لقد اعتنى الصحابة - رضوان الله عليهم - بالقرآن الكريم فبذلوا من أجله الغالى والنفيس وكان ذلك واضحاً فى مدى اهتمامهم بالنص القرآنى بداية من كُتاب الوحى فى عهد النبى «صلى الله عليه وسلم» الذين كتبوا القرآن، كما أمرهم صلى الله عليه وسلم فما زادوا أو نقصوا فيه حرفاً واحداً. ومرورا بجمع أبى بكر رضى الله عنه للقرآن فى صحف، وحتى جمعه عثمان رضى الله فى مصحف، حتى وصل إلينا كما أنزل على النبى - صلى الله عليه وسلم فلم يصبه تحريف ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان.. ويبقى السؤال هل اعتنينا بالمصحف كما اعتنى به الصحابة رضوان الله عليهم، وما هى الضوابط التى تم وضعها لضمان سلامة المصحف من الأخطاء، حتى يصل بين أيدينا كما نحب أن نراه على صورته الحسنة الجميلة؟.. وهل الرسم الموجود بالمصحف الآن هو نفس الرسم الذى كتب به القرآن فى عهد النبى «صلى الله عليه وسلم»؟.. ولماذا يطلق عليه الرسم العثماني؟.. وما هى أسراره؟.. كل هذه التساؤلات وغيرها سنجيب عنها فى هذا التحقيق. الضبط والمراجعة فى البداية يوضح الشيخ طارق عبد الحكيم - عضو لجنة طباعة المصحف بمجمع البحوث الإسلامية أن مجمع البحوث الإسلامية هو الجهة الوحيدة فى مصر المسئولة عن منح تراخيص طباعة المصحف أو أى آيات متفرقة، كما أنه المسئول عن مراجعة المصاحف التى تدخل مصر أو تخرج منها، بالإضافة إلى إعطاء تصريح تداول شرائط القرآن المسموع. وأضاف: عندما تريد أى جهة طباعة المصحف فعليها الحصول على موافقة المجمع بالطبع والتداول، وهناك خطوات يجب أن تتبع للحصول على هذه الموافقة، وأولى هذه الخطوات أن تقوم هذه الجهة بكتابة المصحف بخط اليد وإحضاره إلى لجنة المصحف بالمجمع لمراجعته، فيراجعه على الأقل عضوان من أعضاء اللجنة وتتم المراجعة وفقا لأصول علم الضبط والرسم والتجويد والقراءات، والمصحف المطبوع فى مصر مضبوط على رواية حفص عن عاصم التى رواها عن على بن أبى طالب رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم وعضو اللجنة يجب أن يكون حاصلا على الشهادة العالية للقراءات بعد دراسة لمدة خمس سنوات وحاصل على شهادة التخصص فى القراءات وذلك حتى يستطيع أن يكون مؤهلا لمراجعة المصحف وبعد مراجعة المصحف المكتوب تقوم اللجنة بتحديد الأخطاء ووضع الملاحظات ثم ترسله إلى جهة الطباعة لتصويب الأخطاء ثم تحضره مرة ثانية إلى لجنة المصحف فيراجعه عضوان آخران مختلفان عن الذين قاما بمراجعته فى المرة الأولي، فإذا لم تجد اللجنة أى ملاحظات يتم إعطاؤه تصريح لطباعة المصحف ويقوم بطباعة عشرة نسخ فقط ويحضرها للجنة وتتم مراجعتها من قبل عضوين آخرين فإذا كان بها أخطاء أو تصويبات ترسل إلى جهة الطباعة لتصويب الأخطاء، وإذا كانت خالية من الأخطاء يتم السماح لجهة الطباعة بطباعة الكمية المطلوبه، وبعد الطباعة يتم انتقاء نسخ عشوائية من المصاحف المطبوعة وتتم مراجعتها مرتين على الأقل فإذا كانت صحيحة خالية من الأخطاء يتم إعطاء جهة الطبع تصريحا يسمى تصريح التداول لبيع المصحف بالأسواق. المتاجرة والتربح سبب الأخطاء ..