عبد الجابر رئيسًا.. تعرف على نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا    سفراء التميز.. برنامج تدريبى لمعاوني أعضاء هيئة التدريس المبعوثين للخارج بمعهد إعداد القادة    رئيس الطائفة الإنجيلية يهنئ قداسة البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد    «أبو الغيط»: جريمة الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا لا يمكن تحمله على أوضاع العمال في فلسطين    انطلاق دورة مهارات استلام بنود الأعمال طبقا للكود المصري بمركز سقارة.. غدا    تراجع سعر الذهب مع بداية تعاملات السبت    صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع نمو الاقتصاد المصري إلى 5.5% على المدى المتوسط    إزالة فورية للتعديات ورفع للإشغالات والمخلفات بمدن إدفو وأسوان والرديسية وأبوسمبل    توريد 27717 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    زلزال بقوة 4.1 ريختر يضرب تركيا    شؤون الأسرى: ألف أسير فلسطيني أصيبوا في سجون الاحتلال جراء الانتهاكات    "الفرصة الأخيرة".. إسرائيل وحماس يبحثان عن صفقة جديدة قبل هجوم رفح    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    السفير البريطاني في العراق يدين هجوم حقل كورمور الغازي    "الأول في الدوري الإنجليزي".. محمد صلاح ينتظر رقما قياسيا خلال لقاء وست هام    يوفنتوس يستضيف ميلان في الدوري الإيطالي.. الموعد والتشكيل والقناة الناقلة    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    حريق العاصفة.. خروج المصابين في انفجار أسطوانة بوتاجاز بالأقصر    منع رحلات البالون الطائر من التحليق في سماء الأقصر بسبب الطقس    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق    "كل راجل ليلتين".. ميار الببلاوي تنهار من البكاء وتتعرض للإغماء بسبب داعية ديني    دعما لمهرجان أسوان ل المرأة 2024.. 3 صانعات أفلام مصريات تزرن هوليوود (تفاصيل)    «حاربت السرطان 7 سنوات».. من هي داليا زوجة الفنان أحمد عبدالوهاب؟ ( فيديو)    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    استاذ الصحة: مصر خالية من أي حالة شلل أطفال منذ 2004    «اللتعبئة والإحصاء»: 192 ألفا و675 "توك توك" مرخص في مصر بنهاية عام 2023    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    الإمارات تستقبل 25 من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    أول تعليق من الإعلامية مها الصغير بشأن طلاقها من الفنان أحمد السقا    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    هيئة كبار العلماء: الالتزام بتصريح الحج شرعي وواجب    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    وزارة الصحة: 3 تطعيمات مهمة للوقاية من الأمراض الصدرية    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية الخطارة بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    استقرار أسعار الذهب في بداية التعاملات يوم السبت 27 أبريل 2024    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    رسميا| الأهلي يمنح الترجي وصن داونز بطاقة التأهل ل كأس العالم للأندية 2025    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهدا‏ء بدأوا الطريق‏..‏
أحمد نبيل الهلالى .. قديس الحركة الوطنية
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 07 - 2012

دقت ساعة‏25‏ يناير في الميدان‏..‏ فانتفض التاريخ ليقرأ الفاتحة علي أرواحهم‏..‏ غرسوا بذور الثورة في أرض النظام السابق‏..‏ فسقطت الثمار في ميدان المستقبل‏..‏ آمنوا أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة‏..‏ اقتنعوا بأن الصمت في أحيان كثيرة يعني تحالفا مع الهزيمة‏..‏ تقدموا الصفوف.. ولم يحملوا سلاحا ولم يقودوا دبابة, ولكنهم نجحوا في إفساح الطريق..
انحازوا بإخلاص للأغلبية الكادحة في القاع..
قالوا لا.. عندما كان آخرون يبصمون بالعشرة نعم..
دفعوا الثمن عندما كان آخرون يحصدون المغانم..
عرفوا أن الوطن مقطوعة إخلاص وصدق وأمانة.. فعزفوا نشيد المعارضة..
