يتابع العالم ما يجرى في المنطقة بعين على تطورات الأحداث في غزة، وعين أخرى على أداء الرئيس محمد مرسي في إدارة أول ازمة خارجية يواجهها. فالجميع يريد أن يعرف الفارق بين الرئيس مرسي خطيبا، ورئيسا وصانع قرار. ويرصد التقرير التالي تقييم عدد من المحللين المصريين والأجانب لأداء الرئيس دبلوماسيا في أزمة غزة. محليا هناك شبه إجماع من الدبلوماسيين الذين استطلعنا آرائهم على أن إدارة مرسي للأزمة "ناجحة" حتى الآن. وقال السفير محمود زين، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن إدارة مصر للازمة ناجحة وسريعة و حاسمة، وكان الهدف واضح وهو الوصول للتهدئة بين حماس وإسرائيل ووقف التصعيد المستمر على كافة الجبهات، وعدم تعريض اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل للخطر. وأضاف زين "إسرائيل ليست قادرة على الدخول في معارك جديدة، خاصة مع مصر التي تدعم القضية الفلسطينية وتدعم حركة حماس بشكل مباشر، بعد تولي الإخوان المسلمون الحكم في مصر. وأوضح في تصريحات ل"الوطن"، "إن زيارة كلينتون ستكون بمثابة اختبار حقيقي لها، ربما يثبتها في منصبها الحالي، دون حاجة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتغيرها أو الاستعانة ببديل لها مع بداية فترتها الثانية"، واعتبر أن زيارتها تمثل تحولا في إدارة أوباما التى ترغب الآن في لعب دور أكثر فاعلية في شؤون المنطقة. واستدرك زين "لكن إذا استمرت الضربات الإسرائيلية على غزة لفترة أطول، فسيواجه مرسي ضغوط متزايدة من الجماهير، خاصة الإسلاميين والقوى الثورية الاخرى لمراجعة "أو إلغاء" معاهدة السلام مع إسرائيل وفتح معبر رفح بشكل دائم تخفيف معاناة سكان قطاع غزة." وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير عادل العدوي، إن تصريحات الرئيس محمد مرسي أثبتت تعامل مصر مع العدوان على غزة، بطرق دبلوماسية ناجحة وسريعة أيضا، أدت إلى تدخل الإدارة الأمريكية بشكل مباشر، وأرسلت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، لمصر، والتي تعد خطوة أمريكية واضحة لاحتواء الموقف الحالي، لأن حماية إسرائيل أحد أهداف السياسة الخارجية الأمريكية حاليا. وأضاف العدوي أن زيارة كلينتون لبحث التهدئة إشارة من الولاياتالمتحدة إلى أنه ينبغي أن تبدأ إسرائيل في التراجع عن حملتها ضد النشطاء الفلسطينيين في قطاع غزة، فمع وجود كلينتون على أرض الواقع، سيكون من الصعب على نتنياهو تنفيذ تهديده بغزو القطاع. وأكد العدوي أن أمريكا تريد تشجيع مصر على مواصلة الجهود الخاصة بالتهدئة، وتعلم أن مصر تقوم بدور كبير جدا سواء من الفلسطينيين والإسرائيليين، و"مصر نجحت في التوصل إلى وقف لا طلاق النار أو تهدئة مؤقتة للتوترات". وأشار العدوي إلى أن تصريحات الرئيس مرسي أظهرت استقلاله عن الولاياتالمتحدة "إلا أنه لا يستطيع الاختلاف معها على أهمية الحفاظ على العلاقات بين مصر وإسرائيل، والتي ساعدت على منع نشوب حرب بين القاهرة وتل أبيب". وعلى الصعيد العالمي، أثنى معظم المحللين الغربيين على أداء مرسي الدبلوماسي في أزمة غزة التي وصفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنها أول اختبار حقيقي لقدرة الرئيس وجماعته للعب - ما تعتبره الولاياتالمتحدة - دورا مسؤولا في دعم الاستقرار والأمن الإقليميين وذلك بممارسة الضغط على حماس لوقف