«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع على مصر: مباركية دون مبارك
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 07 - 2013

منذ انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر في انتخابات ديمقراطية لم تسلم من الفساد والرشاوى الانتخابية التي مارسها خصمه المباركي أحمد شفيق، أخذ ائتلاف من الليبراليين المصريين، والناصريين واليساريين بما في ذلك طائفة من الاشتراكيين والشيوعيين وحتى الإخوان المسلمين المنقلبين على جماعتهم والسلفيين، بالسعي ببطء ولكن بثبات، إلى إقامة تحالف مع بورجوازية مبارك الحاكمة وفلول نظامه للإطاحة بمرسي، بحجة أن الأخير وحزبه كانوا يستعدون لاستيلاء "نازي" على البلاد وتدمير ديمقراطيتها الوليدة.
السيناريو الذي كان يخشونه هو ذلك الذي مكّن النازيين بإقامة دولتهم الشمولية في عام 1933. ففي يوليو/تموز عام 1932، حصد الحزب النازي أكثر من 37 في المائة من الاصوات في انتخابات الرايخشتاج (البرلمان) الألماني، ليصبح أكبر حزب في البرلمان. وفي 30 يناير/كانون الأول عام 1933، عين الرئيس الألماني بول فون هيندينبيرغ هتلر رئيس وزراء الرايخ، حيث شكل الأخير حكومة تتضمن أقلية من الوزراء التابعين للحزب النازي. وبعد شهر من تشكيله الحكومة الجديدة، في 27 فبراير/شباط عام 1933، قام مجهولون بإحراق مبنى الرايخشتاغ في برلين. وقد ألقى هتلر باللائمة على الشيوعيين واتهمهم بالتخطيط لمؤامرة للإطاحة بالبرلمان المنتخب ديمقراطيا، وطلب من رئيس جمهورية فايمار منحه سلطة إعلان الطوارئ لتعليق الحريات المدنية كي يتمكن من مطاردة الشيوعيين، وسجنهم، وحل الأحزاب السياسية وإغلاق الصحف. وهو ما جاء بما عرف ب "مرسوم حريق الرايخشتاغ". وفي يوم 23 مارس/آذار، منح مجلس النواب الألماني صلاحيات ديكتاتورية لهتلر، مفسحا الطريق لإقامة النظام النازي الشمولي.
ما لبث التحالف المناهض لمرسي، الذي بدأ بالتشكل بشكل جدي ولكن على استحياء في شهر أغسطس/آب 2012، أن اتسم بالثقة والحزم بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2012، على اثر إصدار مرسي إعلانه الدستوري سيئ السمعة، الذي ركز السلطة السياسية في يد الرئيس. قبل انتخاب مرسي، كانت البورجوازية المباركية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي حكم مصر لمدة سنة وأربعة أشهر بعد الإطاحة بمبارك، وبمساعدة من قضاة مبارك، قد قاموا بحل مجلس الشعب المصري المنتخب ديمقراطيا بعد انتفاضة يناير/كانون الثاني، والذي كان يشكل الإسلاميون أغلبية فيه، لأسباب إجرائية. وقد قاموا بذلك وسط تهليل الليبراليين واليساريين الذين زعموا أنهم القادة الحقيقيون لانتفاضة 25 يناير التي أطاحت بمبارك، وأنهم يخشون من الإسلاميين المنتخبين، الذين صوروا، ليس كجزء من الانتفاضة، بل كراكبين لموجة "ثورتهم". كما أصدر الجيش، قبل بضعة أيام من انتخاب مرسي، إعلانا دستوريا قّيد فيه صلاحيات الرئيس المنتخب ومنحها للجيش.
كانت خشية الليبراليين واليساريين هي أن تصبح جماعة الإخوان المسلمين حزب مصرالنازي، حيث أنهم زعموا بأن الأخيرين سيتظاهرون بأنهم ديمقراطيون إلى حين انتخابهم، وبعد ذلك لن يقبلوا التنازل عن الحكم وتداول السلطة وسيقوضون العملية الديمقراطية بهدف إقامة ديكتاتورية إسلامية. حقيقة أن القضاة المعينين من قبل مبارك هم من قام بحل البرلمان المنتخب ديمقراطيا لم تتسبب بالكثير من الإزعاج لليبراليين واليساريين، ولكن هؤلاء الأخيرون شعروا بالرعب عنما أصدر مرسي إعلانه الدستوري، والذي كان هدفه انتزاع السلطة من أيدي قضاة مبارك الذين كان مرسي قد حاول عزلهم دون جدوى. في الواقع، لقد نظر الليبراليون واليساريون إلى الإعلان الدستوري على أنه بمثابة "مرسوم حريق الرايخشتاغ". وقام مرسي بعد ذلك بمراجعة نفسه وألغى المرسوم رضوخا للمعارضة الشعبية. كما أعرب فيما بعد عن أسفه لإصداره.

