أقام المركز الثقافي القبطي الذي يرأسه نيافة الحبر الجليل الأنبا أرميا محاضرة ثقافية بعنوان تاريخ الرهبنة في أديرة وادي النطرون الثلاثة "البراموس - السريان - أبو مقار" وقام بإلقاء المحاضرة البروفيسير الدكتور كارل اينميه أستاذ الآثار المسيحية بجامعة ليدن بهولندا. وفي بداية المحاضرة أشار المحاضر إلي معني كلمة راهب باللغة اليونانية وهي موناخوس Monaxoc ومنها جاءت كلمة Monk باللغة الانجليزية. فالمعني الحرفي الدقيق للكلمة هو المتوحد وهي آتية من مصطلح Mono باللغة اليونانية ومعناها واحد ؛فالأصل في الرهبنة هو الوحدة والعزلة عن العالم. ولهذا السبب رفض الرهبان الأوائل جميع الدرجات الكهنوتية ؛نقرأ ذلك في سيرة القديس الانبا انطونيوس والانبا باخومويس والانبا مكاريوس ؛ومن قبل الرسامة من الرهبان الأوائل قبلها بدون إرادته لأنهم كانوا يعتبرون أن حياة العزلة عن العالم هي جوهر الرهبنة. وفي فترات لاحقة تمت رسامة بعض الآباء الرهبان كهنة من أجل إقامة صلوات القداس الإلهي داخل الدير "ومن بين هؤلاء نذكر القديس الانبا ايسذوروس والملقب بأب القلالي، ويوجد جسده حاليا محفوظا في أنبوبة داخل دير البراموس". وسوف نبدأ المحاضرة بعرض تاريخ دير البراموس، فمعني كلمة البراموس هو "الخاص بالروم" وأساس التسمية ترجع إلي رهبنة القديسين الروميين مكسيموس ودمادويوس، ولدي الملك فالنتينوس في تلك المنطقة. وفي بداية القرن السادس نري تطورا للحياة الرهبانية في دير البراموس ؛فلقد تعرضت الكنيسة إلي هجمات شرسة من جانب الهراطقة ضد الإيمان المسيحي، فقام رهبان الأديرة بالتصدي لهذه الهجمات ؛وكان مركز الدفاع هو دير البراموس نفسه. ولقد تم العثور علي العديد من الآثار القبطية الخاصة بقلالي النساك الرهبان منتشرة في المنطقة المحيطة بالدير. ولقد تم بناء أول كنيسة بالدير في أواخر القرن الرابع الميلادي تقريبا، ولقد أثبتت الحفريات التي تمت بالمنطقة انه كان يوجد تحتها كنائس أخري أقدم منها ؛ كذلك تم اكتشاف العديد من الآثار التي ترجع للعصر الفرعوني ؛ فلقد اكتشفنا بقايا آثار معبد فرعوني موجود تحت الكنيسة الأثرية ؛ كذلك تم اكتشاف بقايا نقوش أثرية منقوش عليه اسم "الملك أمنمحات " وعندما نزح القديس أبو مقار الكبير إلي هذه المنطقة لم يكن هذا المعبد مستخدما ؛فتمت الاستعانة ببعض أحجار المعبد في بناء الكنيسة، كذلك عثر علي بقايا من الطوب اللبن ترجع للعصر الروماني استخدمها الرهبان أيضا في بناء الكنيسة. وفي هذه الفترة أيضا بدأ هجوم البربر علي الأديرة ؛لذلك قام الرهبان ببناء الحصون الدفاعية لتأمين حياتهم ضد غزوات البربر، كذلك تضاعف عدد زوار المنطقة جدا نتيجة انتشار سيرة القديس الانبا انطونيوس ؛فزار المنطقة العديد من الرحالة الأجانب مثل "بلاديوس" و"روفينوس" و"يوحنا كاسيان" كذلك نقرأ عن السائحة الإسبانية "إيجيريا " انها زارت المنطقة وتعرفت