أكثر من عامين مرا على الثورة المصرية لكن حتى الآن لم يجد العاملون فى مجال السياحة حلا لمشكلاتهم، حجوزات الفنادق تلغى فى اللحظات الأخيرة، نسب الإشغال السياحى بالفنادق لا تصل للمعدلات المتوسطة، بل وصلت فى بعض الأحيان لصفر كما حدث لفندق سميراميس بوسط القاهرة للمرة الأولى فى تاريخه. الأزمات التى تمر بها صناعة السياحة فى مصر ليس أزمات أصحاب رءوس أموال فقط ولكنها أزمات أكثر من 8 ملايين شخص يعملون فى مجال السياحة، بعضهم غير مجاله والبعض الآخر لا يزال يبحث عن أمل فى غد أفضل بعد أن قبل تحمل أزمات العامين الماضيين.
وعود الرئيس الانتخابية وجولاته المكوكية لجذب السياح لم تنجح سوى فى زيادة عدد السائحين من الطبقة المتوسطة فى الصين والهند وهم سائحون لا فائدة منهم لصغار العاملين لكونهم يأتون بأسعار وعروض مخفضة لكونهم يأتون الرحلة بالكامل بألف دولار أو يورو حسب اتفاقهم مع شركات السياحة.
«الشروق» تجولت بين المدن المصرية الأكثر تضررا فى السياحة لترصد معاناتهم ومأساتهم، بين أب أخرج ابنه من التعليم لكى يساعده على تحمل نفقات العيش، وصاحب عربة خيل لا يجد ثمن الأكل لحصانه وصاحب محل جلس فيه وحيدا بانتظار سائح لم يأت.
شرم الشيخ والغردقة.. حضر الأمن وغاب السياح تراجع نسب الإشغالات فى الفنادق خلال الاشتباكات فى العاصمة.. وعمالة تواجه المجهول
فى السابعة مساء بدا الخليج السياحى الشهير الذى كان يعج بالزوار فى الأمس القريب، خاويا الا من عدد من العمال وأصحاب المحال، وبات المكان الذى كان مؤشرا على النشاط السياحى فى المدينة، دليلا ملموسا على انهيار السياحة.
وقفت سيارات التاكسى أمام ممشى خليج نعمة الشهير بمدينة شرم الشيخ، فى انتظار خروج أى سائح يرغب فى الانتقال لمنطقة أخرى.
مشهد تكدس عربات الحنطور والجمال وسيارات التاكسى أمام الأماكن الحيوية بالمدينة ليلا بات مشهدا معتادا خلال الشهور الاخيرة، فالموسم السياحى أصيب بالشلل بسبب الظروف السياسية والتظاهرات فى القاهرة، فحجوزات السائحين غالبيتها غير مؤكد ويتم تعديله أو الغاؤه مع وجود المظاهرات بحسب طارق لطفى أحد العاملين فى وكالات السفر.
يشير لطفى إلى أن غالبية الوفود التى تأتى فى الفترة الحالية من روسيا والصين، وهم أفقر وفود، على حد تعبيره، نظرا لعدم امتلاكهم الأموال لشراء هدايا أو القيام برحلات الغوص، موضحا أن كل الرحلات يتم تشغيلها بنصف طاقتها أو أقل كى تتحرك دون أن يحقق صاحبها هامش ربحه.
الأزمة تزداد بحسب لطفى بالإجراءات الحكومية وعدم توافر السولار المحرك للمركبات، ووجود سوق سوداء له، مما يزيد من النفقات فى وقت كان من المفترض أن تقف فيه الدولة إلى جوار العاملين بالسياحة، بحسب كلامه، «لكنها ساهمت فى عرقلتها بسبب الأزمات المصطنعة».
الشاب الذى يمتلك مكتبا للخدمات السياحية والمسئول عن تنظيم جولات للسائحين على اسطح المراكب العائمة تبدأ فى العاشرة صباحا حتى الرابعة عصرا شاملة وجبة الغذاء، وصلت تكلفتها الان إلى 150 جنيها للفرد بدلا من 400 جنيه كما كانت قبل الثورة.
يشير لطفى إلى أن غالبية مكاتب الخدمات السياحية تحاول العمل فى ظروف صعبة، «فالسائح عندما يأتى تقوم شركة السياحة بتنسيق كل شئ له من خلال ما تملكه، بينما يكون الضحية صغار الشباب الذين يملكون مشروعات صغيرة»، لافتا إلى أنه أصبح يجلس بمفرده فى الشركة بعد أن كان يعمل بها 3 موظفين غيره.
بخلاف المدن السياحية الاخرى تحظى شرم الشيخ والغردقة بتواجد أمنى مكثف سواء على الطريق المؤدى لها الذى يوقف فيه ضباط الشرطة السيارات، للاطلاع على بطاقات تحقيق الشخصية للمسافرين وأسباب توجههم إلى المدينة فى ذلك الوقت، أو على مستوى التواجد الملحوظ لشرطة السياحة فى الشوارع، وانتشار المخبرين فى محيط البازارات السياحية، وتمركز سيارات الشرطة أمام المناطق الرئيسية.
