الحرب المشتعلة فى قطاع غزة، وأعداد شهدائها التى تتصاعد يوماً بعد يوم، طغت على صفحات الجرائد الأجنبية، حيث أفردت بعضها لتحليل أبعادها الاستراتيجية على السياسة الإسرائيلية والأمريكية، واعتبرت مجلة تايم الرصينة أن العدوان الإسرائيلى على غزة سيتسبب فى إرباك الأجندة الاستراتيجية للرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما الذى سيتولى مهام منصبه فى يناير الجارى، فيما تناولت صحيفة واشنطن بوست تأثيره على رئيس الوزراء الإسرائيلى أولمرت قبل أسابيع من مغادرته منصبه، أما صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية فأكدت أن الغارات العسكرية لن تحقق مكاسب لتل أبيب. «الثمن» الاستراتيجى للعدوان الإسرائيلى على غزة كتب: أيمن حسونة الحرب الساخنة المشتعلة فى قطاع غزة، الآن، لم تجر وفق ما خططت له إسرائيل لإظهار الأجندة الاستراتيجية للرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما الذى سيتولى مهام منصبه فى يناير الجارى. فقادة إسرائيل كانوا يأملون فى أن يبقى الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى بعيدا عن شغل تلك الإدارة الأمريكيةالجديدة التى تأمل إسرائيل أن يكون البرنامج النووى الإيرانى على سلم أولوياتها الاستراتيجية فى الشرق الأوسط. فقد تحولت عطلة نهاية الأسبوع إلى حمام دم فى قطاع غزة فى يوم هو أكثر دموية منذ احتلال إسرائيل تلك الأراضى فى عام 1967، ليبقى النزاع الإسرائيلى - الفلسطينى أزمة عاجلة ملحة تتطلب ردا من واشنطن وإدارة أوباما بدلا من مساعدتها على التركيز على الملف الإيرانى. كما أن الحملة العسكرية الإسرائيلية تسلط الضوء على فشل إدارة بوش وسياسات إسرائيل فيما يتعلق بوضع حماس فى غزة. والضربات الجوية التى بدأتها إسرائيل على قطاع غزة، السبت الماضى، وأسقطت مئات القتلى والجرحى- تعتبر تصعيدا دراميا فى قواعد اللعبة بين إسرائيل وحماس. فمنذ 7 أسابيع، كان كل من الجانبين يحسب احتمالات المطروحة للآخر ويزايد عليه بشأن التهدئة. ولكن رغم أن حماس والسكان المدنيين دفعا ثمنا باهظا فى الخسائر البشرية فإن الحركة تحتفظ مع ذلك بميزة استراتيجية. ورغم ذلك استخفت حماس، التى تحكم قطاع غزة، باستعدادات إسرائيل لشن حملة عسكرية ردا على الصواريخ الفلسطينية التى تسقط على بلدان ومدن جنوب إسرائيل. هذا بجانب موسم الانتخابات الإسرائيلية التى أظهرت استطلاعات الرأى أن الناخبين يتحركون بهذه السرعة باتجاه اليمين، وحتى الصقور، وعلى رأسهم زعيم ليكود بنيامين نتنياهو. ومع ذلك فإن عوامل ضبط النفس فى إسرائيل بشأن الهجوم على قطاع غزة لا تزال قائمة حيث إن احتمالات تصعيد المواجهة فى الأسابيع المقبلة ستسبب ردة فعل سلبية إقليمياً قد تشكل نكسة دبلوماسية لإسرائيل. والحملة العسكرية الإسرائيلية تأتى رغم علم تل أبيب بأن حماس سترد عليها بوابل من الصواريخ المحلية الصنع، وربما تستخدم بعضا من الصواريخ ذات مدى أطول من الأسلحة التى تم تهريبها لقطاع غزة، العام الماضى، لضرب مدن فى عمق إسرائيل مثل أشدود وعسقلان. كما تعلم أيضا أن حماس ربما تنشط أيضا خلاياها الانتحارية فى القدسالشرقية أو الضفة الغربية. وفى مقابل هذه التحركات المتوقعة من قبل حماس استعدت إسرائيل لأول مرة بنشر المزيد من الغطاء الجوى لحماية مدنها حتى 25 ميلا (40 كم) من الحدود مع غزة. وعلى الأرجح فإن تل أبيب ستتبع غاراتها الجوية على غزة بهجمات برية تهدف إلى تحييد، بقدر ما، القدرة العسكرية لحركة حماس. لكن الأخيرة لديها سبب وجيه لتوقع أن الحملة العسكرية ستكون محدودة كما أنها تعتقد أنه يمكن أن تخرج من المعادلة الاستراتيجية على الرغم من التكلفة الباهظة فى الدم التى يدفعها زعماؤها ومسلحوها، وكذلك المدنيون الفلسطينيون. فوابل الصواريخ التى قصفتها حماس، الذى سبق الضربات الجوية الإسرائيلية، بدأ مع انهيار وقف إطلاق النار الذى توسطت فيه مصر والذى تم الاتفاق عليه فى شهر يونيو الماضى. ورغم أن حماس أعلنت انتهاء الهدنة فى 19 ديسمبر فإنها بدأت إطلاق الصواريخ قبل ذلك الموعد وذلك ردا على غارة إسرائيلية فى 5 نوفمبر هدفت لوقف الفلسطينيين عن بناء أنفاق تحت السياج الحدودى. والهجوم الإسرائيلى الحالى على قطاع غزة يكشف عن المأزق الاستراتيجى الذى تواجهه إسرائيل فى غزة. فبضرب قطاع غزة الآن، دفعت إسرائيل الصراع مع الفلسطينيين مرة أخرى إلى قمة الأولويات التى ستواجهها إدارة أوباما. كما أن هذا الهجوم سيثير العداء ضد إسرائيل وأمريكا فى الشارعين العربى والإسلامى بدءاً من لبنان وحتى باكستان مما يجعل من الصعوبة بمكان التعاون مع واشنطن وفى الوقت نفسه يوفر فرصة لخصوم الولاياتالمتحدة لتحسين مكانتهم أمام الرأى العام فى الدول العربية والإسلامية. وهناك خطأ استراتيجى آخر لإسرائيل وهو أن الأنظمة العربية التى تكتم فرحتها برؤية حماس تتناول صفعة قاسية – لأنهم يخشون من أن تصبح تلك الحركة الإسلامية نموذجا يتحدى حكوماتهم - ستضطر الآن إلى أخذ مسافة من إسرائيل ذاتها.