أحد الموضوعات التى سيطرت على كتب التفسير وكانت سببا من أسباب تضخم الكتب موضوع «أسباب النزول» بل إن بعضا من أهل العلم قد خصص كتابا لهذا الشأن، وأبرز هذه الكتب الخاصة بأسباب النزول كتاب «أسباب نزول القرآن» «للواحدى»، «العجاب فى بيان الأسباب» «لابن حجر العسقلانى» ومازلنا نذكر أنفسنا قبل القراء أنه لا ينبغى أبدا أن يكون هناك أى «كتاب بشرى يتحكم فى تفسير كتاب الله» أو تأويله، بل إن من ضوابط التعامل المستقيم مع القرآن الكريم ألا يتصور أحد أن بعض آيات القرآن قد أنزلت خصيصا لظرف معين أو موقف ما، أو قول لأحد الناس، فالقرآن «كلام الله» وهو أزلى «قديم»، أما ما تعارف عليه أهل العلم من مصطلح «أسباب النزول» وألف بعضهم فيه كتبا، فقد كان لفظ «أسباب النزول» مصطلح بشرى، اعتمدوا فى صياغته على ما نسبه الرواة لبعض الصحابة من أنهم يعرفون أسبابا لنزول بعض الآيات، وهذا المصطلح بما فيه من شبهات قد رفضه غيرهم، فجاءوا بمصطلح خير منه هو مصطلح «مناسبة النزول»، ولا تتصور أيها القارئ الفاضل أن المناسبة هى السبب، وأن المسألة تلاعب بالألفاظ كلا، فكلمة السبب تعنى ارتباط الآيات بأسبابها، ولو لم يكن السبب قد حدث ما نزلت الآيات! وهذا قول لم يقل به أحد ولا يقبله أحد.
ومن ناحية ثانية فالآيات التى يدعون أن لها أسباب نزول آيات محدودة العدد فكيف حال بقية آيات القرآن التى لم يذكروا لها أسباب نزول؟ هل يمكن أن يقال إن بقية الآيات نزلت بلا سبب؟! حاشا لله أن يقال عليه ذلك. فالسبب الرئيس الذى أنزل القرآن من اجله قد ذكره القرآن قائلا ((الر(1)كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (2))) إبراهيم، ثم فتح القرآن الباب واسعا لبيان كيفية إخراج الناس من الظلمات إلى النور فذكر أسبابا فرعية تابعة وموصولة للسبب الرئيسى وهذه الأسباب الفرعية منها ((لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِين)) مريم (97).. ((لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ)) يس(5)
وعلى ذلك فالقرآن الكريم: قد تنزل على محمد[ بعلم الله وحكمته لغاية وسبب هو هداية البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور فى جميع شئونها حتى يتولى البشر بأنفسهم إعمار الأرض واستخراج خيراتها لكن لأن التنزيل من عند الحكيم الخبير فقد تنزل جميعه مناسبا لظروف وصوله إلى البشر خير مناسبة وأكملها.
كلما اتسعت الآفاق ظهر ما كان غائبا أو غائما، أو على ذلك يتزايد النقاش ويتعمق البحث.. وهذا شأن القرآن، مع الناس فى كل عصر، فلأنه كتاب الله الخاتم للوحى فقد أودعه ما يكفى الباحثين فى كل عصر ومصر، وجعله مائدة إلهية يأوى إليها كل راغب فى ازدياد فبعد أن كانت علوم القرآن تتمحور حول آداب التلاوة وقواعدها، وتاريخ المصحف، وتطور أساليب رسمه وخطه، وتجزئ القرآن وتقسيمه والنظر فيما سموه الناسخ والمنسوخ وما قدروه من المحكم والمتشابه، فقد اتسعت العلوم والدراسات حول القرآن الكريم وأصبحت مكتبة الدراسات القرآنية تضم كتابات كثيرة لأن مدارس التفسير متعددة وكل كتاب منها قد أبرز جوانب كثيرة تفرغ لبعضها الباحثون فاعتبرت علوما مستقلة عن التفسير من ناحية، وأصبحت رءوس موضوعات تبحث داخل مجموعة «علوم القرآن» من ناحية أخرى وأبرز تلك العلوم أقسام القرآن/ أمثال القرآن/جدل القرآن/أحكام القرآن/غريب القرآن/مفردات القرآن/إعجاز القرآن، وهناك من قاموا بدراسات جديدة عن القرآن ذاته فمنهم الشيخ محمد الغزالى، د/ يوسف القرضاوى قد ألفا كل منهما كتابا تحت عنوان «كيف نتعامل مع القرآن».