الزراعة هى أولى تجارب الإنسان على الأرض. تأمل الإنسان الأرض ثم نهض إليها ليبدأ بينهما حوار طويل لم ينتهِ إلى الآن وإن تنوعت موضوعاته واختلفت. حرص الإنسان على علاقته الودودة بالأرض جعلته يبدأ بالوسائل الطبيعية، الحرث والتقليب والتقليم والغرس ثم الرعاية بالرى والأسمدة الطبيعية وتنويع المحاصيل والتقاط الديدان باليد ثم الحصاد وجنى الثمار. طلب الإنسان المعاونة من حيواناته المختلفة لمواجهة أعباء العمل الشاق الذى تزايد مع الوقت وكثرة عدد الأبناء.
لم يكن المحصول من نصيب الإنسان وعائلته وحدهم بل أيضا شاركتهم حيواناتهم المستأنسة وطيورهم الأليفة فقد كان طعامه أيضا منهم لحما ومنتجات ألبان وبيضا.
تلك فى الواقع هى الحياة العضوية التى يسعى إليها الإنسان الآن.
هل حقا تضمن للإنسان صحته وسلامة جسده رغم تكلفتها المرتفعة فى مقابل ما نعيشه الآن جهد أقل ومحاصيل وفيرة؟ ظلت الزراعة حرفة أساسية تقليدية على مر الزمان لا تتغير وقائعها وإن تطور اعتماده على آلات زراعية احتاجها التطور الطبيعى للحاجة إلى محاصيل وإنتاج أكبر حتى حل القرن العشرون لتظهر الأسمدة الحديثة والمبيدات التى كان لها أثر ملموس فى البداية فى زيادة الإنتاج وفرته نظرا لقضائها الحاسم على الديدان وأمراض المحاصيل حتى إنه كان يستخدم الطائرات فى الرش الكثيف للمحاصيل.
انتبه الإنسان لخطورة ما فعل فبدأ الناشطون فى مهاجمة وسائل الزراعة المستحدثة خاصة التى تعتمد على استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية السامة. تزايد نشاط المهاجمين حتى إن هناك بعض المبيدات التى تم حظرها، ومنها د. .د.ت.
عام 1939 خرج إلى النور كتاب مهم يعد حتى الآن حجر الزاوية فى تلك الحركة النشطة والتى أطلق عليها الثورة الخضراء كتاب look to the land أو أنظر للأرض الذى كتبه اللورد نور ثبون lord Northbourn والذى جاء فيه للمرة الأولى التسمية التى تتردد حتى الآن Organic Farming أو المزرعة العضوية.
هل المنتجات الغذائية العضوية أكثر أمنا أو أعلى فى القيمة الغذائية؟ إذا التقطت بيدك تفاحة ناضجة من نتاج مزرعة عضوية وباليد الأخرى تفاحة أخرى ناضجة من نتاج مزرعة عادية كلتاهما حمراء لامعة طازجة لم ينلها عطب هل لك أن ترصد فارقا واحدا بينهما؟
الإجابة: لا، بالفعل لا أثر على وجه الإطلاق ظاهرى بينهما فما الحكاية وماذا وراء اهتمام العالم بالأغذية العضوية وما الفارق بينهما وبين ما ينتج فى المزارع العامة المألوفة؟
• المنتجات العضوية فى مواجهة غيرها تعود كلمة عضوية Organic أو أورجانيك كما تستخدمها حتى فى لغتنا العربية إلى الطريقة التى تستخدم فى زراعة تلك المحاصيل والمنتجات الغذائية.
الخضراوات والفاكهة والحبوب ومنتجات الألبان واللحوم كلها تخضع فى زراعتها أو تصنيعها لمقاييس طبيعية تستخدم فيها المياه بحساب وتتفادى كل مسببات التلوث.
فلا تستخدم فى الزراعة أى مبيدات كيماوية أو أسمدة يدخل فى تصنيعها ملوثات للبيئة أو مواد كيماوية سامة. حظائر تربية الحيوانات والطيور لا تستخدم الهرمونات أو المضادات الحيوية وتلك وسائل تستخدم الآن بصورة تلقائية الهدف منها الحصول على قدر أكبر من اللحوم والألبان والبيض.