في حياتهم دخلوا معارك مع رأس النظام ورجاله.. فاحتفلوا بالانتصار في مماتهم..
لم يكن معهم الجاه والسلطة والثروة.. لكنهم راهنوا علي أن صوت الحق هو الاعلي دائما..
قادوا المظاهرات, والاحتجاجات, والاعتصامات, دخلوا السجون.. لم ترتعش أياديهم لحظة.. ولم تهتز ضمائرهم, ولم تضعف عقيدتهم أمام أي صفقات أو إغواءات..
هؤلاء منهم الإسلامي.. اليساري.. الليبرالي.. والوسطي.. هؤلاء ومثلهم الكثيرون, أقلامهم.. وأصواتهم مهدت الطريق.. وعندما حانت لحظة النضوج.. لم يسعفهم القدر من تذوق طعم الثمار..
ماتوا جهادا وكفاحا ونضالا من اجل الوطن فاستحقوا لقب
شهداء بدأوا الطريق...
المشوار
ولد أحمد نبيل الهلالي في7 أغسطس1922, وهو ابن أحمد نجيب الهلالي آخر رئيس وزراء قبل ثورة يوليو.
حصل علي ليسانس الحقوق عام1949, وعمل من وقتها بالمحاماة.
يعد أشهر المدافعين عن حق الاضراب للعمال والفلاحين والمعتقلين الإسلاميين وترافع في قضايا كبري مثل انتفاضة يناير1977, وتمرد الأمن المركزي وقضية الحزب الشيوعي المصري والجماعات الاسلامية واغتيال رفعت المحجوب وحريق قطار الصعيد.
انضم عام1948 إلي الحركة الشيوعية المصرية, وكان أحد أركان الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني حدتو.
حكم عليه بالسجن عشر سنوات في قضية الشيوعيين الكبري عام1959 قضي منها خمس سنوات داخل السجن وافرج عنه بعدها, واعتقل في عام1965 لمدة اربع سنوات, واعتقل لمدة عام بعد مظاهرات الطلبة في1972, واعتقل مرة أخري ضمن اعتقالات سبتمبر.1981
انتخب عضوا في مجلس نقابة المحامين في الدورات المتتالية منذ عام1968 وحتي عام.1992
مؤسس حزب الشعب الاشتراكي عام1986 بعد انفصاله عن الحزب الشيوعي.
توفي في18 يونيو2006 عن84 عاما.
أبرز مؤلفاته:
اليسار الشيوعي المفتري عليه ولعبة خلط الأوراق.
حرية الفكر والعقيدة تلك هي القضية.
ابن باشا.. انحاز للفقراء..
مناضل عنيد.. اسطورة في الصلابة والبراءة والنزاهة
لقبته القوي الوطنية بمحامي الشعب, وأجمعت كل اطياف العمل السياسي علي أنه القديس.
أحمد نبيل الهلالي: ابن أخر رؤوساء الوزارات في العهد الملكي فوالده نجيب باشا الهلالي رئيس وزراء مصر الأسبق.
اختلف مع والده في الأفكار.. فاتخذ طريقا مختلفا.
ترك بريق السلطة والجاه.. ووقف في صفوف العمال مدافعا.. مقاتلا.
لم يجبره أحد علي اختيار معتقداته وأفكاره.. فكان صادقا ومؤمنا بما يفعل حتي آخر لحظة.
وهب نفسه للدفاع عن أبسط حقوق المواطن فحصل علي جائزة فتحي رضوان لحقوق الإنسان.
صار ضيفا دائما داخل ساحات المحاكم.. إما متهما أو محاميا.
جمع بين السياسة و القانون في نضاله ضد الاستغلال الطبقي والاستبداد السياسي.
عندما كان مديرا لمكتب والده بقصر الوزارة.. كان يستضيف طبقة العمال والكادحين ويعقد اجتماعات سرية ويقوم بتوزيع منشورات سرية تزعج الملك نفسه.
