بعد بضع سنوات من تأسيس شركة جوجل، تبنت الشركة قائمة من المبادئ الإرشادية، بعنوان «عشرة أشياء نعلم أنها صحيحة». كان المبدأ الرابع «الديمقراطية تحقق نجاحا على الموقع». وهو أمر ذو قيمة على الرغم من أنه مفاجئ على نحو ما، كونه يصدر عن إمبراطور المواقع.
ونظرا لذلك، فقد أصبح ما صار إليه جوجل أمرا مثيرا للنقاش. حيث يستخدم 80 فى المائة من جميع الباحثين على الإنترنت فى الولاياتالمتحدة، محركها للبحث؛ ونحو 98 فى المائة من الباحثين عبر أجهزة الهواتف المحمولة. وبهذا الدور لم يعد جوجل فعلا لازما فحسب، ولكن ربما كان أهم أداة للحصول على المعلومات فى الدولة وعلى كوكبنا بالتأكيد. فلا يقاربه أى من محركات البحث الأخرى.
•••
وتشير الأنباء إلى أن اللجنة الفيدرالية للتجارة، سوف ترجئ أى قرار بشأن ما إذا كانت ستقيم دعوى مكافحة الاحتكار ضد جوجل، ربما حتى العام المقبل. وكان من المتوقع أن يصدر هذا القرار هذا الأسبوع.
وقد أمضت اللجنة نحو عامين فى التحقيق فيما إذا كان محرك بحث جوجل، يفضل المصالح التجارية للشركة على العروض التى يقدمها منافسيها، ومن ثم يخنق المنافسة. وحتى الآن، يعتقد بعض المحللين أن اللجنة قد تحجم عن اتخاذ أى تحرك قانونى ضد الشركة، فى مقابل استعداد جوجل لإجراء بعض التغيرات المتواضعة فى الطريقة التى تستغل بها معلومات معينة عن المستهلكين.
ومن شأن ذلك أن يمثل تراجعا حادا بالنسبة لمستخدمى الإنترنت. فسوف يتيح لجوجل الاستمرار فى الاستحواذ على سيطرة غير محدودة على جمع البيانات، بما يسفر عن عواقب خطيرة على خصوصية خيارات المستهلك. (تجرى الجهات الأوروبية المنظمة تحقيقها الخاص بشأن جوجل فيما يخص مكافحة الاحتكار).
•••
وظل موقع جوجل متواضعا بشأن هيمنته فى مجتمع المعلومات الحديث، مؤكدا أن من يريدون استخدام محركات البحث المنافسة، مثل ياهو، أو بينج التابع لشركة مايكروسوفت، ليسوا بحاجة سوى ضغطة زر للتحول إليها. وأوضحت الشركة أن الإنترنت مجال شديد التعقيد؛ يحوى منافسين أقوياء. ويجعل موقع فيس بوك من المجال الإعلامى الاجتماعى لجوجل، أمرا مثيرا للضحك.حيث يبدأ الكثير من المتسوقين بحثهم عن المنتجات على الإنترنت عبر موقعى أمازون وجوجل. وباختصار، تقول شركة جوجل إن هناك ما يكفى من المنافسة، فلا ينبغى للمستهلكين التخوف من دور الشركة القوى فى اقتصاد المعلومات.
لكن، علينا أن نتأمل دور جوجل فى السوق وسلوكه من نواح مختلفة. فلا تمثل جوجل مجرد «شركة محرك بحث»، أو «شركة لخدمات الإنترنت»، أو ناشرا، أو منبرا إعلانيا. وإنما هى فى جوهرها شركة جمع بيانات. فسوقها هو البيانات، المقدمة بواسطة، أو من أو عن المستهلكين. وفى هذا المجال، يعتبر دورها مهيمنا للغاية، لدرجة أنه طاغ، ومخيف. حيث تقوم البيانات بدور محرك الأسواق على الإنترنت، ولا شك أنها أصبحت فئة جديدة من فئات الأصول.
وفى مارس، عندما أحلت جوجل سياسة واحدة، محل أكثر من 60 مبدأ للخصوصية تحكم منتجاتها وخدماتها، انتقلت أيضا إلى تعزيز البيانات الشخصية التى تجمعها.وقد جمعت الشركة خلال يومين بيانات توازى ما أنتجه العالم منذ فجر التاريخ حتى عام 2003 وفقا لتصريح، رئيس مجلس إدارة الشركة، إريك شميت، عام 2010، وقد أعلن لاحقا إنه «لم يكن يعتقد أن المجتمع سيتفهم ما حدث عندما يجد كل شئ متاحا، وقابلا للمعرفة، ويسجله الجميع طول الوقت».
وحاليا، تستخدم جوجل البيانات لبيع إعلانات مستهدفة، لكن من الذى يقول إن استخدام الشركة للبيانات سوف يقتصر على ذلك الغرض؟ فهل تريد الخروج من مجموعة بيانات جوجل؟ يمكنك ذلك بالتأكيد، لكن سيكون عليك أيضا حذف حسابك من على جى ميل، وتغادر نظام جوجل المتنوع. ومع نظام تشغيل جوجل أندرويد الذى يتم تفعيله على 1.3 جهاز موبايل يوميا، ويستخدمه عدد من الناس يزيد عن مستخدمى نظام أى فون التابع لشركة أبل، يتنامى ذلك النظام المتنوع.
•••
وقد كنت قلقة بشأن دور جوجل المهيمن فى مجال جمع البيانات وما يثيره ذلك من مخاوف عميقة منذ كنت أعمل فى اللجنة الفيدرالية للتجارة، عندما وافقت اللجنة على استحواذ شركة جوجل على شركة دابل كليك، واعترضت على ذلك لأننى كنت أخشى من أن جمع الشركتين مجموعة هائلة من معلومات المستهلكين من شأنه أن يتيح لجوجل، التى لا تواجه منافسة، عمل ملفات شخصية توسعية عن عادات الإنترنت لدى الأفراد.
والآن، لدى اللجنة الفيدرالية للتجارة فرصة أخرى لحماية المستهلكين، وتشجيع الابتكار، وضمان منافسة عادلة على الإنترنت. وعليها عند اتخاذ قرارها، أن تأخذ فى اعتبارها أن جوجل، بينما تعتبر القائد الأعظم فى مجال البحث والإعلان على الإنترنت، فإن هيمنتها الأكثر إثارة للإزعاج، تتركز فى سوق البيانات الشخصية للمستهلكين. فإذا امكن استعادة منافسة حقيقية فى هذا المجال، سأكون واثقة من أن قوى السوق ستقدم الحوافز الضرورية للشركات من أجل تقديم خدمات جذابة، وإعلانات مناسبة جذابة من دون انتهاك خصوصية المستهلك.
أنا لم أعد أعمل فى اللجنة الفيدرالية للتجارة، لكننى محامية أمثل شركات من بينها مايكروسوفت تشعر بالقلق إزاء قوة جوجل كشركة لجمع البيانات. وهناك بعض المفارقة فى ذلك فمنذ وقت ليس ببعيد واجهت مايكروسوفت دعوى بشأن مكافحة الاحتكار، وكان عليها أن تغير ممارساتها غير التنافسية.
لكن الإمبراطور يظل إمبراطورا. وعندما يتعلق الأمر بالإنترنت، فإن الديمقراطية أفضل سبيل، مثلما قال مؤسسو جوجل الحكماء.