وبالرغم من كل هذه الضوابط التى وضعت لمراجعة المصاحف فإننا نجد بعض المصاحف بالأسواق تحتوى على أخطاء.. فما الأسباب التى تؤدى لحدوث مثل هذه الأخطاء وكيف يتم تلاشيها؟.. يقول الشيخ طارق عبد الحكيم: تعدد جهات الطباعة من الأسباب التى تؤدى إلى وجود أخطاء بالمصحف.. فكل من يريد طباعة المصحف يتم السماح له وهذا خطاء كبير.. فتعدد الأيدى التى تطبع المصحف تؤدى إلى ظهور الأخطاء، فجودة الطباعة تختلف من مطبعة لأخرى ومن شخص لآخر بل أن نفس الماكينة ممكن أن تؤدى لحدوث أخطاء كأن يضيع الحبر نقطة أو حرفا أو أن تخرج صفحة سليمة والأخرى غير سليمة، كما أن بعض الصفحات قد تسقط أثناء التجليد. وأوضح أن تعامل بعض المطابع مع طباعة المصحف على أنه عمل تجارى من أهم الأسباب التى تؤدى فى كثير من الأحيان إلى وجود أخطاء ففى بعض الأحيان تقوم المطبعة بطباعة المصحف قبل حصولها على تصريح تداول، فبمجرد أن تأخذ تصريحا لطباعة عشر نسخ للمراجعة تقوم بطباعة كل الكمية المطلوبة، وفى حالة وجود أخطاء بها تقوم بتصحيح الأخطاء ببعض النسخ وتطرح باقى الكمية بالأسواق متضمنة للأخطاء. وطالب بأن يكون فى مصر مطبعة موحدة لطباعة المصحف، واقترح بأن تكون تحت إشراف الرئيس مبارك نفسه تسمى مطبعة مبارك لطباعة المصحف حتى تكون الأمور منضبطة أكثر من ذلك وحتى نستطيع التحكم فى جودة الطباعة ونضمن الاهتمام والرعاية بالمصحف الشريف وخلوه من الأخطاء، فالمصحف أغلى ما يملك المسلمون.. فهو دستورهم، وموحد كلمتهم، وسر قوتهم، وباعث نهضتهم، وسبب نجاتهم، وعزتهم فى التمسك به. الرسم العثمانى شرط الطباعة سؤال قد يراود كثيرا من الناس.. هل كتابة المصحف بالرسم الموجود عليه الآن هو نفس الرسم الذى كتب به القرآن فى عهد النبى- صلى الله عليه وسلم وهل هذا الرسم توقيفى أم أنه يجوز كتابة المصحف بالخط العادي؟.. يجيب عن ذلك الشيخ طارق عبد الحكيم قائلاً: رسم المصحف الموجود بين أيدينا الآن هو نفس الرسم الذى كتب به القرآن فى عهد النبى -صلى الله عليه وسلم والاختلاف هو التحسين فى الخط وإضافة النقط والتشكيل، فكانت كتابة القرآن فى عهد النبى- صلى الله عليه وسلم -خالية من النقط والشكل، اعتمادًا على السليقة العربية السليمة التى لا تحتاج إلى النقط والشكل ولكن عندما فسد اللسان العربى وبدأ اللبس والإشكال فى قراءة المصاحف تمت إضافة النقط والتشكيل، ويطلق على رسم المصحف الرسم العثمانى نسبة إلى عثمان رضى الله عنه لأنه أول من أمر بجمع القرآن فى مصحف نسخاً من صحف أبى بكر التى كانت على نفس الرسم الذى كُتب به القرآن بين يد النبى - صلى الله عليه وسلم. وأوضح أن الرسم العثمانى قد يكون موافقا لقواعد الإملاء فى بعض الكلمات وقد يخالفها فى البعض الآخر، واختلف العلماء فى كون هذا الرسم توقيفيا أو باجتهاد الصحابة، فمنهم من قال أنه باجتهاد الصحابة وهذا رأى ضعيف، والأرجح أنه توقيفى وهذا أدنى ما يقال فيه، فالنبى صلى الله عليه وسلم - هو الذى أمر كتاب الوحى من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة فما نقصوا ولا زادوا على ما أمرهم به صلى الله عليه وسلم.. ولو كان الصحابة كتبوه على وفق ما تعلموا وأقره النبى صلى الله عليه وسلم فيكون توقيفى, لأن النبى - صلى الله عليه وسلم أقره، وهذا أمر مستبعد لأننا نجد هناك كلمات مخالفة لقواعد الإملاء المعروفة وأتفق الصحابة على كتابتها بهذه