دخل والده في مناقشات معه حول نوعية الضيوف الذين يستقبلهم في مكتبه فرد: هؤلاء العمال أفضل مائة مرة من الباشوات الذين تستقبلهم حضرتك.. ضحك الوالد.. ولم يقوي علي طوفان الحماس الذي رسم ملامح الابن في هذه اللحظة دفاعا عن أفكاره.
لم يستطع أحد السيطرة علي قناعاته ففي ذات مرة ذهب مع والده الي المحكمة للترافع ضد العمال.. ففوجئ الأب بأن ابنه أحمد الذي يرافقه لنفس الهدف تحول في لحظة للدفاع عن الخصم بعد أن اكتشف انه من أحد العمال الذين يؤمن بقضيتهم.
حاول نجيب باشا الهلالي.. فك طلاسم ما حدث وما هو غير متوقع من الابن, فكانت الاجابة يا أبي لو كلفتني بنقل جبل من مكانه.. أهون من أن أتنازل عن معتقداتي.
هو الذي قال: إن المحامي الذي لا يلبي نداء مظلوم للدفاع عنه لا يستحق أن ينال شرف الانتماء الي هذه المهنة العظيمة.
وهو الذي قال: لن تستطيع قوة علي وجه الأرض أن تدفع بالاشتراكية خارج التاريخ.
نبيل.. دؤب لم يقدم تنازلات ولم يهو بين براثن اليأس والعدمية.
كان شديد الانسجام مع معتقداته ومبادئه.. فالقي عرض الحائط بكل اغواءات الطبقة البرجوازية وتنازل علي ميراثه من القصور وآلاف الأفدنة والثروات ليلتحق بأحلام الفقراء ويجعل من نفسه واحدا منهم, كان يرفض أن تكون له سيارة.
كما كان يرفض الموبايل.. كأنه عامل بين العمال وفلاح من الفلاحين الفقراء, وودع كل مظاهر الثراء لكنه صار أغني الاغنياء بحب جارف من حوله.
تملكته فكرة العدل والمساواة.. فنذر نفسه مدافعا عن المظلومين بل ومتحملا جميع نفقات التقاضي.
كان مكتبه بمثابة ديوان للمظالم يتوافد اليه كل عامل مظلوم وكل فلاح يعاني البطش وكل صاحب رأي تعرض لانتهاك حقوقه.
ضميره الوطني قاده الي نقطة الصدق مبكرا.. فصار له تلاميذ في المحاماة بعنوان كتائب النضال.
كلما تم تكريمه عن عمل أو موقف.. كان يعتبر ذلك أمر تكليف بمضاعفة مجهوداته.
سباقا في مكافحة سياسة دفن الرءوس في الرمال.
آمن بوجود الآخر فكان في مقدمة المطالبين بضرورة انشاء حزب للإخوان المسلمين.
اختلف مع التيار الإسلامي.. لكنه لم يتخل عن دفاعه عنهم ومساندتهم وكشف جرائم التعذيب التي تعرضوا لها مؤمنا بضرورة الدفاع عن حقوق كل انسان.. أي إنسان.. أيا كانت عقيدته الوطنية أو اعتقاده السياسي أو منطلقه الايديولوجي.
تصدي للدفاع عن قيادي الجماعة الاسلامية صفوت عبدالغني الذي كان متهما في قضية اغتيال د. رفعت المحجوب, واعتبرها واحدة من أهم القضايا التي ترافع فيها ونال جميع المتهمين براءة بعد دفاع مستميت استمر16 ساعة.
موهوب في المرافعات.. يجذبك بشدة ويترك بصمة واضحة علي مسامعك.. أداؤه دفع أحد القضاة أن يقول: من حقنا أن نفخر بأننا ننتمي الي نفس المهنة التي ينتمي اليها الاستاذ أحمد نبيل الهلالي.
كل أنواع التعذيب عرفها داخل السجون.. لكنه كان يواجهها بكل قوة وفخر.
