في أجواء كساها اللون الأسود وخيم عليها صراخ وعويل، لا يمكنك التفرقة بين صوت ذكر أو أنثى، فمصدر الحزن واحد، وهو «القلب»، تعالت الصيحات في أرجاء نقابة المحامين، صباح اليوم الأربعاء، حزنًا على فقيدها «محامي الغلابة» المناضل سيد فتحي. «فتحي»، محامِ خرج من رحم الطبقة المتوسطة، فعزم على أن يكرس حياته للدفاع عن حقوقها المهضومة، وقرر أن يمضي على نهج أستاذه أحمد نبيل الهلالي، «قديس اليسار المصري»، ليكمل مشواره إلى أن انقطع مشوارهما معًا مساء أمس الثلاثاء.
«محامي الفقراء»، كما أطلق على الأستاذ سيد فتحي، مارس عمله كمدير «مؤسسة الهلالي للحريات»، من أجل حق الفقراء والعمال، فكانت هي رسالته خلال خمسة عقود وتزيد عامًا.
كانت آخر محاكمة ترافع فيها «فتحي» هي محاكمة الناشط السياسي أحمد دومة، منذ ثلاثة أيام منقضية، راح يدافع فيها عن زميل الثورة، بدون طلب من أحد أو حتى تكليف من المعتقل نفسه، لكن رغبة في نصرة الحق والوقوف إلى جانبه، فكان «فتحي» يرى أن قضيته لم تنته بانتهاء الثورة، وإنما ستستمر قضيته رغبة منه في إعلاء صوت الحق.
«اسألوا عليه تراب مصر»، جملة قالتها وفاء محمود، صديقة المتوفى، وهي منهارة تمامًا، تتمتم بكلمات بالكاد تستطيع فهمها، لم تكن في حالة تسمح لها بالحكي بصورة أوضح، ولكن صدمتها في رفيقها جعلتها تنسى كيفية النطق بالكلمات، وأضافت: «سيد كان رمز للوطنية، مستحملش اللي بيحصل في البلد، ومات مقهور».
حاولت صديقة «تلميذ الهلالي القديس» شرح ما كان يقوم به، قالت وصوتها يختنق من البكاء أو يكاد: «إنه محامي المدعين بالحق المدني في قضية قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير»، وأوضحت أن «فتحي» لم يكن كغيره من المحاميين، «كان صاحب ضمير، وضحكة تأسر القلوب، وكان همه أن ينال الفقراء حقوقهم».
لم تقتصر جنازة «محامي الفقراء وشهداء الثورة» على أصدقائه، بل امتلأت الجنازة بأهالي الشهداء الذين تأكدوا من أن المدافع عن أبنائهم على الأرض قرر أن ينعم بصحبتهم في السماء، وذلك بعد أن تأكد من أن «الشهداء» هم الوحيدون الجديرون بالصحبة!