أكثر ما كان يزعج ويغيظ، خلال سنوات حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، هو الاحساس الدائم، ان مصر تتحول على يد نظامه، إلى دولة صغيرة لا قيمة ولا وزن لها، وهو الامر الذى انسحب بالتالى على المصريين، الا استثناءات قليلة هنا أو هناك، وهذا بالضبط عكس ما تميز به عهد الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات، أى كان حجم الاختلاف أو الاتفاق معهما، فقد كانت مصر دولة كبيرة فى عهد عبدالناصر تحرك العالم وتحرر بعضه، رغم الهزيمة العسكرية الكبيرة، وكانت دولة قادرة على تغيير موازين العالم فى عهد السادات رغم قسوة الانسلاخ العربى بالصلح مع إسرائيل، وبالرغم من ان مبارك قاد البلاد بعد محو الهزيمة، وعودة مصر إلى مجراها العربى، إلا أن البلاد تقزمت، وانخفض وزنها الدولى عاما بعد آخر، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه فى نهاية سنوات حكمه الثلاثين. أحيانا، كنت أتصور ان من بين أسباب اندلاع الثورة على مبارك ونظامه، ان الشعب يريد استعادة مكانه على الخارطة الدولية، والعودة إلى وزن مصر الثقيل فى كافة المحافل، وأيضا عودة المصرى لسابق مكانته بين شعوب العالم، بعدما اصبح المصرى «رخيص» لا اعتبار له، فهكذا صرخنا طويلا فى زمن الحزب الوطنى وقادته، مواقف لا تعد ولا تحصى، حتى مع دول صغيرة، كان يرتعد حكامها خوفا وهلعا لمجرد ذكر اسم مصر، ولا أنسى أبدا، معارك شخصية قدتها ضد كثيرين لرفضى الدائم بالسماح بالرقابة الدولية على الانتخابات فى مصر، بما فى ذلك انتخابات 2010، على اعتبار ان مصر دولة عظمى وليست من جمهوريات الموز، وبالمناسبة مازالت فكرة الرقابة الدولية تشعرنى بالمرارة والحزن لإيمانى بأن بلادى أكبر بكثير من أن يأتى من يشرف على سلوك وممارسات سياسية حضارية ويتأكد من ذلك، فى ذات اللحظة التى أقول فيها للعالم اننى الحضارة واننى الدولة الأولى.. واننى القوى العظيم فى قوة وعظمة النهر الذى يجرى فى بلادى.
وما يغضبنى الان، ان الثورة التى تخيلتها هبت فى وجه من قزم الدولة العظمى، لم تنجح فى خلق الاحساس باننا دولة عظمى، بل على العكس تماما، أشعر اننا، جميعا نعمل بجد واجتهاد لإثبات العكس، واننا لا نستحق أى مكانة على خارطة العالم القوى صاحب النفوذ، طبعا البداية عند من يحكم، الذى بات من الواضح، بأفعاله، انه لا يفهم انه يحكم دولة عظمى، وانه يسير فى عكس اتجاه ذلك، دون ان تهتز له شعرة فى رأس، أو يغفل له جفن، أعمال وأفعال صغيرة، من تحدٍ لكافة الشرعيات، إلى مقولات تهين هذا الوطن فعلا، افعال لا تتوقف بل تنمو وتتسلق إلى أعلى يوما بعد آخر، وكدنا نقترب من التحول لجمهورية موز حقا.
ما يحدث الآن، هو عدم الاحساس بمصر دولة كبرى، لا حكامها ولا معارضيهم، لا ساستها ولا إعلامها ولا حتى غالبية مواطنيها.. عبث بعلم البلاد.. عبث بالنشيد الوطنى، عبث بالعملة التى هى رمز من رموز الدول الكبرى، سب علنى للمحكمة الدستورية.. داخلها وأمام قضاتها، وتحت قبة برلمانها المؤقت.. اجتراء وإفتراء على قصور الرئاسة.. حتى الثورة لم تسلم، فقذفوها بالمولوتوف والحجارة، وهم يعتقدون ان الثورة تستمر هكذا.
من يريد ان يحكم هذه البلاد، عليه ان يعرف أولا أنها دولة عظمى، وأنه يحكم شعب كبير، وبلد حضارة حقيقية، وثقافة متميزة، وإنسانية مختلفة.. بصراحة مصر أكبر ممن يتصدرون واجهتها الآن.. لانى اعتقد ان هناك ثورة ضرورية ستهب فى لحظة ما لإعلان عودة مصر كدولة كبرى، فافعلوها بانفسكم، قبل ان يحدث فيكم ما حدث لسابقيكم، لان مصر فعلا دولة عظمى.