سجل مرسي في الحكم
بدت حكومة مرسي مطواعة ومتفهمة للمصالح الغربية، بما في ذلك مصالح إسرائيل، التي تلقى رئيسها شمعون بيريز رسالة رسمية من الرئيس مرسي دعاه فيها ب"صديقي العزيز". وخلافا للتوقعات التي كانت تنتظر صداقة مزدهرة مع حماس، تم إغلاق الحدود مع غزة في رفح في ظل حكومة مرسي، أكثر مما حصل في عهد مبارك، كما أصبح التنسيق الأمني مع إسرائيل أكثر حميمية مما كان عليه في زمن مبارك، ومما زاد الطين بلة، قيام مرسي، مع الجيش المصري وبمساعدة من الأميركيين، بتدمير معظم الأنفاق بين غزة وسيناء، التي حفرها الفلسطينيون من أجل تهريب المواد الغذائية والبضائع، خلال فترة الحصار الممتد منذ عام 2005، والتي لم يجرؤ مبارك على هدمها. كما ذهب مرسي أبعد من ذلك عندما قام بالتوسط بين إسرائيل وحماس أثناء الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، تكفل خلاله بأن حماس لن تقوم بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، دون أن يضمن لحماس ذات الالتزام الإسرائيلي. صحيح أن مرسي رفض الالتقاء بالزعماء الاسرائيليين، ولكن حتى مبارك رفض زيارة إسرائيل لسنوات قبل الإطاحة به، واستدعى سفيره في تل أبيب احتجاجا على السياسات الإسرائيلية. ويظل أهم قرارات مرسي قبل الإطاحة به مؤخرا لا إغلاق السفارة الإسرائيلية، التي كان أصدقاء وأعداء الإسلاميين يتوقعون بانه سيفعلها، وإنما إغلاق السفارة السورية عوضا عنها في دعم مباشر للتمرد الذي يخوضه إسلاميون يمينيون في سوريا.
أثناء وجوده في السلطة، واصل مرسي وحكومته سياسات مبارك في تقليص القطاع العام والإنفاق الاجتماعي في حرب مستمرة على الفقراء والمحرومين في مصر، والذين يشكلون غالبية السكان. وقام مرسي بمواصلة نهج السياسات النيوليبرالية التي تخدم مصالح الأغنياء والمتنفذين، بما في ذلك اتفاق مع صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرض بخمس مليارات دولار تقريبا (الذي لم يتم، دون أن يكون عدم إتمامه نتيجة أي تقصير من قبل مرسي الذي قبل بشروط الصندوق كاملة)، والتي من شأنها التوسع في التدابير التقشفية القائمة أصلا والتي تزيد من معاناة الفقراء. كما أنه لم يتقدم بأي مشروع لتغيير قوانين العمل الحالية والقوانين الضريبية التي تحابي الأغنياء على حساب العمال والموظفين من الطبقة المتوسطة والفقراء. كما أنه لم يقم بمحاكمة جنرالات الجيش على الجرائم المدعى عليهم فيها (بل إنه بدلا من ذلك أنعم عليهم بأعلى أنواع الأوسمة والنياشين وعين مَن أحالهم على التقاعد منهم مستشارين له)، كما لم يحاكم البورجوازيين المباركيين الذين أمعنوا سرقة ونهبا في البلاد لمدة ثلاثة عقود ونصف العقد، ناهيك عن الأجهزة الأمنية التي استمرت في قمع المصريين تحت حكمه.
على العكس من ذلك، فكرئيس خرج من رحم الجناح اليميني النيوليبرالي لجماعة الإخوان المسلمين (مقارنة بعبد المنعم أبو الفتوح الأكثر وسطية والذي خاض سباق الرئاسة ولكنه خسر)، فقد أبدى مرسي اهتماما بإنشاء تحالف بين البورجوازيين الإسلاميين النيوليبراليين، ويمثل خيرت الشاطر أبرز وجوههم (وقد منع الأخير من الترشح للرئاسة من قبل المحاكم المباركية) وبين البورجوازية المباركية. وعلى عكس الشاطر الذي هو ابن لتاجر ثري، والذي قام بجمع ثروته الخاصة في مصر، فإن الكثير من الإسلاميين الأغنياء، وليس جميعهم، قد كانوا جمعوا ثرواتهم في دول الخليج. وبينما لم يسمح لهم في الغالب بالمشاركة في عملية نهب مصر، التي كانت مقتصرة على رجال الأعمال من أصدقاء مبارك، فقد أرادوا الآن الحصول على حصتهم من عملية النهب الجارية في البلاد.
وبينما كسب مرسي ود الجيش بدعم من الولايات المتحدة لسلوكه الجيد، على الأقل حتى الأسبوع السابق لخلعه، فقد بذل ما بوسعه لإقناع البورجوازية المباركية بالسماح للإسلاميين بالمشاركة في نهب مصر، إلا أن البورجوازية المباركية رفضت تلك المطالب رفضا باتا.

ردّ المباركيين
كان رد البرجوازية المباركية على هذه المحاولات هو أن مصر نهب لهم وحدهم (على الرغم من أنهم كانوا دائما سعداء بمشاركة الأمريكيين، والسعوديين، والإماراتيين، وبالطبع الإسرائيليين)، وبأنها لن تسمح لبعض محدثي النعمة من الإسلاميين بالتحرك في منطقتهم. ونتيجة تجاهله للفقراء، من فلاحين وعمال، والطبقات المتوسطة من ذوي الدخل المنخفض، وتودده لأعضاء جماعته من الإخوان المسلمين، والبورجوازيين الإسلاميين والمباركيين، والجيش، فلم يتبقى لمرسي سوى جماعة الإخوان المسلمين في مواجهة الجيش الذي تخلى عنه والمباركيين والائتلاف المتآمر الذين كثفوا من هجماتهم عليه.
