أحد مباحث قراءة القرآن «الوقف والابتداء» وهو أحد فنون القراءة يفتح على القارئ والسامع آفاقا فسيحة لتدبر القرآن، وفضلا عن تأثير «الوقف والابتداء» فى المعانى والتدبر، فإنه كان سببا رئيسا فى الاختلاف الحادث فى عدد الآيات بين مدارس القراءة المختلفة. مسائل «الوقف والابتداء» كثيرة، أهمها معرفة «المواضع الممنوع فيها الوقف»، و«المواضع الجائزة»، و«المواضع التى يفضل فيها الوقف» كذلك تأكيد عدد آيات كل سورة، وهنا نؤكد أن جميع القراء المعترف بقراءتهم يتفقون بإجماع على جميع كلمات القرآن دون زيادة أو نقص أو تحريف إنما يختلفون فى مواضع الوقف مما أدى إلى الاختلاف فى عدد الآيات. ونؤكد مرارا وتكرارا أن معرفة الآيات معرفة توقيفية متواترة عن الرسول فلا يجوز الظن أن أحدا تصرف فى عدد الآيات، أما بالنسبة لما ذكرناه من اختلاف بين المدارس فى عدد الآيات فليس بسبب اجتهاد أو رأى إنما نشأ من الروايات الصحيحة المتواترة عن الرسول فقد كان الرسول يعلم الصحابة دائما الوقوف على نهاية الآية اما إذا كانت الآية طويلة كثيرة الكلمات، فإنه كان يقف حيث «أقرأه جبريل» أو حيث «تم المعنى» أو «اكتملت الجملة»، وحينما رسخت أقدام الصحابة فى معرفة نهايات الآيات كان يصل أكثر من آية ببعضها وهنا ظن بعض الناس أن الآيات التى وصلها فى بعض المرات آية واحدة ونظرا لتعدد الروايات والمناسبات فقد تغير عدد الآيات مع بقاء النص كاملا، كما هو عند الجميع دون زيادة أو نقصان. و«الوقف والابتداء» من أهم مباحث «تجويد القرآن»، فالقرآن كله «نظرية واحدة» أو «شريعة واحدة»، ويعتبر جميعه كما لو كان سورة واحدة، والتقسيم إلى سور وآيات يهدف إلى تيسير الفهم والتفكر والتعلم وتقسيم الوقت وتقسيم المقرر الدراسى أو التعبدى، ولذلك فإن «وقوف القارئ» على معنى واضح مفهوم يساعد الإدراك، كما يجب الالتفات إلى ضرورة عدم تداخل المعانى وفتح الباب للتفسير بالظن والوهم، كذلك إذا اضطر القارئ إلى الوقف على لفظ غير مناسب للوقف، فكيف يعاود استئناف القراءة؟. وقد ميز علماء القراءة بين ثلاثة مستويات من الوقف هى «الوقف، والسكت، والقطع» وبعيدا عن الجدل العلمى فالمقصود بالوقف وقوف القارئ على لفظة يحسن الوقوف عليها لتمام المعنى كما يستطيع القارئ أن «يتنفس» قبل أن يستأنف القراءة اما «السكت» فهو وقوف القارئ وقفة خفيفة مع عدم التنفس، منعا لاشتباه المقصود على القارئ والسامع، وعدد مواضع «أماكن السكوت» محدودة ومعدودة نقلا متواترا عن الرسول وهذه المواضع موضوع عليها حرف «س» من أعلى فى كل المصاحف المتداولة بل ومشار إلى ذلك فى هامش المصحف. والوقف متعدد الأنواع مثل الوقوف على نهاية الآية، و«الوقف اللازم» وهو الوقف الذى يسبب عدم الوقوف عليه معنى غير مراد من القرآن كله ويرمز له بحرف «م صغيرة» وفى الملحق التعريفى فى نهاية المصحف رموز الوقف وعند مطالعة المصحف تبين «م» للوقف اللازم، «لا» للوقف الممنوع، «قلى» لجواز الوقف والوصل مع كون الوقف أول وأفضل، «صلى» لجواز الوقف والوصل مع كون الوصل أولى وأفضل، وأخيرا «وقف المعانقة» ويشار إليه بوضع نقاط على الكلمتين بمثل ((لَا رَيبَ فِيهِ..)) البقرة (2) ويقصد به إذا وقفت على أحد الكلمتين فلا تقف على الأخرى، وهذا مبحث لطيف تستطيع التعرف عليه من كتب الوقف والابتداء وأشهرها فى زمننا كتاب «معالم الإهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء» للمرحوم الشيخ الحصرى.