المخالفة، فنجد كلمات تكتب بطريقة فى سورة وبطريقة فى سورة أخرى، فلو قلنا صحابى أخطأ جائز إنما كل الصحابة يخطئون فى نفس الكلمة فهذا أمر بعيد عن العقل فمثلا نجد كلمة إبراهيم تكتب فى بعض الأحيان بدون ياء (إبراهم) وفي بعض المواضع بثبوت الياء، وكلمة مالك تكتب فى بعض الأحيان من غير ألف (ملك)، وكذلك كلمة الصلاة تكتب بالواو (الصلوة)، واتفاق كل الصحابة على أن يكتبوها بهذا الشكل فهذا معناه أن هذا ليس اجتهادا منهم ولكن إملاء عليهم، ولذلك لا يجوز كتابة المصحف بالخط العادى. وأشار إلى أن البعض يتساءل: كيف علم النبى صلى الله عليه وسلم شكل الكتابة وكان صلى الله عليه وسلم أميا لا يعرف القراءة والكتابة.. والإجابة أن جبريل عليه السلام قد يوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم بشكل الكلمة فيأمرهم أن يكتبوها كما رآها فيقول لهم اكتبوا هذه بألف أو اكتبوها من غير ألف وهكذا. وأوضح أن كتابة المصحف بالرسم العثمانى لها أسرار لا تهتدى إليها العقول وهى من الأسرار التى خص الله عز وجل بها القرآن الكريم فالرسم العثمانى فيه نوع من الإعجاز البلاغى والمعنوى علمه من علمه وجهله من جهله، ومثال ذلك كلمة تماثيل فى سورة سبأ مختلفة فى كتابتها عن الموجودة فى سورة الأنبياء، فنجد كلمة تماثيل فى سورة سبأ مكتوبة بالرسم العثمانى بحذف الألف (تمثيل) لأن التماثيل فى هذا الموضع ليس فيها تعظيم ولا إجلال ولا ارتفاع لشأنها ولا تعبد من دون الله، أما التماثيل التى فى المواضع الأخرى نجدها مكتوبة بالألف لما فى هذه التماثيل من معنى العلو والتعظيم لأنهم كانوا يقدسونها ويعبدونها.. قال تعالي: (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون). سبعة أحرف نزل القرآن على سبعة أحرف.. عبارة يسمعها كثير من الناس ولا يعرفون معناها.. فماذا يعنى سبعة أحرف؟.. يقول الشيخ طارق عبدالحكيم: الأحرف السبعة معناها مختلف فيه هل هى سبع لغات أو سبع لهجات أو غير ذلك.. فنزول القرآن على سبع أحرف كناية على أن القرآن له أوجه كثيرة يقرأ عليها القرآن محصورة فيما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم - بالطرق والقواعد المعروفة فى هذا العلم، والحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف حكمة جلية وواضحة جداً لأن من إعجاز القرآن المعجزة الصوتية، وقد تحدى الله عز وجل العرب بأن يأتوا بمثل القرآن قال تعالي: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)، وهذا التحدى وقع لجميع قبائل العرب، لا نقول أنه كان لقريش فقط، أو هزيل فقط أو تميم فقط ولكن نقول لجميع قبائل العرب، فكان لابد أن ينزل القرآن بألسنتهم جميعاً حتى يقع التحدى لجميع القبائل فلماس نزل القرآن بجميع لغات العرب ووقع به التحدي، وعجزوا جميعاً، أن يأتوا بمثل القرآن، اقتصر القرآن بعد ذلك على الأفصح من كلام العرب ومعظمه من لغة قريش فعند نسخ عثمان رضى الله عنه للمصاحف من صحف أبى بكر رضى الله عنه قال لأعضاء اللجنة المخصصة بنسخ المصاحف: (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم)، ونسخت اللهجات الغريبة, وأوضح أن من حكم نزول القرآن على سبعة أحرف التيسير والتسهيل على الناس فى حفظ القرآن الكريم.