وقف ثلاثة من الشباب يتراقصون أمام أحد المطاعم الكبرى بمنطقة خليج نعمة ليلا، فيما وقف صاحب المطعم الشاب محمود ليتابع تحركات السائحين من أجل جذب الانتباه لمطعمه الفخم لتناول وجبة عشاء على صوت الأغانى الشعبية، فيما خلت صالة المطعم الموجود بأشهر مناطق شرم الشيخ من الرواد، وظل الشباب يرقصون بمفردهم لنحو ساعة، لم يدخل فيه المطعم سوى ثلاث سائحات وقفن يتراقصن مع الشباب قبل أن يجلسن ويطلبن عشاء من المأكولات البحرية الفاخرة.
سعة المطعم عند امتلائه بالزبائن تصل إلى أكثر من 120 شخصا ومصمم على التراث العربى، لكن زبائنه لا يتجاوز عددهم الثلاثين فى اليوم الواحد، بحسب تصريحات صاحبه، الذى لم يجد حلا سوى تقليل عدد العاملين فى المطعم للنصف، وتوفير الإضاءة بإطفاء أكثر من لمبة.
يبرر محمد مشكلته فى أن السائحين الوافدين للمدينة أصبحت إقامتهم شاملة الوجبات، بما يعنى عدم استفادتهم من زيارتهم للمدينة التى كانت تعتمد مطاعمها على حركة السياحة، موضحا أن انخفاض أعداد السائحين دفع الشركات لتنظيم رحلات كاملة الاقامة لجميع الوفود مما يعنى إغلاق العشرات من المطاعم.
«اتفضل يا استاذ مطعم السمك فيه نوعيات مختلفة وبأسعار جيدة» عبارة يرددها «الخرتجية» الذين يقومون باصطحاب الزبون من الممر إلى المطعم الذى يتعامل معه فى خليج نعمة، يقولونها بأكثر من لغة، بالانجليزية وبالفرنسية وبالروسية أو الايطالية حسب جنسية السائح، بينما يتعرض بعض السائحين لمضايقات منهم حال تكرار العرض والاصرار على اصطحابه للمطعم.
يشير مصطفى أحد الخرتجية إلى أن حالهم أصبح متوقفا، وأنه يوميا لا ينجح فى اصطحاب أكثر من سائحين أو ثلاثة، مشيرا إلى أن هذه المهنة كان يعمل بها العشرات والان لم يتبق منها سوى 4 أو 5 فقط، معترفا أن البعض ممن يعملون فى مهنته يضايقون الزبائن خلال تسوقهم.
يوضح طارق محمود أحد أصحاب مكاتب السياحة إلى وجود خوف لدى السائحين من التحرك خارج شرم فى كثير من الظروف، موضحا أنه بعد الثورة نشطت مكاتب السياحة بالمدينة فى تسفير السائحين إلى الأقصر وأسوان أو القاهرة لزيارة معالمها السياحية لمدة يوم أو يومين على الاكثر، ضمن برنامج زيارة يمتد لمدة أسبوع.
وأضاف أن الشركات التى تقوم بالتنسيق مع شركات السياحة فى الخارج يكون برنامجها لمدة اسبوع فى كثير من الأحيان شامل الإقامة والوجبات ومن ثم يكون لدى بعض السائحين فرصة للسفر لمدينة اخرى خلال برنامجهم إذ كانوا يرغبون فى ذلك سواء بالطائرة أو الاتوبيس.
وأشار إلى أن غالبية السائحين يفضلون زيارة القاهرة لمدة يوم واحد يشمل المتحف المصرى والقلعة وحى الحسين ويمكن زيارة الهرم حسب الجدول المعد مسبقا وهى زيارة لا تتكلف سوى نحو 80 يورو لافتا إلى أن كثيرا من السائحين يقبلون عليها لكن بعضهم لا يفضل الذهاب للمتحف لتخوفه من وجود اشتباكات فى ميدان التحرير.
وأوضح أن البعض يتوجه لزيارة الاقصر بالطائرة لمدة يوم أو يومين ويعود سريعا لشرم الشيخ والبعض يفضل الذهاب إلى الاردن أو القدس وإن كانت الأخيرة غير مسموح بها للمصريين لافتا إلى أن الثمن القليل الذى يدفعه السائح غير نوعية السائحين فمن يأتون إلى شرم الان هم الفئات العاملة ذوو الدخول المتوسطة.
يقف صموئيل فى محله الزجاجى الصغير بانتظار زبائن يأتون لشراء ملابس أو مستلزمات للبحر ليدخل عليه ثلاثة من الاكراد ويبدأون فى التفاوض معه على سعر بشكير البحر ويخفضونه من 70 جنيها ل42.5 جنيه ليضطر فى النهاية لبيع الثلاث قطع ويقوم الزبائن بمحنه بعض الجنيهات الفضية.
