انتشرت فكرة الرهبنة القبطية فى أوروبا من خلال عدة طرق، منها الرحالة الأجانب الذين جاءوا إلى مصر وزاروا الأديرة المصرية، ثم أعجبوا بالفكرة ونقلوها إلى بلادهم، من بين هؤلاء نذكر روفينوس، بلاديوس، يوحنا كاسيان، جيروم.. إلخ. وأيضا من خلال كتاب «سيرة أنطونيوس» الذى كتبه القديس أثناسيوس الرسولى خلال نفيه الثانى إلى روما. لكن توجد وسائل أخرى منها سفر بعض الرهبان إلى إيرلندا لتعريف الشعب الايرلندى بالمسيحية وتأسيس دير هناك، وهم سبعة من رهبان الدير المحرق توجهوا إلى إيرلندا، ولقد حدث ذلك فى القرن الخامس الميلادى، ولقد ذكرت هذه الحقيقة التاريخية العديد من الكتب والمراجع العربية والأجنبية، منها مخطوط صلوات قديم محفوظ بالأكاديمية الايرلندية بمدينة دبلن عاصمة آيرلندا جاء فيه: «إنى أبتهل إلى سبعة الرهبان المصريين فى صحراء أولادى أن يكونوا فى عونى»، كما ورد فى كتاب صلوات قديم محفوظ فى الكنيسة الايرلندية «أذكر يارب عبيدك رهبان الدير المحرق الذين هدونا إلى الإيمان». وفى المكتبة الأهلية بباريس يوجد دليل للرهبان الأيرلنديين الذين كانوا يزورن مصر ولاسيما الرهبان والأديرة المصرية، وومنها أديرة وادى النطرون، ويذكر بعض المؤرخين أن أفواج الحجاج من أيرلندا كانت تتوافد على مصر حتى الربع الأول من القرن الرابع عشر. ويذكر المؤرخ الإنجليزى الشهير ستانلى لين بول (1854/1931) فى أحد كتبه هذه المعلومة المهمة «إننا لا نعلم بعد مبلغ ما ندين به نحن هنا فى الجزر البريطانية لأولئك النساك القدامى الآتين من مصر، فمن المحتمل جدا، بل أكثر من المحتمل، أن نكون مدينين لهم بكرازة الإنجيل لأول مرة فى إنجلترا، إذ أنه حتى زمن مجىء أوغسطينوس إلى إنجلترا، كان النظام السائد هو النظام المصرى، وهناك أيضا ما هو أعظم أهمية وهو أن المسيحية الإيرلندية وهى العامل العظيم فى تحضر الشعوب الشمالية فى أوائل العصور الوسطى كانت إبنة للكنيسة المصرية. إن سبعة من الرهبان المصريين مدفونون فى صحراء أولديت، كما أننا نجد فى احتفالات ايرلندا وأسلوبها المعمارى من أقدم العصور الشىء الكثير الذى يذكرنا بالآثار المسيحية الأكبر عمرا فى مصر، ويعرف الجميع أن المشغولات اليدوية الايرلندية تتميز بصورة فائقة على مثيلاتها مما قد يوجد فى أى مكان آخر بأوروبا، فإذا كانت قطع الحلى الرائعة من الذهب والفضة، وأنوار الزينة الملونة التى لا مثيل لها يمكن إرجاعها إلى تأثير المبشرين المصريين، فعلينا أن نشكر الأقباط على الكثير مما لم يكن يتخيله أحد». ويؤكد العالم الإنجليزى الشهير ألفريد بتلر (1850- 1936) هذه الحقيقة أيضا إذ يذكر فى كتابه الشهير كنائس مصر القبطية القديمة «أن مسيحيى أيرلندا تأثروا فى عمارة كنائسهم وأديرتهم بعمارة الكنائس القبطية القديمة، فبدلا من كنائس كبيرة متسعة، بنوا عددا من كنائس صغيرة متجاورة يحيط بها سور يضم مبانى رهبانية، ثم يلاحظ أيضا أن الإيرلندين استعاروا من الأقباط نوع القباب الذى يسقفون به صحن الكنيسة والهيكل وهو من طراز ليس له نظير فى بلاد الغرب المسيحى فيما عدا إيرلندا». ويقول أيضا ليدويش «إن تصميم الكنائس فى بلدة جلاستونبرى مقتبس من الكنائس المصرية».
كما يذكر العالم المصرى مرقس سميكة باشا (1864/1944) فى كتابه دليل المتحف القبطى الجزء الثانى، أنه شاهد فى مكتبة بودليان بأكسفورد كتابين مخطوطين أحدهما باللغة الإيرلندية والثانى باللغة القبطية معروضين للمقارنة جنبا إلى جنب، ويوجد بينهما شبه عظيم فى نوع الزخارف المستعملة فى تزيينهما».
كذلك أيضا عثر علماء الآثار فى ايرلندا على علب معدنية من البرونز أو الفضة المزينة بنقوش بارزة تحتوى على نسخ من الأناجيل، أو مخطوطات أخرى، مصنوعة على نفس طراز العلب القبطية المستخدمة فى مصر، وهى ترجع إلى أوائل القرن السادس الميلادى.
والحقيقية أننا لم نعرف أسماء هؤلاء الرهبان السبعة؟ وما هو الدافع الرئيسى وراء ذهابهم إلى إيرلندا؟ قد يكون الهدف هو الكرازة بالمسيحية، أو محاولة احتواء بدعة ما ظهرت فى تلك المنطقة، أم هروبا من الاضطهاد الذى حدث للأقباط بعد مجمع خلقدونية (هو المجمع الذى انعقد فى خلقدونية عام 451م، وترتب عليه انشقاق العالم المسيحى إلى كنيسة غربية وكنيسة شرقية، وكان سبب الخلاف الرئيسى هو طبيعة المسيح)، أم رغبة فى إنشاء تجمع رهبانى قبطى هناك. إيا أن كان الهدف ففى النهاية لقد خلد التاريخ عملهم هذا، وإن كانوا مجهولين بأسمائهم، فهم معلومين بإنجازهم المدعم بشهادات من الآثار والتاريخ.