إطلاق النار، وفي نفس الوقت الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل والتحكم في الرأي العام الداخلي الثائر. وهى مهمة صعبة على الرئيس الجديد. لكن لولايات المتحدة - التي ليس أمامها من يلعب دور الوسيط سوى مصر بشكل رئيسي - لا تعرف إلى أي حد يمكن للغرب ان يثق في الرئيس الإسلامي مرسى ويعول عليه رغم عدائه لإسرائيل و تشككه في الغرب. صحيفة "يو إس تو داي" قالت إن مرسي الذي يرفض التحدث إلى إسرائيل ولا يطيق نطق اسمها، أصبح - بعد نجاح جهود الوساطة - "حامي حمى إسرائيل". وأضافت الصحيفة الأمريكية أن الرئيس مرسي أصبح الآن اللاعب الرئيس في منطقة الشرق الأوسط، "ونجح في كسب ثقة الولاياتالمتحدة وإسرائيل التي كانت قلقة من تولي رئيس إخواني حكم مصر." صحيفة لوس أنجلوس تايمز رأت أن مرسي يسير بنجاح حتى الآن على حبل رفيع في أزمة غزة، فقد هب للدفاع عن حقوق الفلسطينيين لكنه لم يُعرض اتفاقية السلام مع إسرائيل للخطر. وأضافت الصحيفة الأمريكية أن الجميع كان يختبر مرسي، فكل صاروخ كانت تطلقه حماس على إسرائيل كان اختبارا لمدى ولائه للحركة التي تعد فرعا لجماعة الإخوان في فلسطين. ونتنياهو من جانبه كان يختبر حدود احتمال مرسي مع كل غارة على غزة ليرى متى يفيض الكيل بالرئيس الجديد ويرد عليه بما هو أبعد من البيانات العامة والتحركات الدبلوماسية المحدودة. وأشارت الصحيفة لضغوط إضافية على مرسي أثناء الأزمة - أهمها موقف القوات المسلحة المصرية التي قد تتدخل إذا رأت أن الرئيس وصقور الإخوان يعرضون اتفاقية السلام للخطر من أجل حماس. ورأى مراسلاها جيفري فليشمان وريم عبد اللطيف أن أداء مرسي خلال الأزمة كان مختلفا بشكل ملحوظ عن سلفه حسني مبارك، الذي كان يرتاب في حماس وكثير ما انتقد لتعاطفه مع المصالح الإسرائيليون وساعدهم في عملية "الرصاص المصبوب" في 2008 على الانفراد بحماس بإغلاق معبر رفح. وتختتم الصحيفة تحليلها بأن مرسي دافع بحزم عن مصالح الفلسطينيين في قطاع غزة لكنه لم يعرض معاهدة السلام مع إسرائيل، وهي مهمة حساسة لرجل جديد في عالم السياسة الدولية. ورغم تأخير وقف أطلاق النار الذي توقعه مرسي وتوسط من أجله فإن المصريين يشعرون أنهم أعادة رسم دورهم كلاعب بارز في عملية السلام. في صحيفة نيويورك تايمز اعتبر كاتبها البارز ديفيد كيركباتريك - الذي وصف مرسي بأنه البطاقة الرابحة في المنطقة بعد أحداث غزة - أن مصر مثل الولاياتالمتحدة - لن تكون أبد وسيطا نزيها، فمصر منحازة للفلسطينيين وتحديدا لحماس والولاياتالمتحدة على طول الخط مع إسرائيل ولا تعترف ألا بأبو مازن. وبينما تسعى الدبلوماسية المصرية للعب دور الوسيط الأمين اشتبكت حكومتها مع إسرائيل في معركة لكسب الرأي العام العالمي للتعاطف مع الفلسطينيين وهو ميدان يتفوق فيه الإسرائيليون على كل العرب. ووافق كيركباتريك الرأي ديفيد كليرك استس، المحلل السياسي بموقع "أتلنتيك واير" الأمريكي، الذي اتهم الدبلوماسية المصرية بالافتقار للخبرة والحاجة لفريق علاقات عامة. وأضاف "إذا أرادت الدبلوماسية المصرية حل النزاع فعليها بالاستعانة بفريق علاقات عامة أفضل" وتعجب "استس" من إصرار المسؤولين المصريين على لعب دور الوسيط وفي نفس الوقت المدافع عن حقوق حماس وهو التناقض الذي حمله عنوان لصحيفة نيويورك تايمز "مصر تحاول التوسط وتلقى باللوم على إسرائيل".