يشير صموئيل ابن محافظة المنيا إلى أنه استأجر المحل قبل أكثر من 10 سنوات وجاء شقيقه ليعمل معه وامتلكا أكثر من محل صغير بالأماكن الحيوية لكن الوضع الآن أصبح غير مشجع بسبب تراجع السائحين فلم يتبق معهم سوى محلين فقط يدفعون من 50 إلى 70% من قيمتهما الايجارية وفقا لنسبة الاشغال التى يحددها الفندق المستأجرين منه بينما يبلغ الايجار المدون فى العقد لمحله الذى لا تتجاوز مساحته 15 مترا 20 الف جنيه.
غادر الزبائن الثلاثة متوجهين إلى البحر بينما جلس صموئيل فى انتظار أن يأتى إليه زبائن اخرون لكن المحل لم يقترب منه أحد لأكثر من ساعة قبل أن تدخل سائحة أخرى وتبدأ فى مشاهدة بعض الملابس المعلقة بالداخل والخارج.
فى منطقة السوق القديم كانت الحركة تبدو جيدة، فالمحال تبدو وهى نصف ممتلئة بالزبائن بينما تقلصت مساحات المحال العاملة وأغلقت المحال الموجودة فى أقصى السوق بالداخل والمحال الموجودة على الاطراف بعدما تركها أصحابها خلال الشهور التى اعقبت الثورة.
محمد ماهر أحد شباب نزلة السمان الذى انتقل للعيش فى شرم الشيخ افتتح بازرا خاصا به لبيع الاثار المقلدة والقطع التذكارية، فمحله على أطراف السوق، بينما يجلس بجوار زملائه العاملين فى المحال المجاورة يتناقشون ويتسامرون حتى يشاهدوا زبائن قادمين فيحاولون عرض بضائعهم.
«الأسعار هنا أقل من مثيلاتها فى خليج نعمة بشكل كبير، نظرا لاختلاف قيمة الايجارات فالمحال هنا تبدأ من الفى جنيه حتى تصل إلى 10 آلاف ويمكن أكثر حسب الأقدمية وصاحب المحل المؤجر منه، وبالتالى تتفاوت الاسعار حسب كل محل رغم تشابه المنتجات». والكلام للشاب الذى لم يتجاوز الثلاثين من عمره.
يشير محمد إلى أن التفاوت فى الايجارات يضر اصحاب المحلال ذات الإيجارات المرتفعة نظرا لعدم قدرتهم على البيع بنفس الاسعار التى تبيع بها المحال ذات الايجارات القديمة وهو ما يحتاج إلى تدخل من الدولة لتكون هناك اسس يتم على اساسها تحديد قيمة الايجار. نسبة الاشغالات فى فنادق المدينتين لا تتجاوز 50% فى أفضل الاحوال وتصل أحيانا إلى 10% بحسب تأكيدات العاملين فيها الذين يعانون من الاحداث السياسية وتأثيرها عليهم بشكل مباشر خلال الفترة الأخيرة.
فى الغردقة، لم يختلف الموقف كثيرا فنسبة الاشغالات لم تتجاوز خلال الموسم الشتوى 30% فى افضل الأحوال باستثناء رأس السنة الذى وصلت فيه نسبة الاشغالات ببعض الفنادق إلى 80% وهى المدة التى لم تستغرق سوى عدة أيام بحسب خبراء السياحة.
التواجد الأمنى فى الغردقة لا يقل عن مثيله فى شرم الشيخ، فدوريات الشرطة متواجدة وإن كانت محدودة ورجال الداخلية متواجدون فى الفنادق وبالقرب من الشواطئ، وهو الأمر الذى لم ينجح فى جذب السائحين مرة اخرى للمدينة.
الركود الذى ضرب المحال عجز معه مستأجرو المحال على تسديد ايجاراتهم، ودفعهم لمغادرة المدينة، بينما قلص البعض الاخر نشاطه فى محاولة لتقليل الخسائر، فيما تراوحت نسب الاشغال فى العديد من الفنادق بين 15 و25% تراجعت بشدة خلال الاضطرابات التى شهدتها العاصمة فى الذكرى الثانية للثورة المصرية.
صابر الجهلان أحد الشباب العاملين الذى جاء من محافظة الاقصر للإقامة فى الغردقة مع اسرته مفتتحين العديد من البازارات للتجارة بعضها يبيع بدل الرقص الشرقى التى تقبل عليها الاجنبيات والبعض الاخر يبيع القطع التذكارية لآثار الاقصر، اصبحت محال عائلته تعانى من الكساد.
يشير صابر إلى أن أكثر من نصف السائحين روسيين وبولنديين وهم زبائن بالنسبة له لا فائدة منهم حيث يأتون للاستمتاع بالطقس والبحر ويغادرون دون شراء أى من المنتجات الموجودة فى الأسواق نظرا لميزانيتهم المحدودة، ويساهم فى ذلك نصائح المرشدين الذين يقومون بتوجيهها لهم بضرورة عدم النزول للأسواق للدواعى الأمنية.
يوضح الجهلان أن جميع الفنادق قامت بتخفيض اسعارها بنسب متفاوتة وصلت فى بعضها لأكثر من 50%، موضحا أن الطبيعة الشرائية للسياح تغيرت من الملابس والاشياء الثمينة فى الهدايا للمسكات ونظارات الغطس والشيشة الصغيرة.