«سنتصدى لمن حصل على أرض بالفساد، ولمن استخدم أمواله لامتلاك قنوات فضائية تشوه الحقائق، ولن يستمر فاسد فى مكانه، ولن أتردد فى وضع يدى على مواضع الأفاعى». ما سبق مقاطع من كلمة الرئيس محمد مرسى خلال اللقاء الشعبى الذى عقده بعد ظهر الجمعة بمركز المؤتمرات بجامعة أسيوط. أن يبعث الرئيس برسائل تحذيرية إلى الفاسدين فهذا أمر جيد، لكن عند لحظة معينة ينبغى أن تكون الأمور واضحة والحقائق معلنة بحيث نتوقف عن الرسائل المبطنة.
التسريبات والتحذيرات والرسائل غير المباشرة لغة مشروعة فى العمل السياسى وكثير من السياسيين يلجأون إليها، لكن لا ينبغى أن تكون هى الوسيلة الدائمة، لأنه لو حدث ذلك تتحول إلى سلاح عكسى.
عندما خطب مرسى فى ذكرى حرب أكتوبر باستاد القاهرة تحدث عن تهرب بعض رجال الأعمال من دفع نحو مائة مليار جنيه لخزينة الدولة هى حصيلة ضرائب وثمن لأراضٍ حصلوا عليها ولم يسددوا حقها الفعلى.
مرت أسابيع وعاد مرسى لاستخدام نفس اللغة المبطنة لكن بلغة تهديدية، لا تخطئها الأذن.
والتفسير الوحيد لهذه اللغة التصعيدية فى خطاب مرسى أن استجابة رجال الأعمال المقصودين لم تكن على المستوى المطلوب، وبالتالى فالمعنى الذى يمكن أن نستخلصه هو أن الحكومة ذاهبة إلى صدام كبير مع غالبية هؤلاء «الحيتان»، وعلينا أن نتوقع صراع أفيال بين بعض رجال الأعمال والرئاسة.
الملاحظة الجوهرية هى أنه إذا فشلت الوسائل السرية لاستعادة الأموال الضائعة، فإنه يجب على الرئاسة والحكومة إعلان الحقائق كاملة على الشعب، حتى يعرف من الذى سرقه وكيف، وربما يكتشف أن هؤلاء المتهمين أبرياء.
لكن فيما يتعلق بأصحاب الفضائيات فأخشى أن يكون الأمر تصفية حسابات بين الرئاسة وبعض المعارضين.
من حق أصحاب الفضائيات أن يعارضوا محمد مرسى وإدارته وحكومته وجماعته طالما كان الأمر فى حدود السياسة والقانون. أما أن يخرج الرئيس ويقول: «سنتصدى لمن استخدم أمواله لامتلاك قنوات فضائية فى تشويه الحقائق» فهو كلام إنشائى بلاغى، والرسالة الوحيدة التى ستصل للاعلاميين أن الرئيس يهددهم لأنهم يعارضونه.
نعلم جميعا أن معظم أصحاب الفضائيات الخاصة يختلفون مع الإخوان سياسيا وهذا حقهم ومعظمهم أيضا كرجال أعمال لهم مصالح متشابكة مع الدولة والحكومة وأجهزتها، وبالتالى فالخشية هى أن تستخدم الحكومة هذا السلاح غير المرئى فى تهديد أصحاب الفضائيات وابتزازهم حتى يتوقفوا عن انتقادها.
نعلم أيضا أن بعض أصحاب الفضائيات قد تكون عليهم علامات استفهام كثيرة وكبيرة، لكن وحلا للإشكال، وتطبيقا للديمقراطية التى نتغنى بها جميعا ليل نهار، فعلى الرئيس أو أى جهة أخرى أن يقولوا لنا إن صاحب هذه المحطة أو تلك استخدم أمواله «الحلال أو الحرام» فى تشويه الحقيقة الفلانية بالطريقة العلانية. وإذا لم يفعلوا ذلك فعليهم ألا يعودوا لاستخدام مثل هذا الكلام المرسل مرة أخرى.
حسنى مبارك ونظامه كان يستخدم نفس الاتهامات الفضفاضة ضد معارضيه خصوصا الإخوان وكان يتهمهم بشتى التهم ومنها تلقى أموال من الخارج دون أن يقدم لنا حقائق صلدة. والآن يعود مرسى ليكرر نفس الكلام.
يا سيادة الرئيس يفترض أنك تمتلك كل المعلومات، وتعرف من هو المفسد ومن هو الذى يشوه الحقائق عبر الفضائيات.. والسؤال: إذا كانت المعلومات صحيحة، فلماذا تتركهم، هل تراهن على صحوة ضميرهم؟!.
ثم إذا كنت أنت الرئيس وتلوح بالدعوة إلى ثورة ثانية، فماذا سيفعل المعارضون؟!!.
يا سيادة الرئيس السلطة فى يدك ووظيفتك أن تطبق القانون وليس الدعوة لثورة ثانية، ثم إن التاريخ يقول إن اللص لا يعيد الأموال بالجدعنة والتطهر.. أمثال هؤلاء لا ينفع معهم إلا هراوة القانون.