علاء مبارك يعلق علي دعوة إثيوبيا لمصر بحضور حفل افتتاح سد النهضة    تفاصيل تعديلات قانون أعضاء المهن الطبية قبل مناقشته بالنواب.. إدراج أخصائي تكنولوجيا العلوم الصحية.. وضم خريجي هذه الكليات    سعر الجنيه الذهب بالصاغة صباح اليوم السبت 5 يوليو 2025    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    ارتفاع أسعار البيض اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    انخفاض الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب تشيد بجهود الدولة في صيانة دير سانت كاترين    كتائب القسام تعلن استهداف ناقلة جند إسرائيلية ودبابتي ميركافا في غزة    تعثر اتفاق الاتحاد الأوروبي التجاري مع أمريكا قبل انتهاء مهلة ترامب    19 شهيدًا في قصف إسرائيلي متزامن على غزة فجر اليوم    مسيرات روسية تقصف مناطق مختلفة بأوكرانيا    مقاتلات أمريكية شاركت في قصف إيران تحلق فوق البيت الأبيض في عيد الاستقلال    مصرع 24 شخصا وفقدان 23 طفلا إثر وقوع فيضانات بولاية تكساس الأمريكية    فيريرا يتسلم التقرير الفني لأيمن الرمادي عن فريق الزمالك    حلمي طولان: شيكابالا من أيقونات الزمالك على مدار التاريخ    أولى تصريحات مدرب الهلال بعد الخروج من مونديال الأندية    انهيار جزئي لعقار مكون من 4 طوابق في شبرا مصر    النيابة تأمر بضبط سائق متهم بالاصطدام بشاب أثناء عبوره الطريق على محور المشير    شديد الحرارة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم السبت    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما بخلية التجمع الإرهابية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة ممرض تسبب في وفاة طفل صغير بالتجمع    أشيك سيدة في مصر، رحلة المانيكان الأولى من عروض القطن إلى دعاء الكروان    في هذا الموعد.. نجوى كريم تحيي حفلًا غنائيًا في عمان    أمين الفتوى: يوم عاشوراء نفحة ربانية.. وصيامه يكفر ذنوب عام كامل    جثة فتاة دون رأس داخل جوال تثير الزعر بأبو النمرس    إصابة 15 شخصا إثر انقلاب ميكروباص على صحراوي المنيا    لويس إنريكي: لا نفكر في الانتقام من بايرن ميونيخ بكأس العالم للأندية    «بجوز ابني».. رامي عادل إمام يحتفل بزفاف نجله على طريقة والده الزعيم بعد 27 عامًا (فيديو)    محمد صلاح ورفاقه المحترفين ينضمون لمعسكر الفراعنة القادم بعد انطلاقه ب48 ساعة    وائل القباني: جون إدوارد يتبع سياسة خاطئة في الزمالك.. وهو سبب رحيلي    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 5 يوليو    رمزي وحلمي وملك وجو.. نجوم الكوميديا الرقمية    من قلب أمريكا.. حنان مطاوع: أنا بنت مصر الفرعونية| حوار    بعد مكاسب تتجاوز 60 دولار.. ننشر اسعار الذهب في بداية اليوم السبت 5 يوليو    تشيلسي يتقدم على بالميراس بهدف بالمر في شوط أول مثير بمونديال الأندية    عمرو دياب يشعل الساحل الشمالي بأول حفل بعد "ابتدينا"    ترامب: قد يتم التوصل لاتفاق بشأن غزة الأسبوع المقبل    السقوط في بئر الخيانة.. أحدث فصول اتصالات «الإخوان» مع المخابرات الأجنبية    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية السبت 5-7-2025    أمير صلاح الدين عن مرضه النادر: الدكتور قال لي لو عطست هتتشل ومش هينفع تتجوز (فيديو)    إنريكي: مباراة بايرن ميونخ صعبة.. وهدفنا التتويج بلقب مونديال الأندية    اليوم عاشوراء.. صيامه سنة نبوية تكفّر ذنوب عام مضى    تحرك عاجل من محافظ بنى سويف لنقل سيدة بلا مأوى لتلقي الرعاية الطبية    «إيه كمية التطبيل ده!».. رسائل نارية من أحمد حسن بسبب مدحت شلبي    الفئات المعفاة من المصروفات الدراسية 2026.. التفاصيل الكاملة للطلاب المستحقين والشروط المطلوبة    في زيارة رسمية.. البابا ثيودوروس بمدينة كاستوريا باليونان    4 أبراج «أثرهم بيفضل باقي»: متفردون قليلون الكلام ولا يرضون بالواقع كما هو    فكهاني ينهي حياة زوجته في الطالبية بدافع الشك في سلوكها (تفاصيل)    البطريرك ساكو يستقبل النائب الفرنسي Aurelien Pradié    دعاء يوم عاشوراء مكتوب ومستجاب.. أفضل 10 أدعية لمحو الذنوب وقضاء الحاجه (رددها الآن)    حزب العدل يصدر بيانا بشأن مشاركته بانتخابات مجلس الشيوخ    «الحيطة المايلة» في الجسم.. خبير تغذية يكشف خطأ نرتكبه يوميًا يرهق الكبد    بدائله «ملهاش لازمة».. استشاري يعدد فوائد اللبن الطبيعي    دون أدوية.. أهم المشروبات لعلاج التهاب المسالك البولية    بعد واقعة بسمة وهبي، موظفة تتهم مستشفى شهيرا بالدقي بوفاة ابنتها: الدكتور نام أثناء العملية    اليوم| نظر دعوى عدم دستورية مواد قانون السب والقذف    ما هي السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء؟    خطيب الجامع الأزهر: علينا أن نتعلم من الهجرة النبوية كيف تكون وحدة الأمة لمواجهة تحديات العصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فيصل الأول» ملك واحد لمملكتين
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 10 - 2012

