الذائع المشهور من كتابات الباحثين الجادين أن «رسم الحروف العربية» نشأ فى اليمن فى ظل حضارة «حمير» ثم انتقل إلى الطائف وقريش، والذى لا شك فيه أن العرب قد عرفوا نوعين من الخط (رسم الحروف) أحدهما «الخط الجنوبى» فى اليمن وما حولها، والآخر هو «الخط الشمالى» فى مكة وما فوقها وغربها، وهو الرسم الذى كتب به المصحف لأول مرة فى عصر الرسول وبواسطة كُتاب الوحى، و«الخط الشمالى» يسمى «الخط المسند» وقوامه تسعة وعشرون حرفا مثل سائر الأبجديات السامية، وذلك دون ضبط فى أواخر الكلمات ولا علامة السكون أو التشديد، ويكتب من اليمين إلى اليسار. -2- «رسم الحرف العربى» (خطوط الكتابة) قد استعمل رمزا واحدا لعدة أصوات مختلفة فقد كانت (ب/ ت/ ث/ ن/ ي) دون نقط لها شكل واحد، (د/ ذ)، (ج/ ح/ خ)، (ف/ ق)، (ص/ ض/ ط/ ظ)، (ع/ غ) هكذا لو حذفت النقط لأصبحت تلك المجموعات كل مجموعة لها شكل واحد، هكذا كانت الكتابة العربية ساعة تنزل القرآن الكريم، وهذا التشابه بين الحروف (حيث لا تنقيط) كان سببا فى صعوبة تعلم الكتابة والقراءة لكون تلك الحروف بشكلها دون تنقيط تحتاج إلى جهد عقلى وذهنى شديد. -3- ومع نزول القرآن حرص الرسول على أمرين هامين أولهما ضرورة كتابة القرآن وتوثيقه أولا بأول من خلال أكثر من نسخة، والأمر الثانى ألا يكتب شىء آخر حتى ولو كان الحديث النبوى، وذلك حرصا منه على صيانة القرآن بعدم مزاحمته بأى شىء آخر، فقد قال «لا تكتبوا عنى أى شىء غير القرآن، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه»، وقد تجاوز مجموع كتاب الوحى أكثر من أربعين كاتبا من المهاجرين ثم من الأنصار، وأشهر هؤلاء جميعا زيد بن ثابت، وأُبى بن كعب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وقد أجمع من يعتد بإجماعهم فى هذا الشأن أن جميع القرآن الكريم قد كتب فى عصر النبى وتحت إشرافه المباشر، بل إن الغالبية الغالبة سمعت القرآن بهذا النص أكثر من مرة من فم الرسول، ومن غيره سواء فى الصلوات اليومية أو فى جلسات التعليم والتثقيف. وجميع المثقفين يعلمون أن الرسول كان يراجع القرآن كل عام مرة مع جبريل أثناء الاعتكاف السنوى فى رمضان، ولما كان رمضان الأخير من عمر الرسول حدث ما لم يحدث من قبل، إذ اصطحب الرسول زيد بن ثابت وأقام له خيمة بجوار خيمته التى يعتكف فيها، وقال الرسول إن جبريل قد راجعنى القرآن مرتين على غير العادة وأظن أن الوحى قد قارب الختام، وأن الأجل قد دنا، وعلى ذلك فقد قرأ جبريل القرآن كله بهذا الترتيب الموجود وكان رسول الله يسمع ثم قرأ الرسول وكان جبريل يسمع، وفى نهاية كل جلسة يلتقى رسول الله بزيد بن ثابت ويراجع ما معه من الصحف والأكتاف. -4- وختاما نقرر أمرين هامين، أولهما أن القرآن الكريم كتاب الله وهو جميع التنزيل المدون فى المصحف من أول سورة الفاتحة وحتى نهاية سورة الناس ثانيا: أن عدد سور القرآن بإجماع لا خلاف فيه هو 114سورة، ثالثا: أن عدد آيات القرآن المدونة فى المصاحف التى بين أيدينا هو6236 آية وهو أرجح الأقوال فى ترقيم وعّد الآيات، وإذا كانت بعض كتب القراءات قد أشارت إلى زيادة أو نقص فى هذا العدد فبسبب اختلاف «مواطن الوقف» عند بعض القراء، وليس بسبب زيادة فى الكلمات أو الحروف أو نقص فيها حاشا للقرآن ولكنه اختلاف مواضع الوقوف لا غير.