طوال عام مضي والضرائب تلعب دور البطولة باقتدار في المشهد الاقتصادي وتأخذ منه وتعطية حتي أصبحت وهي في مسألتها معقدة الفهم والشرح مادة سهلة للمواطن العادي لانها كانت حوارا دائما بين صانعي القرار والمحللين له, واستخدمت الضرائب طوال الوقت كسلاح حاد في مواجهة العجز المتفاقم للموازنة العامة للدولة الذي اقترب من ال200 مليار جنيه في الموازنة الاخيرة وكانت البديل للانتاج والموارد الخدمية التي تساهم في رفع كفاءة الاقتصاد. وأمام هذا المشهد غابت الاستثمارات وتراجعت الثقة بين الحكومة ودافعي الضرائب بعد أن وجهت الحكومة سهامها في صدر الشركات مطالبة اياهم بحصيلة ضريبية كبيرة مع عدم الاعتراف بترنح الاقتصاد. فهل يمكن للضرائب أن تلعب دورا علي المدي القصير والعاجل حتي يشعر المواطن بأن هناك تغير حدث, وهل يجب علي الحكومة القادمة إعادة النظر كلية في الملفات الضريبية؟ اسئلة تبحث عن اجابات في السطور التالية. بداية أكد عمرو المنير شريك قطاع الضرائب بمكتب برايس ونترهاوس أن الحكومة السابقة لن يكن لديها أي رؤية أو سياسة ضريبية, وما كان يحدث هو مجرد تعديلات في القوانين هدفه تغطية عجز الموازنة ولو بطريقة شكلية وليست ايرادات حقيقية علي أرض الواقع لأن ما حدث هو التعجيل بتحصيل ايرادات الضرائب مبكرا للايهام بأن عجر الموازنة يتم تغطيته وتقليص فجوته للحصول علي قرض الصندوق وتطبيقا لذلك فإن مادة مخصصات البنوك مثلا أكبر مثال لأن هذه الفلوس ترفعها البنوك وهذه اعادة لدفعها مبكرا, فلا توجد لدي هذا النظام سياسة ضريبية واحدة لها هدف محدد سواء لتشجيع الاستثمار أو تحقيق العدالة أو زيادة حصيلة الضريبة, بل إن ما حدث طوال العام الماضي ماهو الا مزيد من طرد الاستثمار وليس تشجيعه لأن الاستثمارات تحتاج الي استقرار التشريعات ووضوحها. واضاف المنيري أن فرض الضريبة في أي دولة له ثلاثة أهداف هي: * تشجيع الاستثمار, تحقيق العدالة, تحقيق الحصيلة الضريبية. هذه الاهداف عندما تكون واضحة للدولة يتم بناء عليها تعديل التشريعات وتصحيحها ولكن التعديلات التي حدثت لم تكن امامها تلك الاهداف وإن كان بها مواد جيدة مثل مادة منع التجنب الضريبي فمن الضروري أن يكون هناك مواد قانونية تمنع التجنب الذي يهدر حصيلة الدولة, والمهم أن أن تصاغ المواد القانونية الضريبية بطريقة صحيحة يسهل معها التطبيق, واضاف.. أهمية اعادة النظر في السياسة الضريبية بشكل واضح في المرحلة المقبلة والاهم أن المكلفين بوضع السياسات علي درجة عالية من الكفاءة والالتزام حتي تكون السياسات واضحة, ويجب كما يقول المنيري أن تكون لدينا خطتان الاولي علي المدي القصير وتشمل وجود نظم ضريبية مبسطة لحساب المنشآت الصغيرة والمتوسطة بشكل واضح يسهل للناس دفع الضرائب بدون تعقيدات هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة سوف تعامل بسعر ضريبة مخفض حتي يتم تشجيع اصحاب هذه المشروعات لامساك حسابات ودفاتر منتظمة واصدار فواتير, وأما الخطة طويلة المدي فتتمثل في دمج الاقتصاد غير الرسمي في ثنايا الاقتصاد الرسمي لأن هذا الاقتصاد له دور هام في بقاء مصر صامدة منذ اندلاع ثورة يناير2011 وحتي الآن وعليه فإن دخول الاقتصاد غير الرسمي في اقتصاد الدولة بشروط ميسرة مكسب للاقتصاد, ويفضل عمرو المنيري أن تظل اسعار الضرائب علي صورتها دون ارتفاع لأن هذا السعر مناسب في ظل الظروف التي تمر بها مصر لأننا نعاني من قلائل كثيرة سياسيا وأمنيا فلابد أن تكون هناك حوافز للمستثمر واهم هذه الحوافز أن تكون اسعار الضرائب مخفضة أو تماثل الدول التي تجاورنا وتشبهنا اقتصاديا, فعلي سبيل المثال في هولندا يتم منح اعفاء للشركات التي تستثمر لديها بشكل جزئي تشجيعا لها. وتري الدكتورة أمنية حلمي رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن الاحداث الماضية طوال عام كانت منجذبة نحو السياسة وصراعاتها وبعدت عن الاقتصاد الذي قامت من اجله ثورة يناير فلا انجز القائمون علي الحكم العيش والحرية ولا العدالة الاجتماعية وهي شعارات الثورة التي لم تتحق فكان من الطبيعي أن تقوم الثورة الثانية هذا بالاضافة الي أن الحكومة السابقة استخدمت الضرائب طوال