كان عاشقا لرفيقة عمره فاطمة زكي التي لازمته في مشواره النضالي جنبا إلي جنب.. أحبها.. اخلص لها.. صارت زوجة وصديقة.. ورفيقة رحلة النضال.. اعطته..وأعطاها.. لكن في لحظة الفراق لم تستأذنه في الرحيل.. وتركته وحيدا يصادق الحزن.. ويصارع المرض, تارة غرف الانعاش.. وفي تارة أخري غرف عادية بالمستشفي, حاول خلالها أكثر من مرة أن يمسك بالقلم ويتراجع عن مبدئه في عدم كتابة المذكرات.. وأمسك بكراسة زرقاء اللون وبدأ يضع عناوينه لكنها بدون تفاصيل بدأها بجملة: مع اقتراب النهاية.. اهتز الموقف الثابت من رفض كتابة مذكرات.. وشعرت بأنني علي مسئولية.. وراح يضع في صدر كل صفحة عنوان.. وجاءت الصفحات سبع بعناوين سبع. كما يلي بالترتيب:
1 تجربتي مع حزب التجمع
2 علاقة حقوق الانسان
3 المحاكم العسكرية
وسجل تحت هذا العنوان الملاحظات التالية:
المتهم في قضية فؤاد مرسي أمام مجلس عسكري برئاسة عبدالله هلال
دفاعا من المتهم باغتيال رئيس وزراء اليمن السابق
محاكمة نجم وعزة بلبع ومجموعة من شباب طلبة الجامعة
4 مصادرة الأهالي
وهنا ودون ملحوظه بعنوان الرأسمالية العائلية نشرته جريدة الأهالي في1978/5/3 وركز علي آل عثمان أحمد عثمان وبعدها ملحوظة أخري بعنوان: الأهالي تحت الحصار..ومكافأة المستشار الذي صادر الأهالي بأن يتم تعيينه فجأة نائبا عاما ثم وزيرا للعدل.
5 التجربة مع الحريات ودون تحتها ملاحظات أهمها.
الدفاع عن حق الاضراب
6 الصراع الانجلو امريكي علي مصر ويدون هنا ملحوظة قالت: بعث كرمت روزفلت من خلال قنوات الوكالةCIA برقيات مفاداها ضرورة أن يذهب علي ماهر ويأتي الهلالي بدلا منه.
7 حادث زكي مراد.
وذكر هنا بعض التفاصيل قائلا:
المفروض ان أتواجد معه في السيارة.. لكن كنت في جولة انتخابية بنقابة المحامين.
في أخر لحظة اعتذرت لحضوري وسفري.
ملابسات غريبة حول الحادث.. الفرامل.. التلميح لاحتمالات فعل فاعل في خطاب في ذكري استشهاده.
ربما تكون هذه منمنمات حاولنا قراءتها بصعوبة. نظرا لعدم وضوح الخط.. لكن سألنا أحد تلاميذه المقربين منه سيد فتحي فأكد أنها كانت مشروعا لكتابة مذكراته بخط يده. لكنه سجل عناوين فقط وبعدها غادر الدنيا يوم19 يونيو2006 ويأتي مشهد النهاية, ويخرج ألاف المشيعين والمشاركين لجنازته مرددين: الوداع يانبيل يا حبيب الملايين

المجاهد من أجل الفقراء
ثروت الخرباوى
المحامي بالنقض والدستورية العليا
عرفت الأستاذ القدوة أحمد نبيل الهلالي في النصف الأول من الثمانينيات في إحدي قضايا الحركة الإسلامية, وكان كل الذي يدور في مخيلتي إذ ذاك هو أن هذا الرجل الذي نشأ في كنف الحركة الشيوعية المصرية حتي أصبح رمزا من رموزها وعلما من أعلامها كيف له أن يقف مدافعا عن فريق يعد من أكثر الإسلاميين تطرفا!! وكان وجه العجب الذي إعتراني وملأ جوانحي هو تاريخ هذا الرجل الغريب الذي كنت أعتبره أعجوبة من الأعاجيب ذلك أن نبيل الهلالي كان إبنا لنجيب الهلالي باشا الذي كان رئيسا لوزراء مصر قبل ثورة يوليو, ليس هذا فحسب ولكن أباه أيضا كان أحد الرموز الرأسمالية إبان ذلك العهد, وإن حفظ له هذا الأب بحسبه كان من كبار رجال القانون تربية منضبطة, كما كفل له تعليما مرتفعا في قيمته, ولم لا والأب كان من أفضل من تولي وزارة المعارف في مصر, ورغم أن هذا الإبن كان في طفولته كما حكي لي يلتف من حوله الخدم ويستجيب لرغباته الجميع, إلا أن أحدا لم ينتبه إلي أن حالة الصمت التي كانت تلازمه ما هي إلا لحظات تأمل يغوص خلالها في أفكار ورؤي تستعصي علي كبار المفكرين, وأشد ما كان يقض مضجع هذا الصبي هو ذلك التفاوت الرهيب بين أصحاب الثروة والسلطة وهؤلاء الفقراء البسطاء الذين تموج بهم الحياة من حوله في مصر, ولطالما أصابته العديد من الأمراض في طفولته الباكرة ولكأنما كان هذا الجسد النحيل يرفض الظلم الإجتماعي الصارخ الذي كان ومازال سمة من سمات الحياة المصرية.
