على الرغم من التصريحات الحادة هذا الأسبوع، فإن التطورات الأخيرة للأزمة السورية تبشر باستمرار الحرب الأهلية أكثر مما تبشر بانتهائها فى وقت قريب. فقد ردت روسيا فورا على اعلان الاتحاد الأوروبى، بعد تردد استمر قرابة العامين، رفع الحظر على تزويد الثوار بالسلاح، بالتشديد على التزامها صفقة السلاح مع نظام الأسد والتى سيتم تزويده فى إطارها بمنظومة صواريخ جديدة مضادة للطائرات من طراز 300 S، واستناد اَ إلى نائب وزير الخارجية الروسى، فإن هذه المنظومات من السلاح هى «للدفاع عن سوريا من التدخل الأجنبى». وكلما نجحت مساعى الموالين للرئيس الأسد فى وقف تقدم الثوار، كلما خرجت القوى المؤيدة له عن صمتها وكشفت عمق تورطها فى النزاع. وقد برز هذا بصورة خاصة الأسبوع الماضى فى التصريحات الأخيرة الصادرة عن موسكو، وفى خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله. واستنادا إلى تقرير منظمة تتابع المعارك فى سورية عن كثب، فقد قُتل لحزب الله فى هذه الحرب خلال الشهر الأخير فقط 141 مقاتلا، بينهم 79 قتلوا خلال الأيام العشرة الماضية فى المعركة الدائرة حول بلدة القصير الاستراتيجية المتاخمة للحدود اللبنانية، وهذا يعنى أن حزب الله خسر أكثر من واحد فى المائة من قواته العسكرية خلال شهر بسبب دعمه للأسد، وهذه خسارة لا يستهان بها بالنسبة إلى ميليشيا صغيرة نسبيا. لقد تبددت التقديرات السابقة التى تحدثت عن السقوط القريب للطاغية السورى، ومنذ بداية العام الحالى بدأ يبرز أكثر فأكثر تعادل الطرفين. صحيح أن بشار الأسد فقد السيطرة على ما يقارب نصف أراضى الدولة السورية، بيد أن عدم التنسيق بين حركات المعارضة، إلى جانب ضعفها العسكرى، لم يسمحا لها بالحلول محل السلطة المركزية، على الرغم من عمليات الاغتيال التى نفذتها. إن الخسائر التى تسببت بها هذه الحرب آخذة فى الازدياد: فهناك أكثر من 80،000 قتيل، وأكثر من مليون ونصف مليون لاجئ، ونحو ثلاثة ملايين مواطن اضطروا إلى مغادرة منازلهم والانتقال إلى أماكن أخرى فى سوريا. وفى الوقت عينه، بدأت انعكاسات هذه الحرب تنزلق إلى خارج حدود سوريا، فالأردن وتركيا يعانيان جراء نتائج هذه الحرب. أما فى العراق، وبصورة أقل فى لبنان فتدور حرب أهلية بين الشيعة والسنة. فى هذه المأساة، وعلى الرغم من الانطباع المعاكس أحيانا، فإن إسرائيل هى لاعب ثانوى فقط. ففى أعقاب سلسلة التهديدات التى أطلقها المسئولون الإسرائيليون، تبرز محاولة للعودة إلى أسلوب أكثر هدوءا وتعقلا. فبالأمس عندما سئل وزير الدفاع، بوغى يعلون، عن صواريخ اكتفى بالقول إن إسرائيل «تعرف ما عليها فعله». ويبدو اليوم وعلى الرغم من الأضرار التى تنطوى عليها الحرب فى سورية بالنسبة لإسرائيل فإنه يبدو
اليوم أن الميزان العام للواقع الناشئ هناك ينطوى على فوائد لنا لا بأس بها.
فإلى جانب الضعف الواضح للجيش السورى المنهك بالقتال الدموى، يبرز اليوم التآكل فى قوة حزب الله فى المعارك، والنقد الداخلى الذى يواجهه نصر الله بسبب تدخله فى الحرب فى سوريا.
طبعا، لا يمكننا أن نتجاهل التهديدات الصادرة عن سوريا وحزب الله بفتح «جبهة للمقاومة» جديدة ضد إسرائيل فى هضبة الجولان، لكن إذا استطاعت إسرائيل البقاء خارج هذه الاضطرابات، فإن ثمة حظوظا كبيرة فى أن تستطيع احتواء الوضع على طول الحدود ومنع انفجار العنف على نطاق واسع. لذا يمكن القول، من دون أن نتجاهل المخاطر التى ينطوى عليها الوضع غير المستقر، إن الصورة في
سورية فى هذه المرحلة ليست قاتمة من وجهة النظر الإسرائيلية.