العام الماضي كوسيلة للجباية فقط بحثا عن ايرادات لتقليل عجز الموازنة والانفاق العام دون استخدام للضرائب كوسيلة لجذب الاستثمار وتعظيم الخدمات التي تقدم للمواطنين الدافعين للضرائب ويمكن القول أنها كانت من الامور الضاغطة علي المواطن وسببا مباشرا في حالة الاحتقان التي حدثت فبالاضافة الي غياب الرؤية الاقتصادية الشاملة كان هناك ضغط علي المواطن فلا توجد خدمات ولا توجد أي اشارات واضحة له, وعليه أن يدفع الضرائب بانتظام حتي وإن كانت الحالة العامة للنشاط الانتاجي يخيم عليها الركود الكامل والموظف كان يدفع الضريبة والكهرباء والمياه وكافة الخدمات دون أن يستشعر أي جدوي حقيقية لهذه الخدمات واذا ما اردنا وضع خطة جديدة والكلام للدكتورة امنية حلمي علينا ان نسترشد بالسابق فلابد من ان تكون الضرائب اداة لتحقيق العدالة الاجتماعية والانفاق العام علي الخدمات العامة وان يشعر المواطن بوجود خدمات حقيقية, واضافت الي ان المدي القصير لابد أن يشمل تغيرا ملموسا في الاوضاع الاقتصادية بصفة عامة حتي يتمكن الاقتصاد من دفع عجلة النشاط الانتاجي وضخ المصانع المغلقة وعودة العمال الي اعمالهم وبالتالي يتولد لدي المواطن شعور بأن تغييرا قد حدث في الدولة. وعلي الجانب الاخر أشار د. سعيد عبدالمنعم استاذ الضرائب والمحاسبة بجامعة عين شمس ان السياسة الضريبية كانت بلا حسابات محددة فكل فترة تصدر تعديلات بلا رؤية اقتصادية واضحة فهناك امور في قانون الضرائب كان يمكنها ان تكون مصدرا للحصيلة الضريبية بدلا من فرض ضرائب جديدة علي المواطنين تثقل كاهلهم وتحولهم الي كتلة مظلومة تبحث عن العدالة الضريبية. واشار الي اهمية ان تكون في الفترة المقبلة سياسات حقيقية تخدم مصلحة الوطن والمواطن معا حتي تكون فعالة في جذب الاستثمارات الحقيقية وتحصيل الحصيلة اللازمة للانفاق اللازم للدولة, موضحا ان دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي سوف يحقق عدة مزايا من اهمها ان تستفيد الدولة من هذا الاقتصاد ويشعر اصحاب الاقتصاد غير الرسمي والعاملين فيه انهم يعملون تحت طائلة ومظلة قانونية واحدة ولهم حقوق وعليهم واجبات, ويرفض د. عبدالمنعم ان تؤجل الضرائب العقارية لانها لن تمس الفقراء ومحدودي الدخل وتسهم في الحصيلة الضريبية بشكل مطلوب وواجب حاليا, اضافة الي ان تظل اسعار الضرائب علي موقفها الحالي لان أي زيادة سوف تؤثر بشكل سلبي علي الاستثمارات القادمة لان مصر تنافسها دول كثيرة في الاستقرار والامان واسعار الضرائب ولسنا بحاجة الي ان نخرج أكثر من ذلك من المنافسة, وعلي ان يكون هناك خطة مستقبلية لتصاعد الضرائب وان يدفع الاغنياء ورجال الاعمال ضرائب اكثر من فئات الموظفين والفقراء بشكل يحقق العدالة الضريبية ويزيد من امكانية حدوثها. ويطالب عبدالله العادلي خبير الضرائب بسياسات ضريبية حقيقية فالقوانين كانت بلا رؤيا واضحة وهذا الكلام سبق ان ذكرناه اكثر من مدة فلابد ان تكون هناك استراتيجية واضحة بما يحقق المعادلة الصعبة وهي تحصيل موارد ضريبية وتحقيق العدالة الضريبية, وهذه الاستراتيجية كانت غائبة وغير واضحة وعلينا في المرحلة المقبلة كما يقول العادلي ان نقوم بتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعلي ان تمنح هذه المشروعات اسعار ضريبية مخفضة تجعل الضرائب وسيلة وليست عبئا علي تلك المشروعات واشار العادلي الي انه كان هناك تمييز في القوانين الضريبية وتعديلاتها حيث تم اعفاء الصكوك بشكل مطلق وهو ما يتناسب مع مبدأ العدالة حيث تخضع الاوراق المالية ووثائق صناديق الاستثمار للضرائب فعلينا ان نكون محددين الهدف وماهو الطريق الذي نريد ان نسير فيه وهل تستخدم الضرائب كوسيلة للجباية او آلية لجذب الاستثمار ومساعدة الدولة علي جذب مشروعات جديدة دون المغالاة في اسعار الضرائب ويكون هناك تمييز للمشروعات الاقل في رأس المال وان كانت سياسة الاعفاءات غير مقبولة حاليا ولكن علي واضعي السياسة المالية ان يأخذوا في الاعتبار الاخطاء السابقة واصدار القوانين دون دراسة كافية لها لأن هذا ما يحدث البلبلة والتخبط الدائمين في المشهد الضريبي ولن يكون لهذا التخبط الا آثار سلبية تضر بالمجتمع.