كانت البورجوازية المباركية قد أطلقت العنان لامبراطورياتها الإعلامية لمهاجمة مرسي والإخوان المسلمين. أسبوعا بعد أسبوع، وساعة بعد ساعة، على شاشات التلفزيون، في الصحافة، في مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك وتويتر، شنت حملة لا تكل من التشهير والمبالغات، والكذب السافر. ذهب مذيعو ومذيعات القنوات الفضائية إلى حد التحريض والدعوة للإطاحة العنيفة بمرسي. فيما دعا أعضاء المعارضة، مثل المليونير المهندس ممدوح حمزة، الجيش علنا للقيام بإنقلاب.
استهدفت الحملات، التي حظيت بدعم السعوديين والإماراتيين، قطر، راعية جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي، مصورة إياها بالوحش المالي الذي يسعى لشراء كل شيئ في مصر، بما فيها قناة السويس والأهرامات! حيث هاجم المذيع التلفزيوني الساخر باسم يوسف ( المشهور جدا في أوساط الطبقتين البرجوازية والوسطى في القاهرة والإسكندرية، وغير المعروف تقريبا لغالبية الفقراء والطبقات الدنيا في مدن مصر وأريافها، والذين لا يفهمون معظم مرجعياته المستمدة من الثقافة الغربية وثقافة الطبقة الوسطى العليا المصرية المتغربنة) قطر بمحاكاة ساخرة ذكية لأغنية قومية من أواخر الخمسينيات استخدم فيها اسم قطر عوضا عن "الوطن العربي" كموضوع تهليل الأغنية، نظرا إلى تعاظم استثماراتها المالية في مصر (الحقيقية والمتخيلة). أما السعوديون والإماراتيون، والأمريكان غيلان المالية الأكبر الذين يمتلكون استثمارات وممتلكات في مصر تتجاوز بكثير ما يشاع بأن قطر الشرهة تمتلكه، فيبدو أن أيا منهم لا يستحق أغنية ساخرة على شاكلة القطريين. تكمن المفارقة هنا بأنه بينما القطريون هم الرعاة الرسميون ومهندسو تمكين جماعة الإخوان المسلمين في جميع الدول العربية التي شهدت انتفاضات، بما في ذلك مصر، أو التي فُرض عليها أن تشهدها من قبل القطريين، كما هو الحال في ليبيا وحتى في سوريا، فإن السعوديين والإماراتيين هما من يرعى ويدعم بقوة الثورات المضادة والأنظمة المخلوعة.
في هذه الأثناء، واصلت وسائل الإعلام وصانعوا الآراء الحديث عن مرسي بوصفه "هتلر" الجديد وعن جماعة الإخوان المسلمين بوصفها "الحزب النازي". وتأكيدا على ذلك، فقد قام باسم يوسف ذو النزعة الغربية جدا على رفع العلم النازي لجمهوره في إحدى حلقات برنامجه كإشارة إلى راية جماعة الإخوان المسلمين، معتقدا أن معظم المصريين سيعرفون العلم النازي ودلالاته وسيطلقون صيحات الإستنكار والرعب. إلا أن ردة فعل الجمهور في الأستوديو لم تظهر ذلك، ولم تظهر اهتماما بدلالات العلم النازي، وهي دلالات غير معروفة لمعظم المصريين (الذين هم، على عكس نظرائهم في الغرب، ليسوا مستهلكين شرهين لأفلام هوليوود عن الحرب العالمية الثانية) خارج الدوائر السياسية والفكرية، وبالتالي فقد بدا الأثر محدودا. ولكن التشبيهات بالنازية وهتلر ستظهر مرارا وتكرارا أيضا في مقالات صحفية لعدد من الأكاديميين. في الواقع، قام أحد كتاب الأعمدة بتشبيه وزير الثقافة المعين مؤخرا بجوبلز، وهذه ليست مشكلة في حد ذاتها، ولكن ماذا عن وابل الدعاية والأكاذيب اللامحدود من قبل التكتلات الإعلامية المناوئة لمرسي؟ الا تستحق هذه المؤسسات المقارنة بغوبلز؟
ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن هذه الاتهامات النازية غالبا ما تستخدم في السياسة العالمية لتبرير جميع أنواع الاعتداءات. وفي الواقع، ليس مرسي أول رئيس مصري يتهم بأنه هتلر. ففي عام 1954، وعلى ضوء فضيحة لافون، أطلقت إسرائيل على عبد الناصر اسم "هتلر النيل" بسبب ملاحقته ومحاكمة جواسيس وإرهابيي إسرائيل. وقد حذا الفرنسيون والبريطانيون حذو الإسرائيليين خلال إعدادهم لغزو مصر عام 1956 مدعين بأنهم يخوضون حربا على فاشية عبد الناصر وأن لافاشيتهم تتفوق على مناوءة عبد الناصر للامبريالية، كما جادل الليبراليون الغربيون الذين أيدوا غزو الولايات المتحدة لشبه الجزيرة العربية في عام 1991 وللعراق في عام 2003 للاطاحة بصدام بأن لافاشيتهم قد تفوقف على مناوءة الامبريالية التي تحصن وراءها معارضو الغزو. لم يسمى حسني مبارك، في المقابل، الذي شغل منصب طاغية على مدى ثلاثة عقود، ابدا بهتلر من قبل الصحافة المعارضة. ومن المفارقات أيضا، أن الرئيس المصري الوحيد الذي تعاطى مع النازية لم يكن سوى أنور السادات الذي كان من المؤيدين المتحمسين للنازية في شبابه.
