فى مقال كتبه عاموس هرئيل («هاآرتس» 11/6/2013) بعنوان «فى الليلة التى سيتقرر بها مهاجمة سوريا»، وصف الكاتب الانعكاسات المحتملة لهجوم إسرائيلى جديد لمنع انتقال السلاح إلى حزب الله، وصوّر بصورة صحيحة جزءا من هذه المخاطر، لكنه لم يعرض الصورة الاستراتيجية كاملة. أشار هرئيل فى مقاله إلى أن إسرائيل بصورة عامة امتنعت عن المخاطرة بالدخول فى حرب لمنع الخصم من زيادة قوته. لكن الصورة هذه المرة
مختلفة، لأن ما يحدد واقع إسرائيل الاستراتيجى هو قدرة سلاح الجو على الوصول إلى أى مكان فى الشرق الأوسط والقيام بهجوم شديد الدقة، إلى جانب الحرص على ألا يمتلك أعداء إسرائيل مثل هذه القدرة. ويعتبر هذا التفوق الجوى أفضل ضمانة لعدم اندلاع الحرب، وهو الذى يمنح القيادة السياسية حرية نسبية فى اتخاذ القرارات، ويسمح على ما يبدو بالتفكير الآن فى تقليص ميزانية الأمن.
ويمكن القول إن إلحاق الضرر بحرية تحليق سلاح الجو الإسرائيلى، أو حصول أعداء إسرائيل على قدرة هجومية تمكنهم من تنفيذ هجمات دقيقة ضد أهداف استراتيجية فى الدولة، من شأنهما تقليل الحواجز التى تفصلنا عن الحرب، وتقييد حرية العمل السياسى، كما أنهما سيفرضان زيادة دراماتيكية في القوات القادرة على المناورة. مما لا شك فيه أن كل هجوم ينطوى على مخاطر. لكن لا مجال للمقارنة بين إسرائيل وأعدائها من ناحية حرية التحرك، إذ يحتاج محور سوريا إيران حزب الله إلى الاهتمام بأمرين معا: نقل الأسلحة، والدفاع عن صمود نظام الأسد. وفى ظل أوضاع معينة قد ينشأ تعارض بين هاتين المصلحتين، عندما يتحول الدفاع عن انتقال السلاح إلى خطر يهدد وجود نظام الأسد.
فى مقابل ذلك، لم تحسم إسرائيل مسألة ما إذا كانت تفضل بقاء الأسد أم سقوطه. لذا فهى تعمل فقط استنادا إلى مصلحتها التى تقضى بمنع انتقال السلاح، ولا تبالى بالنتائج المترتبة عن صمود نظام الأسد. ونظرا إلى دفاع إسرائيل عن مصلحة واحدة فيما يدافع أعداؤها عن مصلحتين متعارضتين بعض الأحيان، فإن هذا يمنحها تفوقا واضحا. ومن أجل الرد الناجع يضطر أعداء إسرائيل إلى بلورة رد قوى يضيق حرية عمل إسرائيل، لكن من دون التسبب بتصعيد يمكن أن يؤدى إلى حرب. لذا فالقصف العشوائى أو شن هجمات فى الخارج أو تسلل جديد لطائرات من دون طيار، كل ذلك لا يكفى لتغيير الاستراتيجية الإسرائيلية. لكن أى رد كبير من جانب سورية أو حزب الله من شأنه أن يتطور إلى مواجهة عسكرية متوسطة الحجم أو كبيرة. ولا يرغب الأسد وحزب الله فى الوقت الحالى الدخول في مواجهة مع إسرائيل القادرة على مهاجمة نظام الأسد خلال وقت قصير وتقليص قدرته على الدفاع عن نفسه فى مواجهة أعداء الداخل والخارج، ولا سيما فى هذا الوقت الذى تراجعت فيه قوة هذا النظام بسبب الحرب الأهلية، وبات لديه ما يخسره بعد نجاحه فى احتلال القصير.
فى المقابل يواجه حزب الله ضغطا على جبهتين: فهو من جهة يوظف خيرة مقاتليه وسلاحه فى المعارك فى سورية، ومن جهة أخرى يواجه تصاعد تهديد العناصر السنية له فى لبنان. كما يعانى الحزب من وضع سياسى صعب لأن العالم العربى يعتبر قتاله إلى جانب الأسد غير شرعى، وحتى انتقال السلاح بات غير شرعى. ويمكن القول إن توريط لبنان فى حرب قاسية بسبب انتقال السلاح إلى جانب قتال حزب الله مع الأسد، من شأنهما أن يتسببا بكارثة سياسية للحزب.