لم ينتبه الأب السياسي والقانوني الأريب إلي أن إبنه سيسير حتما في طريق مختلف وسيظل عمره كله يحمل بين جوانحه آلام هؤلاء الفقراء الحفاة الذين يقتاتون الفتات ويكتسون الأثمال البالية, وفي كلية الحقوق كان الطريق الآخر الذي إختاره نبيل الهلالي, طريق الجهاد من أجل الفقراء ومن أجل طبقة العمال الكادحين, نفذ الهلالي إلي عمق الحركة الشيوعية المصرية مجاهدا ومفكرا ومنظرا وحركيا, ومن أجل مبادئه عرفته السجون القاحلة المظلمة الكئيبة حيث زج به خلف قضبانها علي مدار عمره حتي أحداث سبتمبر1981, وقد درج منذ نعومة أظفاره علي قيم ومبادئ قلما توافرت في رجل واحد, فمع نسبه الرفيع إلا أنه كان قمة في البساطة والتواضع وكأنه خرج من بيت ريفي فقير, وكأنه كان إبنا لعامل أو فلاح بسيط ولم يكن إبنا لرئيس وزراء مصر, ولذلك لم يأخذ العجب رفقاؤه حينما تنازل عن الثروة التي آلت إليه من أبيه, فمثل هذا الرجل لم يخلق لكي يكتنز أو ينفق ولكنه خلق لكي يجاهر بنصرة مبادئه التي آمن بها, فلم ينافق أو يتنازل, ولم يفرط في مبادئه ولم يبخل طوال عمره مع تلاميذه ولم يبع أصحابه كما فعل آخرون يرتدون ثياب الفضيلة ويتدثرون بالإسلام, وكان مكتبه مفتوحا لجميع الفقراء مجانا حيث كان يترافع وينافح عن حقوق العمال بلا أتعاب بل ودون حتي أن يتقاضي مصاريف الدعوي, كان هذا الرجل صادقا وصدوقا ظاهره كباطنه ومظهره كمخبره, رحم الله أحمد نبيل الهلالي فقد مات وتركنا.

عذرا أستاذي.. إن أخطأنا بعد رحيلك
سيد فتحى
محامى ومدير مؤسسة الهلالى
بالرغم من مروركل هذه السنوات علي رحيل قديس اليسار المصري أحمد نبيل الهلالي فإن أصدقاء وتلاميذ مدرسة الهلالي السياسية والمهنية ما زالوا يشعرون بوجوده اليومي.. نبراسا.. وضميرا.. ومرشدا أخلاقيا..فالهلالي لم يكن مجرد محام عظيم مقاتل في ساحات المحاكم دفاعا عن المستضعفين وفقط, وكذلك لم يكن مجرد مناضل إشتراكي معتز باختياره الفكري وانحيازه الاجتماعي وتمسكه حتي رحيله بهذا الاختيار, وذلك الانتماء.
