■ كتب: حسن حافظ خيانة الإخوان وسياسة الارتماء في حضن أجهزة المخابرات قديمة بأكثر مما يتصور البعض، يمكن القول إنها تجرى فى دماء هذه العصابة التي لم تضع فرصة للخيانة والتحالف مع أى مخابرات، فكانت الخنجر المفضل لضرب أي حراك وطني وخيانة الجماعة الوطنية فى كل منعطف تاريخي، ولم يكن سقوط القناع بعد نجاح ثورة يونيو 2013 فى تحرير مصر من الإخوان، إلا اللحظة التى اكتشف البعض أنهم من المغفلين الذين أحسنوا الظن بهذه الجماعة، لكن ما جاء بعد العام 2013، لم يزد الأمور إلا وضوحًا، واكتمل ملف الخيانة الإخوانية والعمالة لأجهزة مخابرات إقليمية وغربية، فى مشهد كاشف لا يحتاج إلا استرجاع الوقائع والوثائق. ◄ ثورة يوليو أجهضت خطة تولى الإخوان الحكم ◄ مؤرخ بريطاني يكشف تفاصيل عمالتهم للإنجليز ◄ الإنجليز اتفقوا معهم على اغتيال عبدالناصر استخدمت الاستخبارات الغربية الاستعمارية جماعة الإخوان فى تدمير التجارب الوطنية التى كانت تستهدف الوقوف فى مواجهة الاستعمار الغربي وتبحث عن الاستقلال الوطنى، واستغلت هذه الأجهزة شبق الإخوان للسلطة والهوس الذى يصل إلى مرحلة الجنون بالحكم، من أجل ضمان تنفيذ الجماعة الأهداف المرسومة بكل دقة، فلم يكن غريبا أن يكون الإخوان القفاز المفضل للإنجليز فى ضرب الحراك الوطنى فى مصر ضد الاحتلال فى أربعينيات القرن العشرين، ولم يكن عجيبا أن تفتح الجماعة خطوط اتصال لكى تموِّن رأس الحربة فى ضرب مشروع جمال عبدالناصر الاستقلالى، حتى ولو دخلوا قصر الحكم على ظهر الدبابات الأمريكية والبريطانية، وحتى لو فتحوا البلاد للقواعد الغربية العسكرية. ◄ خونة الأوطان كان طبيعيا من وجهة نظر خونة الأوطان، أن تكون للجماعة اتصالاتها مع الاستخبارات الأمريكية وبعض الاستخبارات الإقليمية، الأمر الذى ظهر بوضوح فى التنسيق بين خطوات الإخوان لتفجير مصر وجرها للفوضى بعد 30 يونيو 2013، وتصريحات عواصم غربية، بما يكشف عن تنسيق استخباراتى رفيع، واستمر مسلسل الخيانة بعد هروب فلول الإخوان إلى قطر وتركيا، إذ سعت هذه العناصر إلى تنفيذ مخططات الفوضى الخلاقة، لكن الصخرة الحقيقية التى تحطم عليها قطار الخيانة الإخوانية هى الشعب المصرى الذى كان يقف للإخوان عند كل منعطف تاريخى يركلهم ويُفشل مخططاتهم، لذا يزول العجب من كم الكراهية الإخوانية للشعب المصرى بجيشه، لأنه دوما الرقم الصعب فى المعادلة، والعامل الذى أفشل كل محاولات تمكين الإخوان من حكم المنطقة. ■ العلاقات الأمريكية الإخوانية كثير من الود كثير من الخراب العمالة الخارجية قديمة فى سجل جماعة «الإخوان»، والبداية مع حسن البنا ذاته مؤسس الجماعة، ونعود هنا إلى ما كتبه هيوارث دن، المستشرق البريطانى، الذى كتب كتابه (الاتجاهات الدينية والسياسية فى مصر الحديثة) العام 1950، الذى يعد أول كتاب عن جماعة «الإخوان»، فهو معاصر لهذه الجماعة فى عهدها الأول وعلى معرفة بحسن البنا، يجب أن نعرف هنا أن هيوارث كان من رجال المخابرات البريطانية، وعمل على ضرب الحركة الوطنية المصرية لصالح الاحتلال البريطانى، بل إن دن هو من اكتشف سيد قطب ووفر له المنحة إلى الولاياتالمتحدة، إذ كانت المخابرات البريطانية والأمريكية معنية بمستقبل نظام الحكم