أنا شخصيا، وبحكم قراءتى لخالد زيادة، سفير لبنان المبدع، وأستاذ الجامعة المقيم، وبسبب من معرفتى بالكاتب والإنسان، أستطيع أن أقول باطمئنان أنه احد المبدعين الذين كتبوا تجاربهم، ورؤاهم للحياة والأدب بكل الصدق والنزاهة.

وسواء كانت الكتابة عن سيرة مدينة، أو سيرة أشخاص، أو كتابه فى الفكر، أو رواية فى الأدب، فإن الكاتب فى كل أحواله يثير دهشتنا، ويثير أسئلتنا.

قرأت لخالد زيادة ثلاثيته المدهشة «مدينة على المتوسط» حيث يمزج فى النص الأدبى بين السرد الروائى، والتحليل الاجتماعى، والرؤية الإبداعية، وأدركت لحظتها أن الرجل يكتب باحثا عن روح الأشياء، والغوص فى المعنى الذى يثير سؤالنا، فى محاولة دائمة للحفاظ على ذاكرة يتهددها الزوال، إن لم تكن قد زالت بالفعل، والصورة آخر الأمر جزء من المخيلة حيث تنتظم الأفكار والذكريات.. وفى الإنحاء هناك مدينة تكاد تكون أسطورية، بسيرة العمران، ومراقبة ما سوف يجىء، ويتغير، ومغادرة الاحلام عبر ابنية قديمة، من زمن كونوليانى له حيواته الخاصة فى الذاكرة.. وحضور المسلم والمسيحى، والعبور خلال الأزمنة وتراكمها، وتقديم المكان فى المشهد العام بمقاهيه وحاراته، وجادات اللهو فيه، حين يتوقف الزمن فى التسينيات فتهرول السياسية، برجالها ومناضليها، ويكون السرد علامة على الحدث، وشهادة لايام زائلة، والظلال على الجدران فى الاوقات المتلاحقة، وللغلام كثير الفضول، الملاحظة، والمتابعة، وعبور فترة التكوين، والمدى المفتوح على الرؤى والاختيار، وشغف الغلام حين كان يتأمل اهله يرحلون!!

هنا المدينة لا يحدها واقع، لكنها توجد فى مجازات الشعر واللغة!!

احببت طرابلس فى الكتاب، وجست من خلالها مراحل عمر السارد، وتعرفه على الدنيا!!

متتالية من كتب، أودعها الرجل مقاطع من حياته، فى محبة الادب والفكر، امره عندنا نحن محبيه انه من سلالة من الكتاب الذين يتملكون احساسا فياضا بالتاريخ.

من هناك، من بعيد، من أول الشباب كان اكتشاف الأدب.. الصورة التقليدية للمجتمع المدنى.. وفى تطور النظرة الإسلامية الى أوربا»، ومناقشة أسئلة النهضة، وفهم الآخر، ومساءلة مؤسسات الفكر والتواصل لإيجاد صيغ مشتركة لتفعيل المشترك بين المسلمين وبقية شعوب اوروبا.. ثم كانت السلطة حرفة الفقهاء والمثقفين. وكان عبوره صوب الجبرتى مؤرخ زمن المماليك، ومناقشته لعلاقة الرجل بالفرنسيين وغيرها.



