سألت أحد أساتذة القانون الدستورى، عن كيفية إرسال مجلس الشورى لقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون انتخاب مجلس النواب، للمحكمة الدستورية العليا لإعمال الرقابة السابقة، والقانونان بهما بعض ما سبق واعترضت عليه المحكمة قبل أقل من شهرين وهى مازالت بذات التشكيل، وبنفس الأعضاء، فأجاب الرجل بهدوئه المعتاد: طبعا ستعترض مجددا، ثم فاجأنى بأن المهمة هذه المرة أصعب، لأن القانونين جديدان وليسا مجرد تعديلات مثل المرة السابقة، أى أن حجم الاعتراض والرفض من الممكن أن يكون أكثر من المرة السابقة بكثير. وفى ذات الوقت حاولت العثور على أى إجابة لسؤال حيوى وهو لماذا يفعل مجلس الشورى ذلك وغالبية المعنيين بالأمر يقولون إن المحكمة الدستورية العليا سترفض، لكن لم يجبنى أحد حتى هذه اللحظة اللهم إلا أحد كبار المحامين الذى يصر أن المجلس لا يعرف ماذا يفعل، وأن الخبرات القانونية للنظام والرئاسة والحزب الحاكم فى غاية الضعف ولا ترقى لفهم مثل هذه الأمور، وأحالنى لآخر تصريح لرئاسة الجمهورية حول أزمة النائب العام والحكم بعزله، حيث قالت الرئاسة إنها ستلتزم بالحكم النهائى فى هذه القضية عندما يصدر، والمضحك المبكى فى الأمر أن الحكم الذى صدر بعزل النائب العام، هو الحكم النهائى وهو واجب النفاذ، أما ما تتحدث عنه الرئاسة، أى بعد أن تنظر محكمة النقض فى الحكم، وقتها يطلق على الحكم بأنه «بات»، ناهيك عن عدم اللياقة السياسية فى هذه الصياغة، فالدولة عندما تتحدث عن القضاء لا يجوز أن تتحدث عن حكم نهائى أو بات، فقط تعلن احترامها لأحكام القضاء ولاستقلاله، خاصة الرئاسة التى تنبنى شرعيتها فى الأساس على الشرعية القانونية التى يضبطها ويصنعها القضاء والقضاة.
ببساطة نجد أننا أمام مأزق قانونى عنيف يضرب فى أهم أعصاب نظام الحكم، ناهيك عن تعطيل عملية انتخابات مجلس النواب، إذا ما اعترضت الدستورية مجددا على القانونين، خاصة أنهما أيضا مثار اعتراض من جميع القوى السياسية، وبصراحة لا أعرف سر إصرار الحرية والعدالة على السماح باستخدام الشعارات الدينية فى العملية الانتخابية، حتى أن السيد رئيس المجلس رفض إعادة النقاش فيها من قبل أعضاء اللجنة العامة، والمضحك المبكى أيضا، أن أحزابا دينية بامتياز رفضت هذا التعديل، بل وحذرت من استخدام الشعارات الدينية، ليبدو المشهد فى المنتوج الأخير كبكرة خيط لا نعرف أولها من آخرها، هنا تحديدا لا أميل لتفسير المحامى الكبير بالضعف القانونى وبعدم الكفاءة التشريعية، فآخرون يرون بوضوح أن هناك من يريد أن يبقى الحال على ما هو عليه، ولا نفهم من بقاء الحال على ما هو عليه، إلا أن هناك من يرغب أن يظل الشورى ذو الأغلبية الإخوانية هو من يقوم بالتشريع، على أساس أن تشكيل النواب غير مضمون من وجهة نظر الجماعة والسيطرة على أغلبيته أصبحت بعيدة المنال، فليبقوا على المجلس المضمون من أجل ضمان بعض القوانين التى يرغبون فى إقرارها.
إن هذه اللعبة تبدو ظريفة وناجحة من وجهة نظر البعض، وربما يكون ذلك صحيحا لبعض الوقت، لكن الأكيد الذى نعلمه، أن اللعب بالقوانين والعبث بمفاهيمها، واستعمال صياغاتها فى تكتيكات سياسية، سيكون ضرره موجعا وبالغا، على أركان الدولة المصرية، وإذا لم يكن سوء النية حاضرا فعلا فى هذه المشاهد كما يرى البعض، فعلى من بيده الأمر اللجوء إلى كبار رجال القانون الذين يعرفون فعلا القانون ولا ينحازون إلا لسواه، لإصلاح ما أفسده من يعتقدوا فى أنفسهم أنهم خبراء فى القانون، وهم لا يستطيعون التفرقة بين ما هو «نهائى» وما هو «بات»، لأن بكرة الخيط حينما تتلعبك عادة ما تلتف حول رقاب من فعلوا بها ذلك، والتاريخ لا يعدم الأمثلة.