ما الذى يميز المنتجات العضوية؟ دراسات علمية عديدة اهتمت بالمنتجات العضوية، وكان السؤال المهم الذى يتردد هل تتميز المنتجات العضوية عن غيرها؟ هل هى أكثر فائدة؟
أشارت دراسات متعددة إلى أن المنتجات العضوية قد تحتوى قدرا أكبر من الفيتامينات خاصة فيتامين «ج» أيضا بعض المعادن ومضادات الأكسدة لكن فى الواقع هناك دراسات أخرى جادة لم تجد أى فارق بين تلك المنتجات وغيرها فى مقابل الجهد الأكبر والتكلفة الأعلى للمنتجات العضوية.
رغم ذلك تبقى نقاط تحسب للمنتجات العضوية منها: • تغيب عنها بقايا المبيدات والأسمدة الكيماوية التى بلا شك تبقى عالقة وإن كانت فى آثار قليلة على الخضراوات والفواكه التى تنتج فى الظروف المختلفة. الأطفال والأجنة فى أرحام الأمهات أول من يتأثر بتلك البقايا السامة نظرا لعدم اكتمال أجهزة المناعة لديهم.
السيدات الحوامل أيضا يتأثرن بها نظرا لأن الحمل فى حد ذاته يعد عبئا حتى إن الطفل يتأثر خلال فترة الرضاعة الطبيعية.
تراكم تلك الآثار السامة فى دم الإنسان العادى قد تؤدى لمخاطر لا يمكن التنبؤ بها مثل الصداع بدون سبب واضح، بعض العيوب الخلقية لدى الأجنة أو تداعى جهاز المناعة دون سبب مرضى واضح.
• الفاكهة والخضراوات العضوية قد تبدو أكثر طزاجة إذ تغيب عنها آثار الأسمدة الكيماوية التى تحافظ عليها لفترة أطول.
• الزراعة العضوية بلا شك أفضل لبيئة صحية نظيفة إذ تستخدم فيها طاقة أقل لا تخلف مواد ملوثة للبيئة. يراعى فيها الاقتصاد فى كميات المياه المستخدمة إلى جانب أن غياب الملوثات الكيماوية أفضل لوجود أنواع كثيرة من الطيور ولا يؤذى الحيوانات الأليفة ولا يضر الإنسان الذى يعمل فى تلك المزارع فى أى المهن التى تخدم إنتاج المزرعة.
• الحيوانات التى تربى بتلك الطريقة لا تتعرض للآثار الضارة للهرمونات التى تعطى لها بغرض حثها على النمو الذى لا يحدث بصورة طبيعية تلقائية. آثار الهرمونات بلا شك تظل فى نسيج عضلات ذلك الحيوان لتنقل للإنسان عند تناول اللحوم.
لا تعطى الحيوانات مضادات حيوية بصورة روتينية، الأمر الذى معه إذا انتقلت تلك الآثار الباقية من المضادات الحيوية للإنسان فإنها تقتل البكتيريا المفيدة التى تعيش فى أمعائه فترتبك الأمعاء ويتعرض الإنسان لنوبات من عسر الهضم غير المبررة.
• كيف تتأكد من أنها بالفعل منتجات عضوية؟ قراءة البطاقات المكتوبة على المنتجات تدل عليها وإن بقيت بعض النقاط التى يجب ملاحظتها بدقة: طبيعية لا تعنى عضوية. هناك بالطبع فارق بين (NATURAL) و(ORGANIC) طبيعية من الممكن أن تكون أى منتج غذائى تم إنتاجه وتعبئته دون إضافة مواد حافظة أو ملونة كيماوية. أما عضوية فتعنى أن المنتج تم وفقا لقواعد الزراعة العضوية وأنه حاصل على شهادة بذلك. حتى المنتجات العضوية أيضا لها درجاتها: عضوية مائة بالمائة (Organic 100%) عضوية تلك التى تحتوى على الأقل 95 ٪ مواد عضوية مصنعة من مواد عضوية تحتوى على الأقل 70 ٪ مواد عضوية تحتوى على مواد عضوية تحوى مواد عضوية أقل من 70 ٪ من محتواها أما تلك التصنيفات فترجع لأحكام وقوانين الغذاء فى وكالة الغذاء والدواء (FDA) الأمريكية. تجربتان من صنع الإنسان. استخدم فى تجربته البدائية الحكمة واللين والحيلة ولجأ فى الأخرى للقوة والضربات الوقائية. فى أيهما السلامة؟ سؤال نتركه للأيام.