علي الآباء الرهبان هناك ؛كذلك زار الأديرة العديد من العلمانيين للتبرك بالرهبان وطلب النصح والإرشاد منهم "ما يعرف في المصطلح الرهباني بكلمة منفعة " كذلك عثرنا علي العديد من القطع الفخارية وقد جاءت من قبرص والصين وجنوب أفريقيا مما يؤكد انتشار اسم وبركة المنطقة علي مستوي العالم كله. كما عثر علي العديد من الأديرة التي ترجع لجنسيات مختلفة مثل أديرة "الأرمن" و"الأحباش" و"السريان" ومنها دير القديس إلياس الذي ذكر المقريزي انه تم تدميره في عهده. ننتقل بعد ذلك إلي دير السريان، والذي يرجع بناؤه إلي القرن الثامن الميلادي ؛ونستطيع ان نري علي جدرانه العديد من النقوش الأثرية المكتوبة باللغة السريانية ؛والتأثير السرياني واضح جدا في هذا الدير ؛حيث نري رسما جداريا علي أحد حوائط الدير للقديس يعقوب واضع القداس السرياني ؛كذلك نري لوحة جدارية للملك أبجر ملك الرها (قصة الملك أبجر كما يرويها يوسابيوس القيصري انه كان يوجد ملك لبلاد ما بين النهرين يدعي "ابجر" وهو حكم في الفترة ما بين "13- 50 م" قد سمع بمعجزات الشفاء التي يجريها السيد المسيح ؛ وكان قد أصيب بمرض عضال فأرسل رسولا إلي السيد المسيح في أورشليم طلب منه الحضور إلي بلاده ليشفيه من مرضه، فرد عليه المسيح أنه سوف يبعث برسول اليه ليشفيه من مرضه في الوقت المناسب، كذلك وعده بالخلاص له ولكل أهل بيته بسبب إيمانه، وبالفعل وبعد صعود السيد المسيح إلي السماء ذهب القديس توما الرسول إلي هذه البلاد ؛وتقابل مع ملكها وتم له الشفاء كما وعده السيد المسيح.... راجع القصة بالتفصيل في كتاب "تاريخ الكنيسة " ليوسابيوس القيصري (ترجمة القمص مرقص داود الصفحات من "54 - 59") والكنيسة السريانية تجل هذا الملك جدا حيث إنها تعتقد أنه سرياني الجنس. ولقد ذكر هذا الدير المقريزي والعديد من الرحالة والمؤرخين. أما عن دير «أبو مقار»، فيروي التاريخ أن القديس «أبو مقار» عندما تضاعف عدد الرهبان في المنطقة المحيطة بدير البراموس، هرب القديس من الزحام والضوضاء وذهب إلي المنطقة التي يوجد بها دير «أبو مقار» حاليا ؛وهذه المنطقة تحتوي علي العديد من الكنوز الآثرية حيث نري العديد من المنشوبيات (كلمة منشوبية كلمة قبطية معناها مكان العيش أو السكن ؛وهي مكونة من مقطعين: المقطع الأول هو "ما" بمعني مكان ؛والمقطع الثاني "شوبي" بمعني يكون وهو فعل الكينونة باللغة القطية وهو ما يعادل فعل To Be باللغة الانجليزية، أما النون التي بينهما فهي ضمير الإضافة) والتطور العمراني للدير يتشابه إلي حد كبير مع التطور العمراني لدير البراموس حيث توجد عدة قلالي للرهبان علي بعد 2 كم من الدير الأثري، ولقد أجري علماء الحملة الفرنسية العديد من الحفائر علي المنطقة الأثرية المحيطة بالدير، كما كتبت عنه ايفلين هوايت في مرجعها الضخم عن أديرة وادي النطرون، ولقد قمنا بعمل خريطة استطلاع للمنطقة من خلال شبكة