· اختلف مع الإسلاميين ودافع عنهم ورفض المحاكمات العسكرية للمدنيين أحمد نجيب الهلالي أحد أبرز رموز اليسار المصري، سر عظمته تكمن في كونه نجل نجيب الهلالي باشا آخر رئيس وزراء مصر في العهد الملكي، فهو ابن باشا وابن رئيس وزراء تنعم في مزايا الباشوية الطبقية لكنه سرعان ما تخلي عنها وانحاز بشكل كامل نحو البسطاء والمطحونين مسخراً مكتب المحاماة الذي يمتلكه لخدمة العدالة دون النظر إلي أيديولوجية وفكر وطبيعة طالبيها رافضاً في كثير من الأحيان تقاضي الأتعاب. أحمد سيف الإسلام حمد المحامي مدير مركز هشام مبارك للقانون كشف في مقدمة كتاب صادر عن مؤسسة الهلالي للحريات وأعده وائل توفيق عن جوانب الشخصية التي تثير جدلاً في الوسط اليساري والشعبي بشكل عام وانشغال الرجل بالدفاع عن حقوق الفلاحين والعمال وقضايا الحريات والمعتقلين خلال حقبة الثمانينيات ودوره في التحرر الوطني وإيمانه بمبدأ التكافل الاجتماعي. وقال إن الهلالي اكتسب احتراماً خاصاً لأنه في المقام الأول ابن نجيب الهلالي باشا آخر رئيس وزراء في العهد الملكي، فهو لدي الجميع ابن باشا وابن رئيس وزراء، ومن هذه النظرة بالتحديد نفض «الرفيق» يديه تاركاً رفاهية المركز الاجتماعي ومزايا الوضع الطبقي ليلوذ منهماً بأحضان الحركة الشعبية وعمالها وفلاحيها البسطاء في حركة تمرد من ابن الطبقة الحاكمة. كما يقول سيف الإسلام - تجد أنه صاحب عقلية مستنيرة وثاقبة ومنها فقد أسس مدرسة البحث القانوني في الدفاع عن المتهمين وتميز اسلوبه في إعداد المرافعة بالتفتيت في تاريخ التشريع ومواد القانون المتعلقة بالاتهام حيث اعتمد منهج «الجو الاجتماعي المصاحب للتشريع» وأبرز مثال لذلك كان عندما ترافع في قضية انتفاضة يناير 1977 حيث كان الاتهام الرئيسي الذي وجه للمتهمين هو المنصوص عليه بنص المادة 98 «أ» من قانون 16 لسنة 46 الذي وضعته حكومة صدقي وكان مرتبطاً بظروف سياسية لأجل معاهدة صدقي - بيفن. الهلالي وجد أن هذا القانون مأخوذ من قانون سنه «موسوليني» في إيطاليا النازية عام 1930، واستدعاه صدقي ليواجه به الحركة الوطنية. وطبق الهلالي المنهج التنقيبي في تصديه لجرائم التجمهر وتنظيم النشر فكأنه كان يشاهد مواد القانون تحت مجهر ضخم يكشف عن الأصل التشريعي لها وطرفها السياسي والمناخ الذي ولدت فيه. وللهلالي موقفه المتفرد من القضاء العسكري ضد المدنيين ويعتبر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري باطلا لأنه يدرك أن الكلمة الأولي والأخيرة للقاضي العسكري صاحب الكلمة وكل محاولات الدفاع أو إبداء الدفوع تبدو عبثاً، لذا حول الاستنتاجات المنطقية حول عدم عدالة المحاكمة العسكرية للمدنيين إلي ممارسة عملية متخداً موقفاً رائداً غير مسبوق لكنه صحيح جداً ويساعد علي فضح وتعرية هذه المحاكم العسكرية بأن دعا إلي مقاطعة المحامين لمحاكمة المدنيين أمام هذه المحاكم، وخلع قناع المحاكمة عنها وعدم اضفاء مشروعية عليها ليترك المحكمة أمام خيار واحد وهو أن يصدر عنها قرارات مباشرة وليست أحكاماً لأنه لا محاكمة بلا دفاع. ويذكر سيف الإسلام ركيزة رابعة تفرد بها الهلالي تمثلت في تأسيس مكتب الشعب، حيث يذهب إليه المواطنون دون تحديد موعد للمقابلة أو توفير مقدم أتعاب أو بروتوكول خاص تنفذه سكرتارية لمقابلة هذا المحامي النحيل المتحرك أغلب الوقت الواقف خلف مكتبه، ولا تكاد تميز هذا الرجل وتدرك أنه الهلالي إلا عندما تواجه بساطته الواثقة. كان مكتبه أول مركز «عالم» حقوقي مصري متعدد الأنشطة من الاعتقال الإداري إلي الفصل التعسفي، ومن قضايا التعبير والتنظيم إلي الأحوال الشخصية والقرارات الإدارية ومن مظاهرات الطلاب إلي بدل وجبات العمال، وذلك قبل أن تظهر المنظمات الحقوقية أو المدنية. الركيزة الخامسة تكمن في الأثر والتأثير حيث يذكر سيف الإسلام أن نبيل الهلالي خلطة خاصة ومتميزة من الممارسة الحقوقية والسياسية التي وجدت لتدوم فالطرق شقها وتأثر المحامون بطريقته وساروا علي منهجه ولا يختلف جوهر ممارسته النقابية عن ممارسته الحقوقية والسياسية استقلال النقابة وديمقراطيتها كان أهم مشاغله وجوهر معاركه النقابية، عدم التمييز، التعدد والوحدة واستقلال الموقف العداء المبدئي للدولة البوليسية والاستبداد السياسي والوضوح الشديد. واختتم مقدم الكتاب كلامه قائلاً: سنخون الهلالي إن لم نشر إلي عباراته الشهيرة التي كان يذكرها في أي مؤتمر: «أنا لوصفي محامياً شيوعياً نعم محامي شيوعي لكنه مبدأي ونقابي وشعبي واحد.. انه رجل مواقف مبدئية لا مؤامرات تجده في خنادق المواجهة ولا تجده أبداً في دهاليز المؤامرة.. يختلف مع الإخوان ولا يتآمر ضدهم يرفض أفكار الإسلام السياسي ولا يدخر جهداً في الدفاع القانوني عنهم.. يتمسك باستقلال النقابة وعدم هيمنة أي تيار حتي الشيوعيين عليها».