أعد الملف محمد فؤاد ونشوى فاروق ودعاء جابر وخميس البرعى وغادة الدسونسى من بين ركام منازلهم التى تحولت إلى كومة رماد، ووسط أحزان، وهم وغم، عبر أهالى قرية الإمام المالك، بوادى النطرون، بمحافظة البحيرة، التى التهمت النيران 250 من منازلهم، السبت الماضى، عن غضبهم من «تجاهل المسئولين»، بعد ضياع كل ما يملكون من محاصيل زراعية، وثروات حيوانية، أتت عليها النيران.
فيما عاينت النيابة المنازل المحترقة بالقرية، وندبت خبراء من المعمل الجنائى، ولجنة من الطب البيطرى لدفن الحيوانات النافقة جراء الحريق.
وقال المستشار أحمد الجيزاوى المحامى العام لنيابات جنوبدمنهور، ننتظر تقرير المعمل الجنائى، لمعرفة أسباب الحريق، وسط تأكيد أهالى القرية أن الحريق ربما يرجع لماس كهربائى تسبب فى حرق منازلهم.
«الشروق» ذهبت إلى هناك، ووقفت على حجم المأساة الإنسانية، ورصدت شكاوى وأوجاع بالجملة لكثير من الفلاحين الذين احترقت بيوتهم بكل ما فيها.
المشهد يبدأ من الطريق الصحراوى، الذى يقوم أهالى القرية بقطعه لعدة ساعات يوميا لإعلان تمردهم على حالة التهميش التى يعانون منها بعد الكارثة التى حلت عليهم، وبالدخول إلى القرية، يستقبلك أهلها باللون الأسود، ولسان حالهم يكاد ينطق.. كل شىء ضاع فى لحظة، الأبقار والماشية والماعز والطيور والاحصنة والحمير وماكينات الرى، ومحصول العام، كل هذا تفحم بالكامل، حتى بات أمام كل منزل، ما يشبه معرضا لجثث مواشيهم النافقة، وسط حالة من الحزن خيمت على الجميع.
الحاجة فاطمة محمد إحدى ضحايا المنازل المحترقة بقرية الإمام مالك، لا تعرف عمرها الحقيقى، تقول: «كل حاجة ضاعت، عليه العوض ومنه العوض، ابنى عريس جديد ويسكن معى فى البيت، حاجته كلها ولعت، ووالده كان عامل مشروع أرانب ليه عشان يعينه فى زواجه بخمسة آلاف جنيه كل ده اتحرق».
وتكمل باكية: «الجاموسة اتحرقت والغلة (القمح) والطيور ولا نملك سوى ملابسنا التى سلفناها من الجيران، كنا راضيين بحالنا».
عبدالغنى أحمد ناجى الضبع، يقول: «لدى 10 أولاد فى المنزل وبعد احتراق كل شىء من ماكينة الرى والبقر والجاموس والطيور وخزين المحصول لا أعلم ما الذى أفعله»، ويشير بيده على إحدى بناته قائلا: «صباح بنتى كانت تستعد للزفاف وعريسها أعطانا مهر 10 آلاف جنيه بالإضافة للشبكة كل دا أحترق ولا أدرى ما الذى سيفعله عريسها الذى كان سيتم الزواج بعد 20 يوما».
أما محمد السيد إبراهيم، 40 عاما، أب لأربعة أبناء وجدناه يبكى داخل ركن محترق بمنزله، وحينما سألناه أخبرنا أنه كان يحتفظ داخل أحد الدواليب الصغيرة بمبلغ 7500 جنيه كان قد وعد والدته المريضة بالذهاب لقضاء مناسك العمرة خلال شهر رمضان المقبل، محمد باع محصول الفاصوليا وزاد عليه عائد الجمعية التى تسلمها الشهر الماضى لهذا الغرض، ولكن وقعت الكارثة.
سماح فرغلى، أرملة وتعول 3 أبناء، التهمت النيران جميع محتويات منزلها البسيط المكون من غرفتين، بالإضافة لمحصول القمح الذى تعيش هى وأولادها، على ثمنه بعد توفى زوجها منذ 3 أعوام.
سماح استأجرت قطعة أرض وقامت باستصلاحها إلا أن النيران التهمت محصول الأرض المخزن بمنزلها لتصبح أسرتها مشردة دون مأوى ولا مصدر رزق، فضلا عن أنها تشتكى عدم قدرتها على سداد قيمة إيجار الأرض المستأجرة للموسم المقبل.
الحاج فؤاد شكرى، جلس أمام ورشة نجارة، كان يمتلكها قبل أن تدمرها النيران، روى شهادته على الحادث، قائلا: «سمعت صوت عويل وصراخ أطفال ونساء بأن هناك حريقا فحاولنا جميعا الجرى لإنقاذ البيوت والتى وقعت فى أماكن متفرقة بالقرية حتى جاءنى نبأ احتراق ورشة النجارة الخاصة بى فذهبت مفزوعا إليها لأجدها عبارة عن كومة رماد التهمت النيران جميع محتوياتها بسرعة».
