رغم ارتفاع سقف توقعات الطبقة العاملة المصرية بعد نجاح ثورة الخامس والعشرون من يناير، التي اطاحت بالنظام البائد، إلا أنه العام الحالي عكس مدى المعاناة التي يعيشها العمال، بعد تولي الرئيس محمد مرسي السلطة، في شهر يونيو من العام الماضي. وفي الوقت الذي يحتفل فيه العمال بالعيد الثالث علي التوالي بعد الثورة التي أطاحت بثلاثة عقود من الحكم الاستبدادي في مصر، تقف الطبقة العاملة المصرية في أشد مواقفها للدفاع عن حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، لتواصل مشوار الاحتجاجات الذي اشتد مع بداية الفترة الانتقالية منذ اندلاع الثورة، وارتفاع مشاكلهم التي لم تُقدم لها حلول حتى الآن.
وبحسب الخبير الاقتصادي والاجتماعي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلهامي الميرغني، فإن محافظة القاهرة شكلت أكثر المحافظات احتجاجا خلال 2012، من خلال 684 احتجاجًا، شكلت 18٪ من إجمالي الاحتجاجات في جميع المحافظات.
ويرجع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في القاهرة والإسكندرية إلى تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ووجود كل الوزارات والمؤسسات التابعة للدولة، والتي تمتلك فكرة المركزية، والحديث للميرغني، الذي يضيف أن الأزمة بدأت تنعكس بشكلها الحالي المطلبي، لأنه يمثل الحاجة المباشرة للعامل، لافتا إلى ارتفاع الاسعار وانخفاض مستوى الدخل، وافتقاد الأمان الوظيفي، الذي شكل هو الآخر جوهر الاحتجاجات العمالية، لما لها من علاقة مباشرة بالأوضاع الاجتماعية .
دعاء عادل، الباحثة بالمركز المصري، قالت، من خلال رصدها للاحتجاجات عامي 2012 و2013، إن العامين اللذين شهدا فترتي حكم المجلس العسكري وبداية حكم الرئيس مرسي يمكن أن يوصفا بعامي الغضب العمالي، مشيرة إلى أن القطاع الحكومي شكل أكثر القطاعات العمالية التي شهدت الاحتجاجات، من خلال 1355 فعالية احتجاجية، شكلت 68.8٪ من الاحتجاجات العمالية، مؤكدة أن الاحتجاجات شهدت تطورًا ملحوظًا في استخدام الأساليب ما بين القطاعات، حيث كانت الوقفات الاحتجاجية أكثر استخداما خلال العامين، حيث نظمت الطبقة العاملة 851 وقفة احتجاجية، تمثل 22.3٪ من إجمالي الاحتجاجات .
أما المسيرات والمظاهرات، فأكدت دعاء عادل، أنها شكلت 18.3% من الاحتجاجات، وقطع الطرق 14.7%، بينما شكل التجمهر 4.3% من أساليب الاحتجاج، واحتجاز المسئولين 1.3%، وإغلاق الهيئات والمباني العامة، فضلا عن استخدام الأهالي لأساليب التجمهر وقطع الطرق والتظاهرات للدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية المهدرة، ولمواجهة التغيرات ما بعد الثورة؛ مثل الانفلات الأمني، وأزمة الوقود، وانقطاع المرافق العامة .
وفيما يتعلق بأسباب الاحتجاجات، قالت فاطمة رمضان، رئيس لجنة الإضرابات بالاتحاد المصري للنقابات المستقلة، إن الاختلاف والتضاعف الواضح في أعداد الاحتجاجات التي شهدتها مصر، يؤكد أن الأيدي العاملة المصرية بمختلف قطاعاتها كانت المحرك الأول للحراك الاحتجاجي، تلاهم الأهالي، ثم النشطاء السياسيين والحقوقيين، وهو ما يعكس حاجة الدولة المصرية الأساسية لسد ثلاثة احتياجات أساسية لدى المواطن المصري وهى؛ توفير فرصة ومناخ ملائم للعمل، وتوفير الخدمات والمرافق وضبط السوق، وكفالة الحقوق والحريات المدنية والسياسية. واستندت فاطمة رمضان إلى التقرير الصادر عن الاتحاد، بأن مطالب العمال بوضع حد أدنى أقصى للأجور، وإصدار قانون الحريات النقابية، وتثبيت العمالة المؤقتة، وإعادة المفصولين من أعمالهم، ووقف التعسف ضد العمال، والتصدي لظاهرة رفع الاسعار التي التهمت دخول العمال، ووضع خطة تنمية عاجلة للقضاء على طوابير البطالة، وإلزام الحكومة بتوفير فرص عمل، وإعادة توزيع الموازنة العامة للدولة بما يضمن العدالة الاجتماعية، مؤكدة أنه من خلال تحقيق هذه المطالب، يمكن أن تقل نسب الاحتجاجات .
