ظلت مصر منذ بداية الصراع العربى الإسرائيلى لاعبا إقليميا رئيسيا، غالبا ما يتبعها العرب «حربا وسلما»، قربا أو بعدا عن القضية الفلسطينية، لكن الجديد أن من أنجز الجولة الجديدة لتكريسها قائدة للمنطقة، هو رئيس إسلامى. فطيلة ثمانية أيام هى عمر العدوان الإسرائيلى الأخير على قطاع غزة، اعتبرت الصحافة العالمية أن الحرب هى اختبار للرئيس محمد مرسى وقيادته الجديدة للبلاد، فهل يتعاطف مع فرع الإخوان بغزة (حماس) ليقع من «حبل السياسة المشدود»، متورطا فى نزاع لا يعلم أحد مداه، أم سينظر أولا لمصالح مصر الاستراتيجية (الاقتصادية خاصة)، ويضغط على حلفائه الفلسطينيين ليخرج بتهدئة.
فاختار الرئيس مرسى مصالح مصر، رغم وضوحه فى التعاطف غير المسبوق مع غزة، حيث استدعى سفيره من تل أبيب، ووجه مندوبه فى الأممالمتحدة لطلب اجتماع عاجل لمجلس الأمن لإدانة العدوان، وبعث رئيس حكومته إلى القطاع معلنا تضامنه مع حماس.
وبينما اعتبرت وكالة «أسوشيتدبرس» الأمريكية أن مرسى تحول إلى «حامٍ لإسرائيل»، رغم ملاحظة كاتب صحيفة جارديان البريطانية، أيان بلاك، أن مصر لم تتعهد فى التهدئة بمنع وصول السلاح لغزة.
واعتبر بلاك أن مرسى «هو الرابح الأكبر» من التهدئة؛ لأنه «جمع بمهارة بين تعاطفه مع حماس، ومصلحة مصر الاستراتيجية»، مما سيعطى القاهرة دفعة جديدة كلاعب إقليمى. وهو ما أكدته «واشنطن بوست» بقولها إن مرسى «خرج من هذه الأزمة لاعبا إقليميا فى صراعات الشرق الأوسط المعقدة، وعزز مكانته زعيما عربيا، وطمأن الغرب من مواقفه المبدئية فى الصراع الإقليمى، وفى نفس الوقت لم يفقد حلفاءه الإسلاميين فى غزة».
أما «فاينانشيال تايمز» البريطانية فرأت أن حماس تنفست الصعداء مع صعود الإسلاميين فى مصر بعد الثورة، حيث خاصمت حلفاءها السابقين الشيعة فى إيران والبعثيين (العلمانيين) فى سوريا، لتعود للحلف السنى المصرى بالأساس، وكأن الربيع العربى أخذ من دمشق، ليزيد من رصيد القاهرة لدى حركات المقاومة الإسلامية.
«ليس هذا ما نجح فيه مرسى فقط، بل حول جماعته (الإخوان المسلمين) من «تنظيم يثير ريبة الغرب إلى صانع سلام»، بحسب مجلة «تايم» الأمريكية، التى اعتبرت هذا «تحولا عميقا فى نظرة الجماعة لقضايا ظلت لعقود موضع تحريم فى النقاش الداخلى، وكأنها تحولت من جماعة معارضة إلى حزب سياسى يتعامل مع مشكلات دولة إقليمية كبيرة لها دور تاريخى».
فى المقابل، أغفل اتفاق التهدئة قضية «التحكم فى السلاح المار إلى حماس»، التى تقول المجلة إن إسرائيل كانت تريد مصر أن تضمنه، لكن القاهرة لم تفعل. ما أرجعته «تايم» إلى اتفاق مصرى أمريكى مفاده أن تضغط واشنطن لوقف الحرب مبدئيا على أن تتولى القاهرة لاحقا التفاهمات على القضايا العالقة، وهو ما يشكل اختبارا جديدا للرئيس مرسى