الهلالي هو الحالة الفريدة في تاريخ مصر الحديث وكما قال الدكتور فوزي منصور في مقال له تشعر وانت مع الهلالي بأنك أمام فارس من فرسان السير القديمة... لذلك فقد تحول الهلالي الي ضمير يوقظنا إن أصابتنا الاستكانه.. ضمير يعنفنا إن انحرفنا..ضمير يؤرقنا عند كل فعل..
كان الوجع المصري أشد ما يؤرق الهلالي طوال سنوات ما قبل الرحيل.. فكان راصدا دقيقا لأخطاء الخطاب والاداء, وبالقراءة لكلماته السياسية في المناسبات المختلفة, وقراءة كل حواراته الصحفية يظهر ذلك جليا.. فكان كحامل النفير من أجل الحرية والعدل والتقدم..
ولن أجد أفضل مما قاله في ختام مرافعته عن نفسه كمتهم أول في قضية الحزب الشيوعي المصري:-
أعرف جيدا أن للذود عن حرية الفكر والعقيدة... ثمنا... وستجدونني دائما... جاهزا لأداء هذا الثمن فكما تقول كلمات خالدات لشاعر تركيا الخالد ناظم حكمت:
إذا لم أحترق أنا... وتحترق أنت.. ونحترق نحن... فكيف يمكن أن يتدفق النور.. من هذه الظلمات..
أخيرا... إليك يا استاذ نبيل أقول... نعتذر إن أخطأنا بعد رحيلك.. ونعتذر إن لم نتعلم الدرس جيدا.. فكن ضميرا لنا... يرشدنا ويدفعنا للأمام... بأخلاقيات الثوار النبلاء..

الحلم الجميل
خالد علي
المرشح السابق لرئاسة الجمهورية
تعرفت علي اسم نبيل الهلالي في1991عندما كنت في السنة الأولي من كلية الحقوق وكان يحدثني عنه أحد الأصدقاء اليساريين, كان يتحدث عنه بكل فخر واعتزاز حكي عن نشأته وحياته وآرائه ومواقفه السياسية ومرافعاته في المحاكم دفاعا عن أعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة التي كان يناهضهم فكريا ولكن يرفض تعذيبهم أو محاكمتهم عسكريا أو تلفيق تهم لهم, بدا لي وكأنه حلم جميل وأخذت أسأل نفسي هل كان صديقي يبالغ فيما قال وفيما وصف أم أنها حقيقة ومثل هذا الرجل يعيش بيننا. وبعد أن أنهيت دراستي والتحقت بالعمل في مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان كان أول لقاء يجمعني بالهلالي في ديسمبر1996 من خلال ندوة نظمها المركز عن نتائج انتخابات النقابات العمالية دورة1996-2001 وكنت مكلفا بإعداد ورقة عن المسار القانوني لهذه الانتخابات وتقديمها في الندوة التي حضرها العديد من القيادات العمالية شأن طه سعد عثمان وعطية الصيرفي ومصطفي عبد الغفار وحضرها أيضا يوسف درويش ونبيل الهلالي وكان كل منهما يتحدث عن هذه الانتخابات باهتمام بالغ ويحلل علاقتها بتحركات الطبقة العاملة ومدي تأثيرها علي تمتع العمال بحقوقهم, ثم فوجئت في اليوم التالي بمكالمة تليفونية من يوسف درويش يدعوني لزيارته في منزله وبالطبع فرحت بالدعوة وقمت بالزيارة وكانت المفاجأة أن اللقاء ضم أيضا نبيل الهلالي, لم أصدق نفسي أن الاستاذين أعدا هذا اللقاء لمناقشتي حول الورقة والافكار القانونية التي طرحتها بها, أما الهلالي فكانت نصيحته لي بالا تخطفني السياسية من المحاماة وأن أوازن دوما بينهما وان أهتم ببناء نفسي مهنيا وقال( وانت بتمارس العمل السياسي اوعي تنسي المحاماه, ومهما تكن الضغوظ حواليك لازم تبذل فيها مجهودا, وعلي فكرة مكتبة نقابة المحامين فيها كتب عظيمه).
كان حرص الهلالي دوما علي أن يكون هو آخر المتحدثين ليتيح للجميع ابداء وجهة نظرهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.