«ملف الأسمنت» حائر بين «حماية المستهلك» و«جهاز المنافسة»

دخلت مشكلة ارتفاع أسعار الأسمنت منحنى جديدا، بعد قيام جهاز حماية المستهلك بإحالة الملف الشائك إلى جهاز حماية المنافسة، متشككا فى وجود اتفاق بين الشركات على تخفيض الإنتاج وفرض أسعار بعينها على السوق.

فيما دخلت وزارة الصناعة والتجارة الخارجية على الخط من خلال إعلانها بحث فرض رسم صادر على صادرات الأسمنت، بعد أن رصدت زيادات غير مبررة فى أسعار الأسمنت المحلى الذى ارتفع من 420 إلى 700 جنيه للطن خلال الشهور القليلة الماضية، مشيرة إلى الزيادة فى أسعار الطاقة لا تمثل سوى 40 أو 50 جنيها من التكلفة، وكانت أسعار الأسمنت قد شهدت خلال الشهر الأخير وحده زيادة تراوحت بين 90 و120 جنيها للطن ليسجل أسمنت المصرية أعلى الأسعار بنحو 720 جنيها للطن للمستهلك، أما أقل الأسعار فكان لمصنع العريش التابع للقوات المسلحة والذى بلغ 496 جنيها فى الأسبوع الأخير من فبراير، وساهم تحريك سعر الطاقة المستخدمة بنحو 50% بنصيب فى هذه الزيادة.

وبينما يؤكد عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك أن الجهاز دعم طلبه الرسمى ببيانات ومستندات صادرة من مركز معلومات مجلس الوزراء تؤكد وجهة نظره، مشيرا إلى أن الأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت ارتفاعا فى الأسعار بنسبة 30% فى بعض المناطق، وذلك على الرغم من زيادة الإنتاج من 43.3 مليون طن عام 2010 إلى 48.3 مليون حاليا، تقول الدكتورة منى الجرف رئيس مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية إن الجهاز يدرس بالفعل هذا الملف بناء على عدة بلاغات سابقة، وقد قطع الجهاز شوطا كبيرا فى الدراسة إلا أن هناك متغيرات جديدة طرات على السوق قد تكون أحد أسباب الزيادة مثل الأسعار الجديدة للطاقة وزيادة ضريبة المبيعات، مشيرة إلى أن «حماية المنافسة» ينظر للقطاع الاقتصادى والسوق ككل وليس للمستهلك فقط، وقد خاطب الجهاز جميع أطراف القضية إلى جانب هيئة التنمية الصناعية للاطلاع على جميع مستجدات هذه الصناعة المهمة.

وبحسب «الجرف» فإن الجهاز سيضع طلب «حماية المستهلك» موضع الاعتبار أثناء فحص القضية إلا أنها لا تعتبر ذلك الطلب بلاغا منفصلا، مشيرة إلى أن البلاغ يستوجب شروطا وإجراءات معينة وبيانات ومستندات وأدلة، وهو ما لم يتوافر فى هذا الطلب الذى تم ضمه للبلاغات السابقة.

موقف المادة 10
وفى حين طالب عاطف يعقوب، جهاز حماية المنافسة بحث مدى إمكانية الاستفادة فى تطبيق المادة 10 من قانون حماية المنافسة على قضية الأسمنت، لتحديد سعر معين مراعاة للمصلحة العامة، قالت «منى الجرف» إن قانون حماية المنافسة نص فى المادة «10» على انه يجوز بقرار من مجلس الوزراء على سبيل الاستثناء تحديد سعر بيع منتج أساسى أو أكثر لفترة زمنية محددة، وذلك بعد أخذ رأى الجهاز، مشيرة إلى أن الغرض من هذا الاستثناء هو إتاحة الفرصة لمجلس الوزراء باعتباره إحدى الجهات الرئيسة المنوط بها تحديد السياسة العامة للدولة تحديد سعر بيع منتج تكون هناك حاجة ماسة إليه من جموع المستهلكين خلال فترة زمنية محددة، وأكدت الجرف أن مجلس الوزراء فقط هو الجهة الوحيدة التى من حقها مخاطبة الجهاز بشأن تطبيق المادة «10».

وترى الجرف أن الأصل فى تحديد الأسعار هو أعمال آليات السوق الحرة وتفاعلاته من عرض وطلب، وأن يكون دور الجهاز هو مراقبة تلك الآليات والتأكد من أنها لا تشوبها ممارسات احتكارية من جانب الشركات والأفراد العاملين بالسوق.

على أن يقتصر نطاق إعمال المادة «10» على تلك المنتجات التى يراها مجلس الوزراء، وفقا للظروف والاعتبارات السياسية والاقتصادية العليا للبلاد، منتجات أساسية بعد أخذ رأى الجهاز فى هذا الشأن، مشيرة إلى أن تدخل الدولة فى تحديد الأسعار يجب أن يظل مرهونا بحاجة المستهلكين الأساسية والفعلية، وفى إطار سياسة عامة للدولة دون إفراط يهدد المنافسة أو تفريط يهدد الأبعاد الاجتماعية.

مغالاة فى الأسعار

وفيما يرى أحمد الزينى رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية أن تكلفة زيادة الطاقة فى التكلفة النهائية للأسمنت تتراوح بين 30 و40 جنيها للطن، وهى ذات الزيادة التى قررها مصنع العريش التابع للقوات المسلحة، بينما الزيادات التى قررتها الشركات والتى تصل إلى 150 جنيها تمثل استغلالا للمستهلكين، قال مدحت اسطفانوس رئيس شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات ونائب الرئيس التنفيذى لمجموعة تيتان للأسمنت إنه من حق كل مصنع أن يحدد أسعاره فى إطار عوامل التكلفة وهيكل استثماراته والمستهدف منها ولا يمكن توحيد الأسعار، مؤكدا أن الشعبة لا شأن لها بهذا الأمر، وليس من دورها مناقشة موضوع الأسعار لكنها تبحث مشكلات الصناعة، وأهمها عدم توافر الطاقة البديلة للإنتاج وغياب المنظومة البيئية.

ورغم بيانات «حماية المستهلك» المنسوبة لمركز معلومات مجلس الوزراء بزيادة الإنتاج وتراجع الطلب على الأسمنت، يشير «اسطفانوس» إلى زيادة استهلاك الأسمنت بنسبة 4% خلال الفترة الأخيرة فى حين انخفض الإنتاج بنسبة 5% خلال الربع الأخير من 2012 نتيجة الانقطاعات المتكررة للغاز والمازوت والكهرباء فضلا على ارتفاع أسعار الطاقة المقيمة بالدولار بنسبة50% مقارنة بأسعار 2012 علاوة عن ارتفاع سعر العملة ذاته.

وفى محاولة لضبط السوق والتأكد من التزام شركات الأسمنت بالأسعار التى تحددها، وتبلغ بها وزارة التموين والتجارة الداخلية يبدأ جهاز حماية المستهلك خلال الأسبوع الحالى حملات مكثفة على السوق بالتنسيق مع الرقابة الداخلية، وذلك بحسب عاطف يعقوب رئيس الجهاز.