فى عام 2006، قدم العميد (آنذاك) عبدالفتاح السيسى دراسة فى كلية الحرب الأمريكية بولاية بنسلفانيا (شمال شرق) بعنوان «الديمقراطية فى الشرق الأوسط»، بإشراف الكولونيل ستيفن جراس. وكانت مجلة فورن بوليسى قد نشرت الدراسة فى نسخة إلكترونية على موقعها أمس الأول، مع تعليق مطول عن الدراسة التى أعدها السيسى أثناء دراسته فى الولاياتالمتحدة لنيل زمالة كلية الحرب المرموقة. وقال الباحث فى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى القريب من الدوائر اليمينية الأمريكية أريك تراجر، إن الدراسة الذى قدمه الضابط المصرى المبتعث لا يحمل أية إشارة على كونه ذا ميول إسلامية، بل زعم بأنه «استنساخ عن مبارك». وتتكون الدراسة من 17 صفحة، منها 11 للبحث، سبقتها أربع صفحات شملت اسم الباحث ومشرفه، وتقرير عن البحث، وتلخيص له، وصفحة فارغة، فيما احتلت المراجع ما يزيد قليلا على الصفحتين. ويتكون البحث وهو يدخل فى علم التفكير الاستراتيجى، من مقدمة فى ما يقارب ثلاث صفحات، ومثلها استعراض لمفهوم الديمقراطية من وجهة نظر إسلامية، ثم رصد للتحديات التى تواجه تطبيق الديمقراطية فى الشرق الأوسط، ومخاطرها فى الوقت الحالى، إضافة إلى الاختلافات بين ثقافتى الشرق الأوسط والغرب تجاه الديمقراطية، يليه مستقبل الديمقراطية فى المنطقة، ثم يختم السيسى بحثا بالتوصيات. ويشير تراجر إلى أن البحث انجز بعد عام واحد من «وصول أجندة الحرية التى أطلقها الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن إلى الذروة، وانتخابات ناجحة فى كل من العراق وفلسطين ولبنان، إضافة إلى إجراء أول انتخابات رئاسية تعددية فى مصر». بمجرد مضى عام كان العراق قد دخل فى موجة من الحرب الأهلية (2006 2007) مع تفجير مرقد الأمامين العسكريين فى سامراء (شمال بغداد)، إضافة لفوز حماس وما تبعها من انقسام فلسطينى. وتابع تراجر أن نظام مبارك بدأ منذ ذلك الحين الترويج إلى أن محاولات الولاياتالمتحدة لنشر الديمقراطية من شأنها أن تهدد الاستقرار الضرورى لقيام الديمقراطية. ويزعم الكاتب أن بحث السيسى حمل وجهة النظر الوطنية التى سيطرت على خطاب المسئولين فى عهد مبارك، فقد «أرجع استمرار الاستبداد فى الشرق الأوسط إلى القوى الخارجية فى المقام الأول». وتابع تراجر أن السيسى يرى أنه بسبب «احتياطات النفط والغاز الطبيعى الضخمة»، ظلت «المنطقة تحت ضغط مستمر لتحقيق أجندات لا تتفق مع احتياجات ورغبات الناس». ويضيف تراجر أن السيسى يعتبر أن الصراع العربى الإسرائيلى والحروب الأمريكية فى العراق وأفغانستان، تقوض الأمل فى ديمقراطية بالمنطقة، وينقل الكاتب عن السيسى فى بحثه «نحتاج إلى حل مثل هذه القضايا قبل أن تقبل الديمقراطية من شعوب المنطقة». وقال تراجر إن السيسى أضاف أن الولاياتالمتحدة تدعم أنظمة غير ديمقراطية أعد بها السيسى قائمة دون أن يشير إلى نظام مبارك، على حد تعبير الكاتب فى المجلة. ويتساءل تراجر: «ما علاقة الصراع العربى الإسرائيلى والحرب فى العراق بعدم وجود انتخابات حرة ونزيهة فى مصر؟». ويتابع تراجر أن السيسى يشير أيضا لأسباب اجتماعية واقتصادية فى تأخر الديمقراطية فى الشرق الأوسط، حيث أن «الفقر الذى تسببه الحروب مثل الصراع العربى الإسرائيلى والحرب بين العراق وإيران، والصراع حول الصحراء الغربية فى المغرب، والوضع فى سوريا ولبنان». ويقول تراجر إن السيسى كتب أن اعتبار ولاء الجيش والشرطة للأحزاب الحاكمة فى منطقة الشرق الأوسط من معوقات التحول الديمقراطى. ويزعم كاتب المقال إلى أن هذا ما حدث، فى إشارة إلى أن الجيش كان على ولائه لنظام مبارك، ولم يستطع أن يكون لديه نفس الولاء للإخوان المسلمين. ويعترف تراجر بأن السيسى لم يغفل فشل حكومات المنطقة، حيث يلاحظ (أى السيسى) أن الضعف الاقتصادى يجبر الناس على فعل أشياء يمكن أن تزيد الفساد، وتخلق سلوكا ثقافيا يتناقض مع القيم التى تستند إليها الديمقراطية. «كما أن تضخم الوظائف الحكومية من شأنه أن يخنق المبادرة الفردية» المهمة للحريات الاقتصادية، وبالتالى للديمقراطية. ويقول كات المقال إن السيسى عاد مرة أخرى لتبنى أيديولوجية نظام مبارك التى تقول إن شعوب المنطقة ليست مستعدة للديمقراطية، وأن «تغيير الثقافة السياسية ليس أمرا سهلا». وينقل الكاتب عن السيسى قوله «الديمقراطية هى الشكل الأفضل للحكم، لكنه يجب التكيف مع متطالباتها، كما علينا قبول ببعض مخاطرها». ويرى تراجر أن السيسى يعتبر أن الديمقراطية من شأنها أن تؤثر على النظم الاقتصادية الدينية والإعلامية، وأن الأمر «سيستغرق وقتا» للتكيف مع هذه التغييرات، لكنه يحذر من التغييرات السريعة، لأنها بحسب السيسى ستؤثر على استقرار المنطقة. ويشير تراجر أن السيسى يقول فى بحثه إن «الديمقراطية نظام علمانى، ومن غير المرجح أن يقبلها شعوب الشرق الأوسط المسلمون المتدينون». ويرى السيسى بحسب كاتب المقال أنه «ليس من الضرورى أن تؤدى الديمقراطية فى الشرق الأوسط إلى التطور على نفس النمط الغربى، وهو ما يقوله المسئولون فى المنطقة بحسب تراجر، الذين كانوا يقولون بشكل روتينى لنظرائهم الغربيين، دعونا نطبق الديمقراطية عندما نكون مستعدين. ويرى الكاتب أن السيسى يعتبر الخلافة الإسلامية التى طبقت فى القرون الأربعة الولى من عمر الإسلام، عكست قيم الإنصاف والعدالة والمساواة والوحدة المحبة، وأنها تضم مفهومين يمكن أن يتعايشا مع الديمقراطية ألا وهما البيعة التى يعتبرها مثل الانتخابات، والشورى وهى تعادل الحياة البرلمانية التى تشير على الحكام وتراقب عليهم فى الوقت نفسه. وفى ختام تحليل تراجر لبحث السيسى يرى أنه لا يحمل أى صدى لأفكار الإسلاميين، فهو لم يتحدث مطلقا عن تطبيق الشريعة الإسلامية، كما لا نجد ما يدل على اعتباره أن الإسلام هو الحل، الذى اتخذته جماعة الإخوان شعارا لها خلال العقود القليلة الماضية.