بين الواقع الذى يشهده الملف الزراعى فى مصر، وما ورد فى طيات البرنامج الانتخابى للرئيس محمد مرسى، مساحات شاسعة من التناقض، وتضارب التصريحات، وتضاد الأرقام والإحصائيات، خاصة فيما يتعلق بإنتاج القمح، وإشكالية «الاكتفاء الذاتى». وبعد عام من تنصيب الرئيس، ومنذ إطلاق وعود فى برنامج حزبه (الحرية والعدالة) وصفت بأنها «واسعة وفضفاضة»؛ لم يشهد القطاع الزراعى تحسنا ملحوظا على الإطلاق، وفقا لخبراء زراعة ونقيب الفلاحين محمد عبدالقادر «بل انتهج المزيد من السياسات الضاغطة على الفلاحين وأسرهم، واختناقات شديدة فى مستلزمات الإنتاج الزراعى وزيادة أسعارها وعدم توافرها».
ركز البرنامج الانتخابى للحزب والرئيس فى فصل «التنمية الإنتاجية» على تطبيق سياسة زراعية تضمن إحداث تغيير فى التركيب المحصولى، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى فى محاصيل الحبوب، القمح والذرة، والزيوت والألياف والأعلاف، وإنتاج محاصيل ذات قيمة مضافة عالية للتصدير، كالمحاصيل البستانية والخضراوات والفاكهة.
وفى سياق الحديث عن سياسات الأمن القومى، ركز البرنامج مجددا على القمح، مشيرا إلى أنه سيتخذ: «جميع الإجراءات والاحتياطات اللازمة لتأمين منابع النيل وضمان استمرار سريانه إلى الأراضى المصرية، وإقامة علاقة تكامل مع دول حوض نهر النيل، مع توثيق الصلات وإزالة أى حواجز بين مصر والسودان، والسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح، فإذا لم تفِ بذلك إمكانات مصر الزراعية فيتم ذلك بالتكامل مع السودان».
كما تعهد مرسى فى برنامجه «حماية الأراضى القديمة باعتبارها محميات طبيعية، لا يجوز التعدى عليها، وإيجاد بدائل للبناء عليها، وإحياء وتنفيذ المشروعات العملاقة مثل مشروع تنمية سيناء، وتنمية الساحل الشمالى، وجنوب الوادى وشرق العوينات».
المسافات الواسعة بين الوعود وما تحقق على الأرض فعليا، يرصده نقيب الفلاحين (المستقل) محمد عبدالقادر، الذى تساءل فى البداية عن «أسباب توقف حزب الحرية والعدالة عن التهليل لمحصول القمح هذا العام، بعد أن انتهى موسم توريده تقريبا، وبلغ جميع ما تم تحصيله من الفلاحين نحو 3 ملايين و700 ألف طن قمح، والعام الماضى بلغت الكمية نحو 3.5 مليون طن قمح تم توريدها للصوامع والشون.. فما الذى تغير، باستثناء تصريحات فارغة المضمون لم تحل مشكلة تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح؟».
وكانت وزارة التموين أعلنت العام الماضى عن «انتهاء توريد القمح، بعد أن بلغ إجمالى الكميات التى تم توريدها للدولة نحو 3.7 مليون طن خلال العام الحالى 2012 مقابل 2.6 مليون طن العام الماضى 2011».
نقيب الفلاحين شكك فى الأرقام والإحصاءات التى تعلن عنها الحكومة بشأن محصول العام الحالى «الذى واجه الكثير من المشكلات التى نتجت عن نقص السولار، مما أدى إلى وجود فاقد فى محصول القمح».
واستنكر عبدالقادر «تصريحات رئيس الجمهورية محمد مرسى والمسئولين من بعده عن زيادة المحصول هذا العام من 15 ل 30 إردبا للفدان، بدلا من 10 للفدان العام الماضى كحد أقصى»، متسائلا: «من أين أتوا بهذه الأرقام؟».
وأضاف: «العام الماضى وصل إنتاج الفدان إلى 18 إردبا، وهى نفس إنتاجية العام الحالى.. صحيح أن الإنتاجية ارتفعت منذ عامين تقريبا، لكن هذا لا يمنحهم الحق فى الإعلان عن طفرة وزيادات خيالية فى المحصول».
وتابع عبدالقادر: «الحكومة تعلم أن الأرقام الصادرة عنها غير صحيحة، وأن الوصول للاكتفاء الذاتى لن يحدث الآن، إلا فى ظل حكومة واعية ووطنية، وليس فى ظل التدليس بالأرقام وفى الحقائق، والدليل على ذلك استمرار استيراد عشرات الآلاف من أطنان القمح، وطلبها الاستيراد من روسيا، الذى قوبل بالرفض، فضلا عن طلب استيرادها من فرنسا بالآجل».
على الجانب الآخر يؤكد نقيب فلاحى مصر (القيادى الإخوانى) عبدالرحمن شكرى «حدوث طفرة غير مسبوقة فى إنتاجية القمح على مستوى الكم والكيف هذا العام، على اعتبار أن الحكومة أعلنت عن أسعار استرشادية عالية قبل بدء الموسم، ثم قدمت التقاوى بوفرة للمزارعين، كما اتخذت قرارات مدروسة لزيادة نسب التوريد من المزارعين لشون الحكومة».
وأضاف ل«الشروق»: «أستطيع القول إن الحكومة الحالية حققت اكتفاء ذاتيا حقيقيا فى القمح اللازم للخبز، لكن هذه الطفرة لن يراها إلا الأسوياء الذين لا ينتقدون لمجرد الانتقاد».
وحول لجوء هيئة السلع التموينية لاستيراد كميات إضافية من القمح لسد العجز المحلى، قال إن مثل هذه القرارات قد تأتى بهدف استيراد كميات لغير الخبز المخصص للدعم. وحتى فى حال حدوث عجز فى السوق المحلية سيتم تداركه بالاستيراد، وهذا الإجراء طبيعى فى بلد يعتبر الأعلى استيرادا للقمح عالميا.
ودلل شكرى على نجاح «أجزاء كبيرة ومهمة من البرنامج الانتخابى للرئيس مرسى»، قائلا إن إنتاجية القمح زادت من 18 إردبا الموسم الماضى إلى ما بين 20 و25 إردبا للفدان الموسم الحالى، وهو ما يعكس حالة اهتمام وزارتى الزراعة والتموين بشكل غير مسبوق لرفع إنتاجية المحصول رأسيا، والتوسع فى تعميم الأصناف المستنبطة والاستفادة من تقنيات البحث العلمى.
وتابع: شاركت هذا العام فى لجان التموين بالمحافظات، ورأيت بنفسى كم التجهيزات والإعدادات التى تضمن سهولة عملية شراء القمح من الفلاحين.