يواجه الاقتصاد المصرى مخاطر اقتصادية غير مسبوقة تتمثل فى اتساع نطاق المواجهات العنيفة منذ مطلع العام الحالى، واستمرارها مع نشوب أزمة سياسية بعزل الرئيس السابق محمد مرسى مطلع الشهر الماضى، وبينما لا يتضح حتى الآن المخرج السياسى من تلك الأزمة، تتطلب تلك المرحلة، برأى الخبراء، إدارة اقتصادية من نوع خاص تحافظ على استقرار الوضع الاقتصادى بما يحول دون تدهور الوضع الاجتماعى وتأجيج حالة الغضب الشعبى. يختلف المحللون حول تقييم أحداث الاضطراب السياسى الحالية من حيث التوقعات بالمدى الزمنى لاستمرارها وإمكانية تطورها إلى عنف واسع النطاق، فبالرغم من وقوع عشرات القتلى منذ عزل الرئيس محمد مرسى إلى جانب مئات المصابين فى مناطق متفرقة بمصر، الا ان رباب المهدى، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، تعتبر ان الأحداث الجارية لا يمكن توصيفها على انها حرب أهلية «نسميها فى العلوم السياسية حالات العنف المحدود». وما يعزز من هذا الرأى هو اختلاف امكانيات جماعة الإخوان المسلمين فى مصر عن التيارات السياسية التى دخلت فى مواجهات مشابهة قادت إلى حروب أهلية «هناك من يشبه الوضع فى مصر بالصراع الأهلى الذى جرى فى دول مثل تركيا أو الجزائر أو الدائر حاليا فى سوريا، ولكن هذا تشبيه غير دقيق حيث تفتقر الحالة المصرية للعديد من العوامل التى أدت لتفاقم الصراع هناك كالتسليح القوى للمعارضة وتمركزها فى مناطق جغرافية معينة داخل البلاد» كما يقول الباحث السياسى محمد العربى. إلا أن العنف المحدود بمصر قد يستمر لفترة غير قصيرة «لعامين على الأقل»، كما تتوقع المهدى، قبل أن تنتهى الأزمة بوجود حل سياسى، بحسب قولها. ويمثل استمرار العنف ضغوطا قوية على الوضع الاقتصادى الراهن، حيث إن «الاقتصاد المصرى لن يتحمل استمرار هذه الاشتباكات لفترة أطول من عام» بحسب تقديرات سامر عطا الله أستاذ الاقتصاد السياسى بالجامعة الأمريكية. ولن تمثل المساعدات الخارجية طوق نجاة للاقتصاد المصرى ما لم يتم الوصول لحل سياسى ينهى العنف برأى الخبراء، فبالرغم من تعهد السعودية والإمارات والكويت بتقديم حزمة من المساعدات المالية ب12 مليار دولار الا ان عطا الله يعتبر تلك الحزمة بمثابة «جهاز التنفس الصناعى الذى سيبقينا على الحياة من 8 أشهر لسنة». الأزمة الاقتصادية تزيد المخاطر السياسية بين تأثير احداث العنف على الاقتصاد وتأثير الضغوط الاقتصادية على دفع قطاعات من المواطنين للاحتجاجات العنيفة قد تدخل مصر فى دائرة مفرغة، تقوم فيها الأزمتان السياسية والاقتصادية بتغذية بعضهما، وهو السيناريو الذى يحذر منه السياسى اللبنانى جورج قرم، الذى قال فى تصريحات ل«الشروق» إن اوضاعا اقتصادية مشابهة بلبنان ساهمت فى استمرار الصراع الأهلى لعدة سنوات تولى خلالها قرم وزارة المالية. «هناك خصائص اقتصادية للدول التى تشهد حالات من العنف الأهلى وهى دولة مركزية، اقتصادها ريعى غير إنتاجى، نظامها الضريبى فاشل، وشعبها أمى، وهى خصائص الاقتصاد المصرى، وكلما