حتى روايته الأخيرة «فيصل»....

وفيصل كما يعرفه خلق الله، هو الملك فيصل الأول، الذى حكم مملكتين، مملكة سوريا، وبعدها مملكة العراق، وفيصل الملك ينتمى لسيدنا الحسن السبط، ابن الإمام على بن ابى طالب الحسنى الهاشمى القرشى.. وهو ابن الشريف حسين حاكم الحجاز.. تعلم فى اسطنبول، واكتسب فيها ثقافته، وحياته المعاصرة، الا انه لم يتخل عن لغته العربية، وثقافة والده، وشعبه.

فى العام 1916 اعلن الشريف حسين الثورة العربية الكبرى على الأتراك، وكانت البداية بإطلاق رصاصة الوالد، وكانت بدعم من الانجليز، وخلال أربع سنوات من الحرب والنضال بمشاركة القبائل العربية، الحويطات وبالى والرولا، واهل البوادى، والمثقفين والعروبيين من اهل سوريا ولبنان وفلسطين ومصر.

لقد استطاعت الثورة خلال العام 1920، ومن خلال المؤتمر السورى العام ان تعلن استقلاق سوريا تحت اسم المملكة السورية العربية، ويتوج فيصل بن الحسين ملكا عليها، لكن تأمر الانجليز والفرنسيين، بعد توقيع اتفاقية سايكس بيكو التى قسمت البلاد، لتزحف فرنسا بجيوشها، لتنهزم الثورة فى العام 1920م، فى معركة ميسلون.

من لحظة الهزيمة هذه يبدأ خالد زياده سرد روايته...



فى تقديمه لفيصل الملك يقول:

«كان فيصل يتمتع بمواهب القيادة كأمير عربى، فضلا عن خصاله التى حببت اليه الذين عملوا تحت إمرته، الكرم والحلم والتسامح، فضلا عن تردده وضعفه وغضبه احيانا وانخراطه فى المفاوضات مع الدول الكبرى والتى لم يكن مؤهلا للخوض فيها».

والرواية «التى توفق على قدر الطاقة بين شغف الإنسان الحديث بالحقائق وحنانه القديم للخيال» كيف رسمت فيصل الملك، وفيصل الإنسان..كيف وازن خالد زيادة بين التاريخ، وبناء رواية تعتمد على التأويل والخيال؟!

المؤرخ يكتب تواريخ الناس، ويخرج بما كتبه من الخاص الى العام.

والرواية تسعى لمعرفة تجابه اهوال الحياة ومأساة الموت!!

من لحظة هزيمته فى ميسلون، يتأمل فيصل مصيره.. يبدأ من مشهد المناضلين الذين يقفون فى الليل، يجمعون قتلاهم، ويحملون على كواهلهم هزيمتهم.. كلهم كانوا فى اللحظة يفتقدون الامان.. صخر العسكرى ينشغل بما يجرى فى العراق.. ويوسف الحكيم يعد الشاى.. وساطع الحصرى يهتم بعيدان الخشب التى تسور المكان.. ورياض يوزع الشاى على جمع المنكسرين بالهزيمة.. ونسيم البكرى.. وسيلم الجزائرى، هؤلاء العروبيون الذين جاءوا من النواحى العربية ليناصروا الثورة!!

وحده يقف فيصل فى مواجهة تاريخه الشخصى، تاريخه الذى يشبهه، وينتسب اليه، متسلحا بمشاعره التى تتفاعل فى روحه بهزيمة لا يعشها سواه.

يتأمل الخراب، ويرتدى لباسه العسكرى، حيث يرى الجنود يتبعثرون، لا يهتم به أحد، وصوت الرصاص، ودخان الحرائق، والأنين الصاعد من الجرحى، ساحة للألم ولروحه. يتساءل: ماذا سيقول عنى التاريخ؟! شىء واحد أعرفه حتى بعد الهزيمة أنا الملك، ولا مملكة دونى. ومن الكسوة، حتى حوران، ومن حوران إلى درعا، ومن درعا إلى دمشق، وفيصل يبحث عن نفسه، تناوشه الأسئلة، وصوت القطار يقطع المسافة بطيئا فى الليل.. ينشغل بثورته من جديد، وبالبلاد التى ضاعت.. يتساءل:ماذا يبقى من مملكة ضائعة؟.. وكلما اضطرب استدعى صورة الأم، وطفولته ليهرب اليهما حيث يمثلان له الآن الفردوس المفقود.. الأب له خبثة، وأنانيته، وسطوته والانجليز أهل الخداع، والغدر والعدوان للفرنسيين.. لا تجدى الآن سفراته المتتالية عبر أسطنبول وبور سعيد للنفاذ هناك حيث الحل والربط فى أوروبا.. حتى المبادئ التى آمن بها يومها للرئيس ويلسون لم يعد يثق فيها.. الآن يعيش وقت تقسيم بلاده، وتهديد فكرة العروبة التى عاش بها.. لا ينسى أيام اهتمامهم به، ويتذكر حينما كانت النساء فى المؤتمرات، وأماكن إقامته، يتحلقن حوله وكأنه شخص أسطورى بلباسه العربى قد خرج من صفحات ألف ليلة وليله، وهناك قرب نافورة الماء تتأمله السيدة ويلسون وتهتف لنفسها بانبهار يا إلهى أنه المسيح!!