في حالة مرسي، فإن أبرز القنوات الفضائية التي تبنت الحملة الإعلامية ضده و ضد جماعة الإخوان المسلمين كانتا CBC و ONTV (وكلتاهما مملوكتان لأعضاء من البورجوازية المباركية)، اللتان تفوقتا إلى حد كبيرعلى جريدة إل-ميركوريو الممولة في حينها من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية في حملتها على سلفادور أييندي قبل الانقلاب الذي رعته وكالة الاستخبارات المركزية للإطاحة به في عام 1973 في تشيلي،- وهو لا يعني أن مرسي هو أييندي بل أن أعدائه المتنفذين لا يختلفون عن أعداء أييندي (فقد حملت نساء الطبقة الوسطى الأواني والمقالي في تظاهراتهن، وخرج أعضاء نقابة سائقي الشاحنات، بين قطاعات أخرى، بمسيرات ونظموا إضرابات ضد حكم أييندي).
وقد روجت الشائعات أن حكومة مرسي، المعادية للفلسطينيين والتي كان عداؤها لحماس يتزايد، كانت تزود فقراء غزة الفلسطينيين المحاصرين بالكهرباء (وهو ما لم يحدث على أي حال) التي زُعم أن مرسي يقوم بسرقتها من الشعب المصري، متسببا في نقص هائل في الكهرباء في القاهرة ومختلف أنحاء البلاد. كما راجت شائعات بأن مرسي قد تنازل عن سيناء لحماس والفلسطينيين. وشائعات أخرى زعمت بأن مرسي قد استقدم عناصر من حماس للتحرش بالليبراليين واليساريين المصريين الذين عارضوا سياسات مرسي . وقبل أسبوع واحد فقط من الاطاحة به، قيل لنا دون أي دليل يذكر بأن مرسي قد جلب 1500 عنصرا من حماس لمهاجمة التجمعات الضخمة التي ينوي المتظاهرون المناهضون لمرسي تنظيمها يوم 30 يونيو/حزيران لمطالبة مرسي بالتنحي. اجتاحت البلاد نتيجة هذه الحملات الإعلامية الكاذبة موجة هستيريا كانت وما تزال من الضخامة بحيث رأينا أكاديميين ليبراليين ويساريين متوازنين عادة يتخلون تماما عن حسهم النقدي ويخرجون عن طورهم وينغمسون بكليتهم بالتدوينات الفيسبوكية والصحافة الصفراء، التي أصبحت مصدرهم الرئيس للمعلومات والعلم.

المواجهة
كانت حكومة مرسي مصرة على المضي قدما في خططها، مع استمرار تخبطها وارتكابها الأخطاء الفادحة (ناهيك عن سياساتها النيوليبرالية وعجزها التام عن إدارة البلاد والتي تكفي بمفردها لفضح عدم كفائتها)، بما في ذلك اجتذاب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين للمناصب الرئيسية في الحكومة، وفي اللجان الدستورية، والوظائف العامة. صحيح أن مرسي دعا كثيرين من المعارضة طوال السنة التي قضاها في السلطة للانضمام إلى اللجان، ومجلس الوزراء، والوظائف العامة، وحتى للانضمام إلى فريق مستشاريه (ومنهم من قبل الانضمام لفترة من الوقت)، إلا أن معظمهم رفض هذه العروض، خوفا، مشروعا في كثير من الحالات، من أن يتم استخدامهم كواجهات لما يتوقع أن يكون برنامجا ل "أخونة “الدولة، والتي قد بولغ في تضخيمها بشكل خيالي من قبل وسائل الإعلام المباركية. فيما استقال آخرون من مناصبهم الاستشارية لأن مرسي رفض الاستجابة لنصائحهم، ومن الجدير بالذكر، وفقا لمصادر الإخوان المسلمين، بأنه لم يكن يستجب لنصائح مستشاريه من الإخوان المسلمين أيضا.
ولكن عدم كفاءة مرسي وحزبه لم تكن السبب الوحيد في تدهور البلاد في العام الماضي. فحيثما كان يتوجه مرسي، كان يضع المباركيون العقبات له بالمرصاد. فقد رفضت أجهزة الدولة المختلفة التعاون معه، كما حارب القضاة كل خطوة اتخذها، ورفضت الشرطة الانتشار في الشوارع. كما قامت البورجوزازية المباركية، كما كشفت الصحافة الدولية على نطاق واسع، باختلاق أزمة طاقة أدت إلى نقص كبير في الوقود والكهرباء، ما لبثت هذه الأزمة أن تلاشت بأعجوبة بمجرد أن تم إقصاء مرسي من السلطة.

هذا كله هيأ المسرح لتعبئة ضخمة ل"حركة" جديدة تطلق على نفسها اسم "تمرُد"، دعت إلى تظاهرات يوم 30 يونيو/حزيران، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى مرور سنة على تولي مرسي الرئاسة. وقد انضمت لها طائفة من جميع ألوان الطيف السياسي، التي تجمعت وبلورت أهدافها منذ انتخاب مرسي، بما في ذلك جبهة الانقاذ الوطني، التي تشكلت على عجل بعد صدور إعلان مرسي الدستوري، وانضمت إلى الأصوات المطالبة بتنحي مرسي. ونجحت الحركة في تعبئة الحشود في الشوارع التي بلغت ذروتها في تظاهرات 30 يونيو/حزيران.
