فى حال لم يطرأ تحول فى اللحظة الأخيرة، قد يكون صيف 2013 هو الصيف الهادئ السابع الذى ينتهى من دون أن تتورط إسرائيل فى حرب. وهذه أخبار جيدة لكنها لا تعبر عن المغزى العام للصورة الاستراتيجية، ولا سيما لدى استعراض شريط الأحداث الأمنية فى الأشهر الأخيرة. فاستنادا إلى تقارير نشرتها وسائل إعلام أجنبية، قامت إسرائيل بهجوم جوى (هو الرابع من نوعه) استهدف مخازن للسلاح فى سوريا (الهجوم الذى وقع فى مطلع تموز يوليو بالقرب من مدينة اللاذقية)، كما شنت للمرة الأولى منذ اتفاق السلام مع مصر هجوما داخل الأراضى المصرية (لمنع اطلاق صواريخ على النقب). وفى لبنان للمرة الأولى منذ حرب تموز 2006 ، دمرت قيادة تنظيم فلسطينى. من جهة أخرى، أطلقت صواريخ كاتيوشا من لبنان على الجليل الغربى، ومن سيناء على إيلات. وعلى الرغم من أن هذه الأحداث استأثرت باهتمام الصحف، إلا أنها لم تترك أثرا فى الرأى العام. ففى نظر الجمهور كانت هذه السنة من أهدأ السنوات، واستمرارا لفترة طويلة من الهدوء. لكن إسرائيل لا تستطيع أن تتجاهل طويلا ما يجرى فى الشرق الأوسط المشتعل من حولها، فإطلاق الصواريخ على الجليل الغربى من لبنان جاء نتيجة جانبية لتصاعد التوتر المذهبى فى لبنان، وهذا بحد ذاته من نتائج الحرب الأهلية الدموية فى سوريا. ففى الأسبوع الذى أطلقت فيه الكاتيوشا على إسرائيل، قتل عشرات الشيعة فى تفجير نفذه سُنة فى ضاحية بيروت، كما قتل عشرات السنة فى هجوم مضاد فى طرابلس. منذ بدء الربيع العربى فى المنطقة قبل عامين ونصف العام، نجحت إسرائيل طوال هذه الفترة فى المحافظة على نسبة منخفضة من التدخل الفعال فى ما يجرى. وأبرز دليل على ذلك سوريا حيث نسبة سفك الدماء هى الأعلى. فقد قامت إسرائيل بإجراء الاستعدادات الملائمة لمواجهة التطورات من خلال تعزيز السياج الحدودى فى الجولان، وزيادة جمع المعلومات الاستخباراتية، والعمل لمنع تهريب السلاح من سوريا إلى حزب الله. لكنها لم تتخذ موقفا من الصراع السورى لأنها تعتبر أن المعسكرين المتخاصمين سيئان جدا. صحيح أن نظام الأسد المجرم جزء من الحلف الإيرانى فى المنطقة، لكن سقوطه سيؤدى إلى صعود قوة التنظيمات السُنية المتطرفة. ومن دون أن تعلن ذلك صراحة فإن القدس كانت مسرورة لاستمرار تقاتل الطرفين، ناهيك بأن الوضع الجديد الناشئ فى سوريا كان ينطوى على أمر إيجابى من وجهة نظرها هو تآكل الخطر التقليدى الذى يشكله الجيش السورى بسبب تدهور قوته. بيد أن المشكلة التى تبرز اليوم فى ظل استخدام السلاح الكيميائى فى دمشق الأسبوع الماضى، هى أنه لا وجود لشىء اسمه «عدم استقرار مستقر». فالفوضى فى سوريا تؤدى إلى تطورات دراماتيكية، والتطور الأخير يهدد بجرّ الولاياتالمتحدة إلى حرب حاولت إدارة أوباما تجنبها بكل قوتها. فى الأيام الأخيرة حذرت روسياوإيران وسوريا الولاياتالمتحدة من القيام بعملية عقابية ضد نظام الأسد بسبب المجزرة الكيميائية فى دمشق. وفى الواقع إذا قامت واشنطن بهذه الخطوة فسيكون لها انعكاساتها على إسرائيل، على الرغم من تقدير القدس بأن الأسد سيفضل الامتناع عن الدخول فى مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل. إن الانطباع لدى المصادر الإسرائيلية التى كانت خلال الأيام الماضية على اتصال بالإدارة الأمريكية فى واشنطن، هو أن الأمريكيين مستعدون، وأن هناك احتمالات كبيرة لقيامهم بعملية عسكرية محدودة فى سوريا، لكن يبدو أن الرئيس باراك أوباما لم يتخذ قرارا نهائيا بشأنها بعد. إن السيناريو الأكثر احتمالا هو هجوم بصواريخ بحرية مدعوم بطائرات حربية ضد عدد من الأهداف العسكرية ليست كلها بالضرورة على علاقة بمنظومة السلاح الكيميائى التابعة للنظام. ومن بين الأهداف التى سيستهدفها الأمريكيون مقار قيادة الجيش السورى، المنظومات المضادة للطائرات، ومنصات إطلاق صواريخ أرض أرض. ولم تعد إسرائيل على الحياد، فقد رفع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حدة خطابه العلنى حيال نظام الأسد عندما قال إن النظام السورى يرتكب جرائم فى حق شعبه، مضيفا «إن هذا أمر مرعب وهذه الفظاعات يجب ان تتوقف». وقال وزير الدفاع موشيه يعلون كلاما مشابها يتطابق مع التصريحات فى أوروبا. لكن إلى جانب رد الفعل العنيف الذى أثارته صور المجزرة الأخيرة، هناك اعتبارات أخرى هى إدراك الحاجة إلى عمل عسكرى غربى يردع الأسد لخرقه تابو استخدام السلاح الكيميائى، ولا أقل من ذلك التخوف من صموده على الرغم من الجرائم التى يرتكبها والحرب ضده، الأمر الذى سيبدو انتصارا للحلف الراديكالى بزعامة إيران. لكن فى الوقت الذى تشجع فيه إسرائيل الولاياتالمتحدة، يتعين عليها الاستعداد لسيناريوهات قد تبدو اليوم ضئيلة نسبيا مثل الانجرار إلى المواجهة الدائرة فى سوريا. ومما لا شك فيه أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ليست مستعدة لذلك، فأكثر من 40 % من الإسرائيليين لا يملكون أقنعة واقية. ولوحظ بالأمس ارتفاع الطلب على هذه الأقنعة بمعدل أربع مرات مما يدل على أن الجمهور الإسرائيلى بدأ يخرج من لا مبالاته.