الإنترنت فتم العثور علي أكثر من 16 اثرا قبطيا لقلالي رهبان كثيرين. واعتبارا من القرن السادس الميلادي اعتلي الكرسي المرقسي أحد رهبان دير «أبو مقار»، كما تهدمت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية فأصبح دير «أبو مقار» هو الوريث الشرعي للمدرسة اللاهوتية. والجدير بالذكر أن منطقة أديرة وادي النطرون هي إحدي المحطات المهمة في رحلة العائلة المقدسة إلي أرض مصر ؛حيث يروي التقليد الكنسي أن السيد المسيح عندما كان طفلا وأثناء هروبه إلي أرض مصر أنه مر علي هذه المنطقة وأشار بيده الطاهرة إليها وقال لوالدته العذراء الطاهرة القديسة مريم (أعلمي يا أمي أن هذه االمنطقة سوف تصبح أرضا مقدسة وسوف تمتلئ بالرهبان القديسين الذين يسبحون اسم الرب علي مدي الأزمان والأجيال ). وبعد انتهاء المحاضرة توالت الأسئلة علي المحاضر وكان أول سؤال من الدكتور كمال فريد اسحق حيث قال: ذكرتكم أنه كانت توجد جاليات أجنبية تعيش في وادي النطرون ؛فهل كانت الحكومات المتعاقبة تسمح بإقامة هذه الجاليات ؟ وكان رد البروفيسير د. كارل أن التاريخ يذكر استشهاد القديس موسي الأسود "وهو حبشي الجنس " كذلك يذكر زيارة بلاديوس وروفينوس للمنطقة وكل هذه الزيارات تمت في العصر المسيحي، اما عن مجيء السريان فلقد تم في القرن الثامن والتاسع تحت الحكم العربي الاسلامي وكانت توجد أنشطة تجارية كثيرة بين العرب والسريان في تلك الفترة. سؤال آخر من المهندس سامي متري مدير جمعية المحافظة علي التراث المصري حيث قال: ذكرتم سيادتكم أن دير «أبو مقار» أصبح الوريث الشرعي لمدرسة الاسكندرية ؛كذلك ذكرتم أن دير «أبو مقار» هو أكثر دير تخرج فيه عدد من الآباء البطاركة فهل تري علاقة بين الاثنين ؟ وكان الرد انه سؤال مهم لأنه كما نعلم أنه يوجد حوالي 30% تقريبا من الآباء البطاركة كانوا اصلا رهبانا من دير «أبو مقار» ؛غير انني لا أستطيع أن أجزم بوجود علاقة بين الحدثين من عدمه. ثم جاء سؤال آخر من أحد الحضور: لماذا ذكرتم الأديرة الثلاثة (البراموس- السريان- أبو مقار) ولم تذكر دير الأنبا بيشوي؟ فكان الرد أني لم أذكر دير الانبا بيشوي لأنه لم تتح لي الفرصة للبحث فيه، فأنا منذ حوالي 15 عاما أعمل مع البعثة الهولندية في الأديرة الثلاثة، وأعتقد أنه ما زال أمامنا العديد من الجهود. سؤال آخر من أحد الحضور: هل عثرتم علي بقايا عظام أو رفات رهبان؟ فكان الرد أننا عثرنا علي مقبرة كاملة تحتوي علي حوالي 32 من بقايا عظام لرهبان، وأثناء عمليات الحفر في دير السوريان عثرنا علي عظام بعض الرهبان الأثيوبيين، كذلك عثرنا في دير «أبو مقار» علي مقبرة كبيرة تحوي رفات العديد من الآباء الرهبان. سؤال أخير حول وجود دير للأرمن؟ فأجاب المحاضر أن المراجع التاريخية ذكرت وجود هذا الدير في المنطقة التي ترهبن فيها القديس يوحنا القصير، وليست لدي معلومات أكثر من هذا عن هذا الأثر.