تم التوصل لاتفاق مع الجيش (والأميركيين)، أعلن فيه الجيش الانقلاب، والإطاحة بمرسي، وبدء عملية المطاردة، التي انضم لها أعضاء متحمسون من الحشود لمطاردة جماعة الإخوان المسلمين. حيث أحرقت مكاتب الجماعة في جميع أنحاء البلاد من قبل المتظاهرين "السلميين"، بما في ذلك مقرها الرئيس في القاهرة. أما الإنقلاب فلم يسمى انقلابا، وقد اعتبر أعضاء الائتلاف الشعبي أي شخص يسميه انقلابا "عدوا للشعب المصري"، حيث أكدت على ذلك العديد من التدوينات التي تم نشرها على تويتر والفيسبوك. بينما أغلقت محطات التلفزيون الإسلامية والتابعة لجماعة الإخوان المسلمين في ذات اللحظة التي تم فيها الاعلان عن الانقلاب، كما اختطف مرسي من قبل الجيش ووضع تحت الإقامة الجبرية في موقع عسكري غير معلن، وألقي القبض على كبار أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو أصبحوا في عداد المطاردين. من جانبها دافعت قيادات جبهة الانقاذ الوطني دون تردد عن الإجراءات القمعية التي أعقبت الانقلاب، ووقف محمد البرادعي منسقها العام (المفتقد للكاريزما) ينتظر تعيينه في حكومة ما بعد الانقلاب مكافأة على جهوده في الترويج للإنقلاب على أنه ثورة ديمقراطية، أو حتى إجراء "انتخابات نبذ الرئيس المنتخب" recall elections .
من أولى الإجراءات التي قام بها قادة الانقلاب كان إغلاق معبر رفح إلى أجل غير مسمى، وخنق قطاع غزة وسكانه الفلسطينيين. كما استؤنفت على الفور عملية هدم الأنفاق التي نجت من التدمير في الحملة السابقة. واتخذت موجة كره الفلسطينيين، وعلى نحو متزايد السوريين والعراقيين، أبعادا فاشية. حيث أصدر قادة الانقلاب بيانا يهدد أبناء هذه الجاليات المقيمين في البلاد بالملاحقة القانونية اذا انضموا إلى أي من التظاهرات. أما مشهد الاحتفالات الشعبية الحالية في القاهرة فهو من المفارقات التي تذكرنا بالاحتفالات الفاشية المتغطرسة في أوروبا الثلاثينيات لا باحتفالات ديمقراطية. ولكن ليست جماعة الإخوان المسلمين من قام بالانقلاب، كما قيل لنا أن نتوقعه على مدار عام كامل، كما أنهم ليسوا هم من وضعوا المعارضة في السجن وأغلقوا محطات التلفزيون الخاصة بهم، وأحرقوا مقارهم، وقاموا بمطاردتهم في الشوارع ودعوة الناس إلى تسليمهم إلى الشرطة وتقديم التقارير بشأنهم.
ورغم أن العديد من الصحف ومحطات التلفزيون كانت تدعو علنا إلى تمرد مفتوح وللإطاحة العنيفة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا، فلم يتم خلال سنة كاملة من حكم مرسي إغلاق محطة تلفزيونية واحدة أو صحيفة. صحيح، أنه تمت محاكمة بعض الصحفيين بتهمة إهانة الرئيس (ولم يتعرض أي رئيس في مصر أو حتى في أي بلد آخر ولو لجزء صغير من الشتائم والسخرية اليومية، إن لم تكن على مدار الساعة، التي عانى منها مرسي خلال فترة ولايته، ناهيك عن سوقية لغة وسائل الإعلام التي استخدمت لإذلاله) والتي لم تزد عن الحكم بدفع الغرامات. وبينما لم يكن بإمكانه التدخل بنجاح في عمل وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص، إلا أن مرسي قام بالسيطرة على كل الصحف المملوكة للدولة واستبدال رؤساء التحرير فيها، والذين كان الكثير منهم مباركيون، ولكن بعضهم كان قد تم انتخابه من قبل زملائهم، بتعييناته الخاصة.
يشعر المرء بالرعب من أجواء المطاردة السافرة في شوارع القاهرة، فلا أحد مستثنى من هذه المطاردات التي لم تعد مقتصرة على الأعضاء المنتسبين رسميا لجماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل حتى بوابو العمارات الفاخرة في حي الزمالك الراقي الذين ابدوا دعما لمرسي أثناء فترة حكمه لم يسلموا من الملاحقة من بوابين مناهضين له ليلة الانقلاب ومن بعدها، حيث قام الأخيرون بتهديدهم، مما جعلهم يلزمون مساكنهم خشية على حياتهم. وتشهد أحياء الطبقة الوسطى والأحياء الفقيرة والمدن الصغيرة والأرياف انقساما أكبر وتهديدا أعنف يتمثل بتورط جميع الأطراف بتبادل إطلاق النار والقتل المباشر. قام الجيش نفسه بقتل عشرات المتظاهرين المؤيدين لمرسي ممن يعارضون الانقلاب. ونتيجة صعود موجة الإعجاب والاحتفاء الفاشي بالجيش والشرطة على المستوى الشعبي، يخشى الكثيرون من أن يؤدي الوضع إلى قيام حرب أهلية ومذابح ضخمة ضد أولئك الذين باتوا يعرفون بأنهم "أعداء" مصر والشعب المصري.