ابتعدنا عن هذه الخصائص قلت احتمالات الاحتراب، والعكس صحيح» كما يوضح قرم. ولا تمثل مصادر ريعية للدخل كالسياحة أو تدفقات خارجية كتحويلات العاملين بالخارج، عوامل كافية لتحسين أوضاع الاقتصاد بما يخفف من حدة الاحتقان الاجتماعى، كما يضيف قرم، الذى يؤكد ضرورة تطبيق خطة اقتصادية لتحسين مستوى الإنتاجية بما يجعل قطاعات واسعة من المواطنين تستفيد من التنمية الاقتصادية. وشهدت لبنان فى بداية حربها الأهلية، نموا هائلا فى تحويلات العاملين بالخارج مثلما يحدث فى مصر الآن، بالإضافة لكونها مقصدا سياحيا مهما، ولكن هذا لم يوقف حربا أهلية امتدت ل 15 عاما. كيف تدير الاقتصاد فى أوقات العنف؟ السياسات البديلة التى ينصح بها قرم لتحسين وضع الاقتصاد المصرى فى ظل الاضطرابات السياسية الحالية يأتى على رأسها تطبيق إجراءات تعزز ثقة المستثمرين، حيث إن «أول الإجراءات التى اتخذتها الحكومة اللبنانية بعد انتهاء الحرب الأهلية، كان دفع كل متأخرات الدولة للقطاع الخاص حتى يطمئن القطاع الخاص على حقوقه». ويضيف قرم أن قطاع الزراعة هو الأولى بدعم الحكومة بالإضافة لقطاع التشييد والبناء بغرض تنشيط الاقتصاد ودعم عدد كبير من العمالة، «مع الاهتمام بإسكان محدودى الدخل، بدلا من المساكن الفارهة التى اهتم بإنشائها النظام السابق، حتى لا تتسع الفجوة الاقتصادية، ونحقق قدر من العدالة الاجتماعية». الخروج من العاصمة بتوجيه الاستثمارات للأقاليم الفقيرة، ضمن حزمة السياسات التى ينصح بها وزير المالية اللبنانى الأسبق، لتخفيف حالة الاحتقان المجتمعى بمصر، كما يؤكد قرم أهمية تطبيق سياسات لا مركزية تتيح للمواطنين مشاركة أكبر فى الإدارة والرقابة على خدمات عامة، كالتعليم والصحة، فى مناطقهم السكنية وهو ما يساهم فى «ربط المواطن بالدولة، فإذا لم يكن للمواطن دور فى تنظيف الشوارع هل سيكون له دور فى رسم سياسات الدولة؟». ويعتبر تمركز المعارضة فى المناطق الفقيرة هو أهم الأسباب الداعمة لنشوب حروب أهلية فى العالم، ووفقا لانتخابات الرئاسة الأخيرة فإن الأصوات المؤيدة للرئيس مرسى تأتى بشكل كبير من محافظات الصعيد والمحافظات الحدودية، صاحبة الترتيب المتأخر فى مؤشرات التنمية البشرية. وينبه قرم ايضا إلى أن الأمية أحد مسببات الاحتراب الأهلى «لذا يجب على الحكومة المصرية أن تهتم بهذا الملف». ووفقا لموازنة العام الحالى فإن مخصصات محو أمية ما يقرُب من 30 مليون مصرى تقتصر على 100 ألف جنيه وهو ما يعنى تخصيص قرش واحد لمحو أمية 3 مواطنين. ويرى قرم ضرورة اعادة هيكلة النظام الضريبى بشكل يحفز الأنشطة الإنتاجية مع التوسع فى تطبيق ضريبة القيمة المضافة، المبيعات، لدفع الاستثمارات للتوجه إلى تلك الانشطة. «ادخال ضريبة القيمة المضافة يؤدى إلى تقليص التهرب الضريبى بالإضافة لحصول الدولة على معلومات أفضل عن مصانعها وإدارة أفضل للاقتصاد»، مشيرا إلى أن تطبيق هذه الضريبة فى لبنان وتونس لما يصاحبهما تأثير على التضخم «لأنه يمكن استيعابها من رجال الأعمال».