كما عكست أعداد الاحتجاجات التي دخلها العمال في العديد من القطاعات المختلفة حاجة العامل المصري المستمرة لحق العمل وشروط لعمل أفضل وتوفير حياة كريمة، وفق آخر رصد لمؤشر الديمقراطية، الصادر عن المركز التنموي الدولي، خلال مارس الماضي وأبريل الجاري، ليؤكد علي تزايد الاحتجاجات بشكل عام، والعمالية منها في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، خامس رئيس للجمهورية وأول حاكم يصل إلى السلطة من جماعة الاخوان المسلمين .
وشهد عام 2013 1354 احتجاجًا، وذلك 1.8 احتجاج كل ساعة، و 7.2 كل 4 ساعات، و 44 احتجاج يوميا، و306 احتجاج أسبوعيا، وبذلك تصبح مصر أعلى دول العالم في معدلات الاحتجاج، وفي سابقة لم يحققها الشارع المصري حتى في فجر الثورة، بحسب التقرير الصادر عن أكثر من 40 فئة من فئات الشارع، إلا أن الصدارة كانت للمواطنين والأهالي الغير منتمين سياسيا، والذين نفذوا 309 احتجاجًا.
في حين احتل انتهاك حقوق العمال المركز الاول في عدد الاحتجاجات، حيث طالب 142 احتجاج بمستحقات مالية للعمال والموظفين، و 73 احتجاج بالتثبيت الوظيفي، و44 احتجاج ضد النقل والفصل التعسفي، و16 احتجاج بسبب سوء المعاملة والتعسف، و11 احتجاج بسبب الفساد والمحسوبية في بيئة العمل .
وخرج أكثر من 25 احتجاج اعتراضا على أخونة مؤسسات الدولة، و6 تظاهرات للدعوة للعصيان المدني العام، بالإضافة ل3 احتجاجات على زيارات الرئيس وأعضاء حزب الحرية والعدالة، و3 تظاهرات للمطالبة بتدخل الجيش لسخط المحتجين على السلطة الحاكمة، بالإضافة للمطالب الخاصة بإقالة المسئولين، والتي مثلت 33 احتجاجا.
وعن جغرافيا الأداء الاحتجاجي، فقد خرجت كافة المحافظات لتحتج، لكن القاهرة كان لها الصدارة، يليها الغربية والشرقية والإسكندرية وكفر الشيخ، ويلاحظ أن تنامي الاحتجاجات في أعداد التظاهرات التي قامت بالمحافظات البدوية ومحافظات الصعيد .
فعلى الرغم من أن الوقفات الاحتجاجية احتلت مركز متقدم في أشكال الاحتجاج التي يستخدمها المحتجون، وشكلت قرابة 344 احتجاج، بنسبة 25.41%، فلا يزال قطع الطريق هو ثاني أكبر وسيلة احتجاجية يستخدمها العمال في التعبير عن غضبهم، بنحو 247 احتجاج، بنسبة 18.24%.
إلى ذلك، شهدت أشكال الاحتجاج بعض الاختلاف، منها حالات الانتحار، والتي استخدمها العمال في شركة تسوميد بالإسكندرية، تلها 6 محاولات انتحار، وحالة لمواطن أغلق فمه بقفل حديدي بعدما مرره عبر شفتيه، وآخر لطم وجهه أثناء إحدى جلسات الشوري.
وفي مقارنة لعدد الفئات المحتجة خلال العام 2010، الذي شهد احتجاج أكثر من 30 فئة، زادت الأعداد خلال العامين 2012 و2013، لتصل لأكثر من 40 فئة، وذلك بظهور فئات محتجة جديدة، أهمها قطاع الشرطة، كذلك قطاع البلاك بلوك، والألتراس، وأهالي الشهداء، كما تضاعف أعداد المحتجين من بعض القطاعات، مثل قطاع النقل بكافة أنواعه، وأهمها سائقي الميكروباص والتاكسي والقطارات، فيما حافظت بعض الفئات على وتيرة أداؤها الاحتجاجي؛ كالطلاب الذين يمثلون أحد الفئات الفعالة على الخريطة الاحتجاجية المصرية.