الليبراليون واليساريون
كيف للمرء أن يفسر دعم ليبراليين يساريين لانقلاب على الديمقراطية التي قد ناضلوا من أجلها، وأن يلجأوا "للثورة" على "الديمقراطية"، متحالفين مع البورجوازية المباركية ومع الجيش الذي أدانوه بشدة قبل سنة حتى أرغموه على نقل السلطة لحكومة منتخبة؟ من الواضح بأن العسكر والبورجوازيين وقضاة مبارك لم يتغيروا، ولكن من تغير هم الليبراليون واليساريون. ومنطقهم يذكر بفيلم الخيال العلمي الهوليوودي "تقرير الأقلية" Minority Report، الذي تتم فيه محاسبة الناس على "ما قبل الجريمة" – أي تلك الجرائم التي من المحتمل أن يقترفوها في المستقبل إذا لم يتم اعتقالهم قبل اقترافها. لقد زعم الليبراليون واليساريون بأن الإخوان المسلمين كانوا في طريقهم لتنفيذ انقلاب من نوع ما على الديمقراطية والبدء بقمعهم، ونتيجة هذه الجريمة المستقبلية، التي من المتوقع لمرسي والإخوان المسلمين اقترافها، كان على معارضي مرسي واجب التدخل لمعاقبتهم الآن ولمنعهم من إلغاء الديمقراطية في المستقبل.
ولكن الليبراليون واليساريون هم من ساعد على الإنقلاب، وهم من قام بإنهاء ديمقراطية الصناديق، وهم من ينادي ويقوم باضطهاد ومحاكمة الإخوان المسلمين على جرائم حقيقية ومتخيلة، وليس العكس. يصر هؤلاء على أنه ما دام الإنقلاب يحظى بالشعبية، فهذا يعني أن الشعب يريده. ولكن الشعب أراد الفاشية وأراد النازية أيضا؟ كيف يمكن لمثل هذا الحجة أن تكون من أجل الديمقراطية، وهو ما يزعمونه؟ يجيبون متذرعين بأن العمال والفقراء قد انضموا إلى مسيراتهم. ولكن العمال والفقراء انضموا أيضا إلى مسيرات الفاشيين والنازيين. كما أنهم جزء من تظاهرات الإخوان المسلمين.
يزعم اليساريون بأن دعمهم للإنقلاب وتحالفهم مع البورجوازية الكمبرادورية المباركية هي في الحقيقة دعم وتحالف مناهض الإمبريالية ويحتجون على "استشراقية" الإعلام الغربي في تغطية الإنقلاب ( وكأنما سبق يوما أن كان الإعلام الغربي غير استشراقي في تناوله لقضايا منطقتنا)، ويتهمونه بالعداء لهم، ويحتجون على احتمالية أن يقوم أوباما بقطع المساعدات العسكرية للجيش المصري بناء على القانون الأمريكي الذي يمنع تقديم مساعدات عسكرية لقادة الإنقلابات في العالم الثالث (علما بأن كارتر وريغان سبق وأن ابتكرا مخرجا لهذه المعضلة في السبعينيات والثمانينيات من خلال تعاقد باطني مع إسرائيل لمساعدة حلفاء أمريكا المناهضين للديمقراطية في أمريكا الوسطى والجنوبية وفي دولة الفصل العنصري الجنوب أفريقية، ولن يعدم أوباما بدوره الوسيلة لحل المعضلة). وعلى أية حال، فالمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر لسنة 2013 قد تم صرفها بالفعل، ولن تدرج مساعدات سنة 2014 على جدول تصويت الكونغرس الأمريكي إلا في الخريف القادم. ولكن، لا داعي للقلق، فالدبلوماسيون الإسرائيليون، على أعلى مستوياتهم، يقومون بالضغط على البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية من أجل مواصلة المساعدة العسكرية الأمريكية لمصر.
الحجة المنطقية الثانية التي يطرحها الليبراليون واليساريون هي بأنهم عندما قاموا وآخرون بإشعال الانتفاضة في يناير وفبراير/كانون الثاني وشباط 2011 التي أدت لإسقاط مبارك واستيلاء الجيش على السلطة وحكم البلاد بعد ذلك مباشرة، فإن قلة من وصف ما حدث بأنه "انقلاب" بل سموه "ثورة". بينما الآن، وبالرغم من أن انتفاضة هائلة قد اندلعت وتدخل العسكر أيضا دون أن ينصبوا أنفسهم كحكام، فإن البعض يسميه "انقلابا". هذا بالطبع طرح صائب ولكنه يفتقر إلى الدقة، حيث أنه يتجنب معالجة القضية المركزية. ففي شهر فبراير/شباط 2011، رفض الجيش الانصياع لأوامر الدكتاتور غير المنتخب من خلال عدم إطلاق النار على المدنيين، مما ساعد على إسقاطه، بينما قام الجيش في شهر يوليو/تموز 2013 بالإطاحة برئيس منتخب من أكثر من نصف الناخبين المصريين الذين صوتوا له في انتخابات ديمقراطية.
