وجدت تطابقا فى النظر بين الملا عمر والرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى. فالأول فرض النقاب على النساء فى أفغانستان، والثانى فرض على المسلمات خلع النقاب فى فرنسا. والقاسم المشترك بين الاثنين يكمن فى تبنى كل منهما منطق «الإكراه». ذلك أن الملا عمر انحاز إلى إكراه النساء على تغطية وجوههن، فى حين أن الرئيس الفرنسى أراد أن يكره المسلمات على كشف وجوههن. وإذا أردنا أن نذهب إلى أبعد، فسوف نكتشف أن الاثنين يستويان فى قصر النظر، وفى درجة الغباء وضيق الأفق. لسنا بحاجة لأن نثبت ذلك فيما خص الملا عمر، الذى أخذ حقه من الذم، حتى لم يعد أحد خارج أفغانستان يذكره بخير. ولكن موقف الرئيس الفرنسى هو الذى يحتاج إلى تحرير. ذلك أنه ألقى خطابا أمام البرلمان يوم الاثنين 22/6 شن فيه حملة عنيفة ضد النقاب، ووصفه بأنه من بقايا عصور العبودية والانحطاط. وهذا الخطاب جاء تجاوبا مع الحملة الشرسة التى شنها عدد من البرلمانيين الفرنسيين ضد ظهور بعض المسلمات بالنقاب فى المدن الفرنسية، الأمر الذى اعتبروه تهديدا للعلمانية ولقيم النظام الجمهورى. وهؤلاء جزء من تيار الغلاة الذين استصدروا فى عام 2004 قانون منع الحجاب فى المدارس الفرنسية، باعتباره رمزا دينيا اعتبروه بدوره تهديدا للعلمانية فى فرنسا. ليس معروفا عدد المنتقبات فى فرنسا التى يعيش فيها حوالى ستة ملايين مسلم، لكن التقارير الصحفية تحدثت عن محدودية أعدادهن بشكل عام. مع ذلك فإن مجرد وجودهن أثار غضب نفر من البرلمانيين الذين طالبوا بحظره، أسوة بحظر الحجاب قبل خمس سنوات. لا يستطيع المرء أن يخفى دهشته من تلك الحساسية المفرطة إزاء مظاهر السيدات المسلمات وقهرهن، فى بلد تمارس فيه الحريات العامة على أوسع نطاق. ذلك أنه يظل من غير المفهوم أن يحتمل المجتمع ويبيح القانون للمرأة أن تخلع ثيابها كيفما شاءت، فى حين يضيق ذرعا بتغطية النساء لوجوههن. ليس عندى دفاع عن النقاب، وأزعم أن جذوره فى التقاليد الشرقية أعمق من ارتباطه بالتعاليم الدينية. ذلك أنه يظل جزءا من المظهر الخارجى للنساء فى بعض دول شمال أفريقيا (الجزائر والمغرب بوجه أخص) وفى منطقة الخليج، كما فى بعض الدول الآسيوية (أفغانستان وباكستان مثلا). لذلك فإن دفاعى عنه ينطلق من الدعوة إلى الالتزام بحرية الزى واحترام تقاليد الآخر بأكثر منه غيرة على ما يراه البعض التزاما بالتعاليم الدينية. إننا إذا حللنا المسألة سنجد أن التذرع بالدفاع عن العلمانية لا أساس له، لأن إنجلترا بلد علمانى وكذلك إىطاليا وألمانيا والولايات المتحدة. ومع ذلك فإن النقاب لم ينتقص شيئا من علمانيتها، لكنى أذهب فى إرجاع ذلك إلى عاملين رئيسيين، الأول ضيق الفرنسيين التقليدى بالتنوع الثقافى، رغم دفاعهم المستمر عن التعدد فى المجال السياسى. وهذا الضيق يدفعهم دائما إلى الإصرار على تذويب الآخر واشتراط تنازله عن هويته لكى «يندمج» فى المجتمع وينال «شرف» المواطنة الفرنسية. العامل الثانى يتصل بالطبيعة الخاصة للعلمانية الفرنسية المخاصمة للدين وكل ما يتصل به. وهى التى تختلف فى ذلك عن العلمانية البريطانية مثلا المتصالحة مع الدين (الملكة رئيسة الكنيسة) وهو ما ينبهنا إلى أنه بين العلمانيين أيضا متطرفون ومعتدلون، وأنه لا يكفى أن يصف المرء نفسه بأنه علمانى، لأننا صرنا مدعويين إلى التحقق من طبيعة وحدود تلك العلمانية التى يدعيها البعض، لكى لا يخدعنا المصطلح ويوقعنا فى شر أعمالنا.