بوضوح، حدد الدستور الأمريكى علمانية الدولة بالنص على ألا «يصدر الكونجرس أى قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته»، إلا أن هذا لم يمنع الدين من لعب دور كبير فى تحديد هوية الرؤساء. فالرؤساء ال43 بينهم 34 رئيسا مسيحيا بروتستانتيا، وواحد فقط من الكاثوليك، هو جون كينيدى. ويعتقد ثلثا الأمريكيين بضرورة امتلاك المرشح الرئاسى قناعات دينية قوية، حتى وإن خالفت آراءهم الشخصية، بحسب استطلاع للرأى أجراه «المعهد العام للبحوث الدينية».
هذا التوجه ينعكس على اتجاهات التصويت لدى المتدينين، فالكاثوليك، وهم ربع عدد السكان تقريبا، يصوتون تقليديا للديمقراطيين، خاصة مع تزايد أعداد مهاجرى دول أمريكا اللاتينية. إلا أن سياسات الرئيس باراك أوباما الليبرالية فى الجانب الاجتماعى والمرفوضة من الكنيسة الكاثوليكية، كالسماح بزواج المثليين والإجهاض واستعمال وسائل منع الحمل، ربما تجعله فى ورطة انتخابية حقيقية.
وقد جسد انتخاب أوباما، المسيحى الديانة والذى يعتقد 10% من الأمريكيين أنه مسلم يخفى إسلامه وفقا لاستطلاع أجرته وكالة أسوشيتدبرس الشهر الماضى، فى نوفمبر 2008 سقوط آخر حاجز عنصرى فى الحياة السياسية الأمريكية، فهو ابن الأفارقة السود، وهم أقلية يبلغ عددها نحو 40 مليون أمريكى (13% من السكان). فتاريخيا ارتبطت كلمة أسود بكلمة عبودية، وجاءت نشأة المجتمع والدولة الأمريكية على عدة أسس، أبرزها جلب أعداد كبيرة من سكان القارة الأفريقية، أطلقوا عليهم صفة العبيد، للعمل فى الأراضى الشاسعة. ولم يُحظر ويتوقف جلب الأفارقة إلا عام 1806، وخاضت الولايات حربا أهلية وصراعا طويلا حتى تمتع ذوو الأصول الأفريقية بكامل حقوقهم السياسية.
نفس الورطة يواجهها المحافظون البروتستانت، الذين يصوتون تقليديا للجمهوريين، إلا أن شرائح كبيرة منهم لا تعترف بالمورمونية، ديانة المرشح الجمهورى، ميت رومنى، كعقيدة سماوية مسيحية. فرومنى أحد أبناء طائفة المورمون، وهى ديانة أسسها جوزيف سميث، وتخالف تعاليم المذاهب المسيحية الأخرى، لذا تعتبر هذه المذاهب المورمون «مرتدين».
وقد نشبت اضطرابات بين المورمون وبقية المذاهب، كان أشدها عام 1844، عندما هاجم المسيحيون جوزيف، وسجنوه وشقيقه، قبل أن يقتلوهما دون محاكمة، ويحرقون كنائس المورمون، ويقتلون عددا منهم. واليوم، تتجاوز نسبة المورمون 1.7% من الأمريكيين.
ويمثل وصول مرشحين من الأقليات إلى السباق الرئاسى أفضل ما يمكن أن يقدمه النظام السياسى الأمريكى، حيث أصبح بإمكان أبناء الأقليات النجاح سياسيا، بل ودخول البيت الأبيض بطرق ديمقراطية تنافسية.
ما يعنى أن الولاياتالمتحدة لم تعد بلدا يحكمه البيض فقط، وليست بلدا للمسيحيين البروتستانتيين فقط، رغم أغلبيتهما الكبيرة. وهكذا لم يكن اللون والعرق سببا فى فوز أوباما بالرئاسة عام 2008، ولن يكون كذلك إذا ما فاز بفترة ولاية رئاسية ثانية، وبالمثل إذا فاز رومنى، فلن يكون الدين هو السبب؛ نظرا لقلة عدد المومون مقارنة بأتباع المذاهب والديانات الأخرى.