غضِب الليبراليون واليساريون الداعمون للإنقلاب على الأمريكيين ونددوا بالامبريالية لفشل الأمريكيين المزعوم بدعم ثورتهم ضد الديمقراطية بشكل لا لبس فيه، غافلين، على ما يبدو، عن مدى المساعدة التي قدمها الاميركيون من وراء الكواليس لإنجاح الانقلاب. أما في العلن، فقد حاول أوباما بكل ما أوتي من مهارات بهلوانية لغوية التوافق مع الليبراليين واليساريين بعدم تسمية الانقلاب بالانقلاب. ومع أن غضبهم على الأميركيين في غير محله، فهو ليس بالضرورة غضبا معاد للإمبريالية، بل ينم عن جرح نرجسي لأن الولايات المتحدة قد تحالفت (مثلها مثل الجيش المصري)، ولو مؤقتا، مع جماعة الإخوان المسلمين وليس معهم، حتى على الرغم من أن الولايات المتحدة (شأنها شأن الجيش المصري) قد تخلت بوضوح عن الإخوان المسلمين مانحة الضوء الأخضر للانقلاب. فغضبهم إذن ليس سوى أسلوبهم في مغازلة الأمريكيين للعودة إلى معسكرهم حيث الأمريكيون موجودون أصلا. وقد أعربت صحيفة وول ستريت جورنال بالفعل عن أملها وتوقعها أن يكون الجنرال السيسي "بينوشيه مصر". وقد أبدى بعض الليبراليين تذمرهم لأن الجمهوريين ليسوا في السلطة، لأنهم لو كانوا هم من يحكم الولايات المتحدة لما كانت ردة فعلهم على الانقلاب بهذه الصورة "اللينة" التي أبداها الديمقراطيون. لكن الأميركيين لم يتلكأوا على الإطلاق في هذا الصدد!
الأمريكيون حلفاء لجميع الأطراف المصرية وهم مستعدون لأن يدعوا الشعب المصري يختار من يحكمه كي يتسنى للولايات المتحدة عندئذ إصدار أوامرها لهم كما كانت تفعل مع مبارك ومع الإخوان المسلمين. إن كل ما يهم الأمريكيين هو التأكد من أن مصالحهم في مصر محمية. وبما أن أحدا من الائتلافات المناهضة أو الموالية لمرسي لم يجرؤ على المساس بها، فأمريكا غير قلقة. وهؤلاء كلهم من جانبهم يتنافسون على خدمة المصالح الأمريكية، متمنيين أن يدعمهم الأمريكيون بالمقابل. في العامين ونصف الماضية، احتار الأميركيون في محاولة تحديد مَن مِن بين أولئك المتنافسين على خدمتهم في مصر سيكون أكثر نجاحا في تحقيق الاستقرار في البلاد بحيث تستطيع الولايات المتحدة أن تواصل هيمنتها على البلاد كما كانت من قبل.

النازيون والإسلاميون والليبراليون واليساريون
مضى عام، ونحن نسمع بأن مرسي هو هتلر، وبأن الإخوان المسلمين نازيون، وأنهم يعززون قوتهم لكي يتمكنوا لاحقا من القضاء على الجميع. ربما كان الأخوان يخططون للقيام بذلك بالفعل، ولكن لم تبرز حتى الأن أي ذرة من دليل حقيقي لاثبات ذلك. بينما ما حدث كان عكس ذلك تماما، حيث رأينا ائتلافا من الليبراليين والناصريين واليساريين، والسلفيين وبورجوازية مبارك يدعون ل، ويهللون ويدعمون الانقلاب الذي قام به جيش مبارك. بخلاف الإخوان المسلمين الذين لم يتمكنوا من السيطرة على الجيش أو الشرطة، فإن الأخيران لا يزالان تحت التصرف المطلق للبورجوازية المباركية التي تحالف معها الليبراليون واليساريون.
تغلغلت في مخيلة المصريين صورة "الفاشيين الإسلاميين" الذين يسعون لتدمير ثقافة مصر وهويتها بتعصبهم، وضيق أفقهم، ونظرتهم القاصرة للأمور، وسياساتهم المناهضة للديمقراطية. ولكن الذي حدث هو أن الليبراليين واليساريين، وربما يطيب للبعض دعوتهم "بالعلمانيين الفاشيين"، هم من أثبتوا أنهم أقل انفتاحا، وأقل تسامحا، وبالتأكيد أقل ديمقراطية من "الإسلاميين الفاشيين." في الولايات المتحدة، هناك مثل يقول "بأن المحافظ هو ليبرالي تعرض للسرقة"، مشيرا على الطريقة الأميركية الطبقية بان سرقة الفقراء لليبرالي هو ما يجعل الليبرالي ينقلب عليهم وينضم للمحافظين. في حالة مصر، يمكننا القول بأن "العلماني الفاشي هو الديمقراطي الليبرالي الذي خسر أمام الإسلاميين في انتخابات ديمقراطية."
لم يكن انقلاب الجيش، الذي دعمه اليساريون، من بين آخرين، انقلابا لضباط من المستوى المتوسط يتمتعون بوعي اجتماعي مناهض للامبريالية ومدعومون من القوى التقدمية المعادية للإمبريالية للإطاحة بالسيطرة الامبريالية والرأسمالية المحلية والطاغية الذي يقودها (عندما قام الضباط الأحرار بانقلابهم في عام 1952، فقد سُنّت في غضون بضعة أسابيع القوانين التي تحد من نفوذ الإقطاعيين في مصر وتعيد توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء)، وإنما من قبل كبار جنرالات الجيش الذين يحصلون على مبالغ مالية ضخمة كمساعدة مالية إمبريالية سنوية من الولايات المتحدة، والذين كانوا دائما حماة مبارك وبورجوازيته. هذه هي قيادة الجيش التي أطاحت بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، على الرغم من عدم كفاءته وخدماته للرأسمالية المحلية والدولية.
