسم شرطة الدخيلة حيث يحتجز الناجون. «إحنا مش عايزين غير ولادنا وبعدها هنسافر مش قاعدين فى مصر».. بهذه الكلمات بدأ والد الشاب ماهل قاسم خليل، 37 سنة، أحد الناجين المحتجزين، مضيفا أنهم مجموعة من الأسر السورية أتوا إلى مصر يوم 8 سبتمبر الماضى بإجراءات رسمية عبر المطار ومكثوا بالإسكندرية، إلا أن بعض أبنائهم قرروا الذهاب إلى إيطاليا بحثا عن الرزق فبحثوا عن أماكن تساعدهم على السفر حتى وجدوا شخصا يدعى عبده مصطفى والشهير ب«أبوأحمد» ساعدهم على السفر بالسفينة التى غرقت مقابل 3500 دولار من كل منهم. ويضيف خليل «هربنا من الجحيم داخل سوريا.. فتشردنا فى مصر»، مطالبا الحكومة المصرية بالإفراج عن ابنه وزملائه الذين تكالبت ظروف الحرب عليهم ودفعتهم للخروج بحثا عن لقمة العيش وإلا كانوا سيموتون جوعا. رواية أخرى قالها «م. ع» الذى رفض ذكر اسمه هو وابنه المحتجز مع 3 آخرين من عائلته بعد نجاتهم من الموت غرقا، وذلك خوفا من أن يتم تسليمهم لقوات النظام السورى أو أن تلاحقهم فى مصر، وقال «جئنا إلى أم الدنيا فلم تحتضنا»، منوها انه ترك أبناءه يغادرون إلى إيطاليا لأن كل منهم لديه أسره، وبعض منهم تركوا أبناءهم فى سوريا لمحاولة العمل خارجها وإمدادهم بالأموال، والبعض الآخر جاء إلى مصر بأبنائه فعانوا أكثر لعدم استكمالهم للدراسة وغلاء المعيشة على وضعهم كلاجئين. وناشد «م. ع» السلطات المصرية أن تفرج عن أبنائه مؤكدا: سنعود من حيث أتينا، فالموت داخل سوريا أهون بكثير مما نعانى منه خارجها، فحتى الدول الشقيقة لم تقف بجانبنا، وكانت تضع إجراءات صعبة على من يحاول ممارسة أى عمل تجارى فضلا عن أن العديد منا حاول العمل فى محال تجارية أو مصانع ولكن مكسب تلك الأعمال لم يكن كافيا للمعيشة.