لا يعلم الغيب إلا الله، ولذلك فقد فرحنا من أعماق قلوبنا عندما استعان محمد مرسى فى خطبة فتح الصدر الشهيرة بكلمات سيدنا عمر بن الخطاب الخالدة «إن رأيتم فيّ إعوجاجا فقوموني»، قبل أن نكتشف أن مرسى لم يكن يخاطب كعمر جموع شعبه، بل كان يخاطب مكتب إرشاد عشيرته فقط دون غيرهم، وهؤلاء لن يروا فيه إعوجاجا حتى لو طلب منه الشعب كله أن يتوقف عن الإعوجاج ويحل عن سماء البلد التى قسّم أهلها وكذب على شعبها وأكمل سفك دماء شبابها. كانت تلك على أية حال المرة الأخيرة التى يستشهد بها مرسى بكلمات عمر بن الخطاب أو بوصاياه، ليس هذا إتهاما مرسلا بل حقيقة تستطيع أن تستنتجها لو تأملت سياسات مرسى وقارنتها مثلا بوصية عمر التى أرسلها إلى عامله الصحابى الجليل أبى موسى الأشعرى وهو يحذره من التبسط فى الإنفاق لكى لا يكون فى ذلك هلاكه «أما بعد فإن أسعد الولاة من سعدت به رعيته وإن أشقى الولاة من شقيت به رعيته، وإياك والتبسُّط فإن عمالك يقتدون بك وإنما مَثَلُك مثل الدابة رأت مرعى مخضرا فأكلت كثيرا حتى سمنت فكان سمنها سبب هلاكها لأنها بذلك السمن تُذبح وتُؤكل». فى رواية أخرى يوردها الماوردى فى «نصيحة الملوك» يقول عمر للأشعرى قبل أن يظهر عصر الطائرات الخاصة والفنادق الفاخرة «باشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن الله جعلك أثقلهم حملا، وقد بلغنى أنه فشا لك ولأهل بيتك هيئة فى لباسك ومركبك ومطعمك ليس للمسلمين مثلها، فإياك ياعبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة التى مرت بواد خصيب فلم يكن لها همة إلا السِّمَن وإنما حتفها فى السِّمَن». وفى كتاب آخر بعثه عمر إلى عموم ولاته يقول لهم «إنى أبعثكم أمراء لا جبارين لكن بعثتكم أئمة الهدى يُهتدى بكم فرُدّوا على المسلمين حقوقهم ولا تضربوهم فتذلوهم ولا تحمدوهم فتفتنوهم ولا تغلقوا الأبواب دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم».
تعال لنتأمل أيضا نصائح سيدنا على بن أبى طالب لواليه على مصر مالك بن الأشتر النخعى ونسأل هل اقتدى مرسى بشيئ منها، «إعلم أنى وجهتك إلى بلاد جَرَت عليها دولٌ قبلك من عدلٍ وجورٍ، وإن الناس ينظرون من أمورك فى مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم...فأنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإن لا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان لله حربا حتى ينزع أو يتوب، وليس شيئ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد وليكن أحب الأمور إليك أوسطها فى الحق وأعمقها فى العدل وأجمعها لرضا الرعية».
عندما تقرأ كتاب (الإسلام بين العلماء والحكام) للشيخ الشهيد عبد العزيز البدرى والذى كان الإخوان يستشهدون به كثيرا قبل وصولهم إلى الحكم، ستشعر بحسرة لامثيل لها وأنت تسأل نفسك أين مرسى من نصيحة التابعى لأبى جعفر المنصور بأن يتذكر دائما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله فى حكمه فأدخل عليه الجور فى عدله»، وأين هو من تحذير الإمام مالك لهارون الرشيد من بطانة السوء التى قال فيها نبينا الكريم «ما من نبى ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا»، وأين هو من عمر بن عبد العزيز الذى طلب العظة من غلام هاشمى فقال له « أصلح الله أمير المؤمنين، إن ناسا من الناس غَرّهُم حِلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم فزلّت بهم الأقدام فهووا فى النار، فلا يَغُرنّك حِلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك، فتزلّ قدمك فتلتحق بالقوم، فلا جعلك الله منهم أالحقك بصالحى هذه الأمة».
كل هذا لم يتذكره مرسى تماما كما لم يتذكر وهو يتأمل فى وجوه مستشارى الندامة من حوله ما قاله العالم المعتزلى عمرو بن عبيد عندما دخل على أبى جعفر المنصور فقال له: إن الله عز وجل يَقِفُك ويسائلك عن مثقال ذرة من الخير والشر، وإن الأمة خصماؤك يوم القيامة، وإن الله عزوجل لا يرضى منك إلا بما ترضاه لنفسك، ألا وإنك لا ترضى لنفسك إلا بأن يعدل عليك، وإن الله عزوجل لا يرضى منك إلا بأن تعدل فى رعيتك، وإن وراء بابك نيرانا تتأجج من الجور. فقال سليمان بن مجالد وهو واقف على رأس المنصور: ياعمرو قد شققت على أمير المؤمنين، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين من هذا قال: أخوك سليمان بن مجالد، قال عمرو: ويلك ياسليمان إن أمير المؤمنين يموت وإن كل ما تراه يُفقد وإنك جيفة غدا بالفناء، ولا ينفعك إلا عمل صالح قدمته، ولَقُرب هذا الجوار أنفع لأمير المؤمنين من قربك، وإن كنت تطوى عنه النصيحة وتنهى من ينصحه، يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قد اتخذوك سُلّما إلى شهواتهم».
هل حكمنا مرسى بما يرضى الله كما تعهد؟، هل كان قد إستشهاده بكلمات عمر؟، وكيف كان الفاروق سيرى حكم مرسى فى ظل نصائحه لولاته؟، ظنى وليس كل الظن إثما أن سيدنا عمر لو كان حيا بيننا ورأى كل هذه الجرائم التى تحدث فى عهد مرسى من قتل لشباب فى عمر الزهور بالرصاص الحى والتعذيب ومن سجن طفل مريض بالسرطان دون حتى السماح له بحضور جلسة العلاج الكيميائى ومن إستمرار لسياسات القمع البوليسية لكان قد قد خرج الجمعة القادمة من الأزهر محمولا على الأعناق وهو يهتف: يسقط يسقط محمد مرسى.
(نشرت هذا المقال فى نفس هذه المساحة يوم 5 فبراير 2013) [email protected]