يبدو أن بعض اليساريين الذين هتفوا للانقلاب كانوا يشعرون بأن حراكهم كان ناجحا لأن الناس اصبحوا متعلمين، وواعين لحقوقهم التي تم الانتقاص منها على أيدي الإخوان المسلمين. ولكن التعليم الذي خضع له أعضاء الائتلاف المناهض لمرسي، بما في ذلك العمال والفقراء الذين شاركوا في المسيرات، هو التعليم الذي انتقل لهم عبر البورجوازية المباركية من خلال امبراطورياتها الإعلامية. ولم يكن هذا التعليم ذلك الذي يشدد على سياسات الإخوان النيوليبرالية المناهضة للفقراء، أو الذي يؤكد على حقوق العمال، وحقوق الفلاحين، والحق في حد أدنى للأجور، .. الخ. إن التعليم المنقول عبر إمبراطورية وسائل الإعلام المباركية ليس التعليم الذي يؤدي إلى تحرير الفقراء، والعمال والفلاحين، والطبقات الوسطى الدنيا من مصر من الرأسمالية والنهب الامبريالي لبلادهم وسبل كسب العيش وإنما هو تعليم من أجل تحرر البورجوازية المباركية "العلمانية" وشركائها من منافسة الإخوان المسلمين النيوليبراليين البورجوازيين ورعاتهم القطريين.
أن يكون ملك السعودية ووزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، رعاة البرجوازية المباركية مع الأمريكيين، أول من يرسل التهاني إلى قادة الانقلاب، وبعد دقائق من وقوعه، إنما يوضح من، في اعتقادهما، تحرر ممن. كما احتفل البرجوازيون المباركيون في غضون ساعات من الانقلاب. وقد دعي يوم الخميس، 4 يوليو/تموز، المغني المصري محمد فؤاد، الذي كان قد بكى على شاشة التلفزيون قبل سنتين ونصف تعبيرا عن حزنه و قنوطه لإسقاط حبيبه مبارك، لإحياء حفل افتتاح سوق الأسهم في القاهرة، الذي تدفقت عليه مليارات الجنيهات منذ الانقلاب. فإذا كان القطريون وبرجوازيو الإخوان المسلمين قد كسبوا المعركة الأولى ضد السعوديين بسقوط مبارك وبعد ذلك المعركة الثانية عندما تم انتخاب جماعة الإخوان المسلمين، فإن السعوديين والبورجوازيين المباركيين قد حددوا معركتهم الأخيرة، التي فازوا بها بإزالة جماعة الإخوان المسلمين ، لتكون النصر النهائي في الصراع على مصر.
شملت أهداف الانتفاضة المصرية منذ البداية العدالة الاجتماعية كهدف أساسي لها. وقد كانت لكل من المباركيين والإخوان المسلمين سياسة موحدة ضد برنامج العدالة الاجتماعية للانتفاضة . ولكن انقلاب مناهضي الإخوان المسلمين، الذين دفعوا وسيدفعون العديد من أنصارالأخيرين إلى العنف بعد ان استنفذوا الوسائل السلمية التي أُحبطت، حوّل الانتفاضة المصرية من انتفاضة تستهدف النظام المباركي والأجهزة الأمنية ورجال الأعمال التابعين له، إلى انتفاضة تنضم إلى حرب مبارك السابقة ضد جماعة الإخوان المسلمين. إذا كانت أهداف الليبراليين واليساريين هي إحراز ديمقراطية حقيقية وتحقيق أمن اجتماعي ومستويات معيشة لائقة لغالبية المصريين الذين هم من الفقراء، فإن إزاحة الإخوان المسلمين من السلطة بالقوة العسكرية لن يحول دون تحقيق ذلك فحسب، بل من المرجح أن يجلب المزيد من الظلم الاقتصادي والمزيد من القمع.
سيتضح في المستقبل القريب إذا كانت حسابات اليساريين والليبراليين، بأن تحالفهم مع البورجوازية المباركية والجيش هو تكتيكي ومؤقت، وأنهم سوف يكونون قادرين على التغلب عليهم والاستيلاء على السلطة منهم كما فعلوا مع جماعة الإخوان المسلمين، هي ضرب من السذاجة الانتصاروية أو من التفاؤل المدروس. ولكن، ما هو واضح للعيان حتى الآن، مع التزايد الهائل لقمع الشرطة والجيش بمشاركة الجماهير، هو أن ما قام به هذا التحالف هو تعزيز قوة المباركيين والجيش وإضغاف لدعوات الديمقراطية في المستقبل، حقيقية كانت أو مجرد إجرائية.
في ظل المهرجانات الشعبية للعشق الفاشي للجيش، فإن من يحكم مصر الآن هو ذات الجيش الذي عين قادته مبارك والذي خدم نظام مبارك، ويرأسها قاض عينه مبارك، وتتسلط عليها قوات الشرطة نفسها التي استخدمها مبارك. الناس أحرار في تسمية ذلك انقلابا أو لا، ولكن ما عليه مصر الآن هو مباركية دون مبارك.

*لقد نشر هذا المقال بالانجليزية على الموقع اليساري المعروف Counterpunch في 12/7/2013.

أستاذ السياسة وتاريخ الفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا وقد صدر له بالعربية كتاب "ديمومة المسألة الفلسطينية" عن دار الآداب، وكتاب "اشتهاء العرب" عن دار الشروق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.