فى مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م)، وكانت النية مبيتة على استخدام الإخوان لتنفيذ هذه المهمة لكى لا تقع مصر فى يد الشيوعية. ولعب هيوارث دن دورًا مهمًا فى هذا التصور، إذ كشف فى كتابه عن أن حسن البنا طلب من بعض المصريين المتصلين بالسفارة البريطانية فى القاهرة، نقل رغبته فى التعاون معهم، بينما طلب أحمد السكرى، قائد التنظيم الخاص، أربعين ألف دولار وسيارة فى مقابل هذا التعاون، وهو ما أكده الدكتور إبراهيم حسن، وكيل الجماعة المنشق بعد فصله منها العام 1947م، بقوله إن البنا والسكرى كانا على اتصال بالمستر كلايتون، السكرتير الشرقى بالسفارة البريطانية، لدراسة المصالح المشتركة وذلك منذ العام 1941، وكعادة الإخوان فى الكذب أنكروا الاتفاق الإخوانى البريطانى، لكن الوقائع خلفهم بالمرصاد، فبعد الاتفاق والصفقة التى عُقدت بليل، لم يشارك الإخوان فى أى حراك وطنى ضد الاحتلال، بل إن الجماعة تحولت إلى خط دفاع أول عن الملك والاحتلال على حد سواء. ◄ بئر العمالة وينقل المؤرخ المصرى الراحل الدكتور رؤوف عباس حامد، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، فى دراسته عن (الإخوان المسلمين والإنجليز)، عن تقرير للمخابرات البريطانية فى عام 1942، كيف رصدت لندن أن «القصر بدأ يرى أن الإخوان مفيدون وأضفى حمايته عليهم»، ووفقا للمؤرخ الإنجليزى مارك كورتيس في كتابه فائق الأهمية (التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين)، فإنه بحلول سنة 1942 بدأت بريطانيا فى تمويل جماعة الإخوان بشكل قاطع، وأنها بدأت فى يناير 1952، التفكير جديا فى تصعيد الإخوان للحكم حال سقوط حكومة الوفد، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى سفن الإنجليز، فجاءت ثورة 23 يوليو 1952م، لتنهى المخطط البريطانى الذى لم يتم الكشف عن تفاصيله إلا فى بداية الألفية الجديدة مع إفراج وزارة الخارجية البريطانية عن هذه الوثائق التى كشفت عن مشهد مشابه لما جرى فى 30 يونيو 2013، إذ إن روح الوطنية انتفضت فى المرتين وأجهضت حراكا استخباراتيا استهدف اختطاف إرادة مصر. ◄ اقرأ أيضًا | نشر الوعي بأهمية الاصطفاف الوطني سلاحنا الأول.. كيف نمنع عودة «حزب الكنبة»؟! ◄ خيانة عظمى في 23 يوليو 1952م انفتح الطريق الذى قاد لتغيير المشهد فى مصر، فرحل نظام وجاء نظام جديد، لكن الإخوان لم يتغيروا وظلوا خنجرا فى خاصرة الوطن يحمله الاستعمار دوما، فالعمالة للإنجليز تطورت لتصبح خيانة عظمى، ففى أوائل العام 1953م، اجتمع مسئولون بريطانيون مباشرة بالهضيبى، ظاهرياً لمعرفة موقف الإخوان تجاه المفاوضات الوشيكة بين بريطانيا والحكومة المصرية الجديدة، فى ظل نظام الضباط الأحرار، بشأن جلاء القوات البريطانية من مصر، لكن هذه المعلومة عن اللقاء البريطانى الإخوانى ناقصة، إذ لم تكشف بريطانيا بعضا عن وثائق هذا اللقاء المختومة بعبارة «سرى للغاية». ويكشف مارك كورتيس فى كتابه (التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين)، عن أن حكومة لندن عملت على دعم مخطط الجماعة لإحكام قبضة المرشد على السلطة من وراء ستار، ربما يفهم فى هذا السياق حادث المنشية الشهير فى الإسكندرية، أكتوبر 