ويشير الحاج فؤاد إلى أن الورشة كانت تحتوى على معدات وأخشاب تقدر ب200 ألف جنيه، وتعتبر مصدر رزقه هو وأسرته المكونة من زوجه و4 أبناء، قائلا: «مستقبل أولادى ضاع مش عارف هنأكل من أين»، مؤكدا أن القرية خارج نطاق خدمة المسئولين، حيث يزورها بعض الناخبين كل موسم فى فترة الدعاية الانتخابية فقط، متعجبا من تجاهل المسئولين وعلى رأسهم محافظ البحيرة الذى لم يأت للاطمئنان عليهم فى الوقت الذى قامت فيه القوات المسلحة بتوزيع المعونات الغذائية عليهم.
أما الحاجة فوزية محمد، فى العقد الخامس من عمرها فأكدت إنهم يعانون كثيرا من انعدام وسائل الحياة من ماء وكهرباء، ومستشفيات ومدارس وكل ذلك على مرأى ومسمع من السلطات المعنية دون أن يتحرك أى مسئول.
وأوضحت الحاجة فوزية، أن الوحدة الصحية التى توجد بالمنطقة خالية من الخدمات الصحية، فيما تجمع حولها العشرات من أهالى القرية يدعون على الحكومة ويتهمونها بتجاهلهم.
فى كل منزل حكاية مؤلمة، رصدتها «الشروق» سمعنا لروايات أهلها المتكررة، ممن ضاعت مواشيهم ومحاصيل الزراعية التى تعيشون عليها، «الجاموس والبقر والماعز اتحرق حتى الطيور ومحصول الذرة أتحرق، بيوتنا ضاعت، أزاى هنأكل عيالنا»، كلمات قالها الحاج أحمد رضا ليصف بها حجم معاناتهم، منوها أن هذه ليست المرة الأولى التى يحدث حريق كبير بالمنطقة.
مؤكدا أن أهالى القرية استغاثوا بمحافظ البحيرة، بضرورة تواجد وحدة إسعاف ومطافى بالمنطقة لكثرة تعرضها للحرائق دون مجيب، لافتا إلى أن جميع المسئولين تجاهلوا القرية.
وأضاف الحاج أحمد، أنهم يشعرون بأنهم مواطنون «درجة تانية» فى ظل تجاهل المسئولين لمشاكلهم، برغم مرور عدد من الحكومات والأنظمة التى لم تغير شيئا بل زاد الوضع سوءا فى عهد الرئيس مرسى.
صبحية عبدالعزيز، أم لخمسة أولاد، مزارعة، توفى زوجها منذ عشرة أعوام، تكافح فى الحياة، تحول لرماد، تقول: سيارات الإطفاء جاءت لنا بعد إطفائه من جانب الأهالى وشباب وسيدات القرية، والمشكلة كانت فى عملية الإطفاء بسبب نقص المياه وخلو ترعة، التبطين، من مياه الرى وأثناء هذه الفترة كانت النيران تشتد وتقوى وتلتهم منزلا تلو الآخر حتى أكلت نحو مائتى منزل.
أما حسنين عوض، مجرد عامل فقير لا يملك سوى منزل وبهيمة تدر عليهم دخلا من ألبانها هى ثروة لهم، يقول: «حسبنا الله ونعم الوكيل فى المسئولين، لا أحد يسال عنا نحن بلا سعر، نموت من الجوع لا نملك حتى الماء منذ عام 2000 تأتى المياه مرتين فى الاسبوع حسب دورية رى الزراعات فى القرية.
وينتهى حسنين قائلا: «أصبت بمرض الفشل الكلوى بسبب تلوث المياه الموجودة بالقرية، وابنى محمد 12 عاما أصيب أيضا بنفس المرض»، يؤكد أن ما أشيع عن صرف تعويضات مالية من المحافظة بلغت 5 آلاف غير صحيح».
لكن عادل دياب، أحد أبناء القرية، قال بعكس ذلك، وتساءل: «يوجد بالقرية عائلات كانت تمتلك ثروة من الجاموس وأبقار تفوق 25 ألف جنيه غير الخسائر الأخرى، فكيف يكون التعويض 5 آلاف جنيه بعد هذه الكارثة والدمار الذى لحق بنا».
من جانبه، قال محافظ البحيرة، مختار الحملاوى، إن مسئولى الشئون الاجتماعية بالاشتراك مع رئيس مدينة وادى النطرون، قاموا أمس الأول، بصرف إعانات عاجلة ل77 أسرة من متضررى الحريق البالغ عددهم 161 أسرة بواقع 5 آلاف جنيه لكل أسرة، كما تم صرف بدل إعاشة 100 جنيه لكل فرد بحد أقصى 500 جنيه لكل أسرة على أن يتم صرف الإعانات لباقى الأسر، بالإضافة إلى قيام صندوق تحسين الماشية بمديرية الطب البيطر، بتوفير التعويضات لأصحاب الحيوانات النافقة من الجاموس والأبقار والأغنام والماعز، سواء المؤمن عليها أو غير المؤمن، لافتا إلى قيام الصندوق الاجتماعى للتنمية بالمشاركة فى إعادة تأهيل المنازل التى هدمت بمبلغ يتراوح بين 10 و15 ألف جنيه للمنزل الواحد، بجانب توفير بعض السلع الضرورية للأهالى.
وأشار الحملاوى إلى أنه تم توفير سيارة إسعاف للقرية وجار تدبير سيارة جديدة للحماية المدنية بدلا من الموجودة حاليا، كما تقوم شركتا الكهرباء والمياه بعمل الوصلات المنزلية بالمجان وتوفير عدادات بدلا من التى احترقت.