لحظاته المتوترة، هى لحظات تأمل ما جرى، والذاكرة تستعيد مملكة تضيع وحلول الخراب، وانقسام الفصائل، وخديعة اللنبى الذى باعه للفرنسيين، ولورنس رافع رايه حقوق العرب واختفائه.

«أتأمل ذاتى وتاريخى كأننى أنظر فى مرآة أو أقرأ فى كتاب، وأصرف الوقت فى تدوين هذه الأوراق التى تحفظ قصة انتصاراتى وإخفاقاتى وأقدارى، لا أكتب تاريخا ولا مذكرات، لا خواطر أو رسائل، أردت حين عزمت على تسجيل هذه الأوراق منذ خروجى من دمشق أن أكتشف نفسى (..) يقولون أننى كريم حتى الجنون، وبسيط مثل بدوى فى الصحراء، يقولون أننى داهية صموت، أننى لم أفعل سوى ما أنا عليه».

صوت من النص.. صوت من يكتب مذكراته شهادة على فعله، وحوادث جرت بزمنه..هى لحظات انكسار فيصل، وغربته، واجتهاد النص الروائى فى الكشف عن مشاعر أنسان عاش فى التاريخ وصنعه.

لقد استطاع الكاتب عبر نصه الروائى التعبير عن معطيات شخصيته والوصول لتصوير تفاصيل واقع الشخصية التى كتب عنها.. ممكن أت تصدمك النهايات الخاسرة لملك لا يعرف مصيره، لملك يغادر ملكه، ويفيض فى سرد احواله، بكل أخطائها، عندما غادر دمشق أثناء القتال، وعودته لها.. اعتقاده الراسخ بأن التاريخ سوف ينصفه.. كان يؤمن أن أخطاءه لن تقرر مصيره «عاش تردده ورضى بخديعة اللنبى له عندما أخبره بانتصار الثورة ففاجأه: أن سوريا ستخضع لشروط البلدان المفتوحة.

أربكه تردده الذى أفقده أوراقه فى المفاوضات.. وظلت حتى بعد أن نصب ملكا على العراق يعيش هواجسه.. كان دائما يفكر فى الأتراك مع أتاتورك يقاومون، ويقيمون دولتهم الجديدة، وثوار العراق يجبرون الأنجليز على التراجع فيما خسر المتشددون من جماعته، الداعين إلى القتال، ولم يكسب المعتدلون.. كان يمسك العصا من منتصفها كما يقول خالد زيادة وحين قرر خوض القتال مرغما، كان الوقت قد فات!!

يلتمس الروائى المدرب احساس ملكه الكريم الذى خسر مملكته.. ويقيم على تخوم وطن مزقه العتاة، متأملا أرباض يصعد من بيوتها الدخان، وبشر يتوجهون لا يعرفون إلى أين؟!

يدهشنا الروائى، والمفكر، فى آن، حينما نراه يكتب نصا يمثل طموحه فى تحقيق كتابه تخصه، تفيض بالشعر والخيال الجميل.. والرواية آخر الأمر تعبير عن زمنيين، الماضى والحاضر، وفيهما استطاع خالد زيادة التقاط مشاعر شخوصه، أحزانهم، وأحلامهم، وقدمهم عبر رؤية ولغة تتجسد بالشعر، والظلال، والرائحة، قادرة على تجسيد المشهد الروائى، وإبراز ما فيه من موضوعية للأحداث.

قال أحدهم مرة: يكتب كل كاتب ما كتبه الآخرون ولكن بشكل آخر.. لا جديد فى الكتابة، الجديد هو الكاتب!!

وكتابة السفير خالد زيادة دائما ما تفيض علينا بالشعر، وبالخيال الجميل أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.