1954م، عندما حاولت عناصر الجماعة الإرهابية اغتيال جمال عبدالناصر، لكنه نجا بأعجوبة، فتفجرت سريعا فى القاهرة ونجح عبد الناصر فى التخلص من التنظيم الإرهابى، وحل الجماعة وكان من بين القائمة الطويلة من الاتهامات الموجهة للإخوان فى مرسوم الحل، الاجتماعات التى عقدها الإخوان مع البريطانيين، لكن بريطانيا لم تفقد الثقة فى الإخوان، فتم عقد اجتماعات مع قيادات إخوانية فى سويسرا لمناقشة اغتيال الزعيم المصرى، ورغم أن كورتيس يشدد على أن بريطانيا لم تكشف عن وثائق هذه الاجتماعات أبدا رغم مرور عشرات السنين، إلا أنه يؤكد من خلال مصادره أن فحوى هذه الاجتماعات كانت بخصوص تشكيل حكومة منفى إخوانية، تتسلم الحكم بعد تخلص بريطانيا وفرنسا وإسرائيل من عبدالناصر عقب العدوانى الثلاثى. ◄ العمالة للأمريكان بعد هزيمة 1956 السياسية، غيّر الإخوان موقعهم سريعا فغادروا مركب الإمبراطورية البريطانية التى غابت عنها الشمس، وانتقلوا إلى مركب الإمبراطورية الأمريكية التى أشرق شمسها على العالم، وهى العلاقة التى أرّخ لها الباحث حمادة إمام فى كتابه (الصهيونية والإخوان: صناعة بريطانية ورعاية أمريكية)، الذى رصد فيه بداية التعاون الاستخباراتى بين أمريكا وتنظيم الإخوان، إذ تلقت الاستخبارات الأمريكية فى العام 1979م، تكليفًا من زبجنيو بريجنسكى، مستشار الأمن القومى للرئيس الأمريكى جيمى كارتر، بضرورة تجهيز دراسة شاملة عن الحركات الإسلامية الأصولية فى جميع أنحاء العالم العربى، لكى تكون الإدارة الأمريكية على معرفة بها حتى لا تفاجأ بثورة على غرار الثورة الإسلامية فى إيران. وكانت الاستخبارات الأمريكية - بحسب حمادة إمام - بدأت بالفعل فى التواصل مع الإخوان من العام 1977م، وكشفت المخابرات المصرية عن الاتصالات السرية بين واشنطن والجماعة، الأمر الذى دفع الرئيس السابق حسنى مبارك، إلى التصريح فى حوار لمجلة نيويوركالأمريكية العام 1995م، بأن الدولة المصرية تعلم بالاتصالات بين الطرفين، لكن الأمريكان ظلوا على علاقة مع الإخوان واستخدامهم كقفاز فى المنطقة حتى وقعت أحداث سبتمبر 2001م، إذ رأت واشنطن فى الإخوان مطية سهلة للسيطرة من خلالها على بقية التنظيمات الأكثر تطرفا، وهو ما تحدث عنه صراحة التقرير الاستراتيجى الأمريكى الصادر فى 2005. ويرصد حمادة إمام تطور علاقات الأمريكان بالإخوان، الأمر الذى ترسخ بعد ثورة يناير 2011، إذ أرسل الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، بمبعوث شخصى من خارج الإدارة الأمريكية، هو جون كيرى، إلى القاهرة فى ديسمبر 2011، للقاء قادة الإخوان، لذا لم يكن غريبا أن يتحول كيرى إلى المدافع الأول عن الإخوان فى واشنطن، كما لم يكن غريبا أن يعود إلى القاهرة فى أبريل 2013، والأمور متوترة فى مصر بهدف حماية الإخوان من السقوط الوشيك، ويؤكد إمام هذه المعلومات بشكل أكثر استفاضة فى كتابه الآخر (مخابرات الجماعة)، الذى كشف فيه عن تفاصيل الاتصالات الإخوانية مع الاستخبارات البريطانية والأمريكية بشكل موثق وواضح، ما مكن من وصول الجماعة لحكم مصر فى إطار صفقة تمكن من تنفيذ الأفكار والمشروعات الأمريكية البريطانية فى المنطقة، لذا يمكن الآن فهم حجم الغضب الأمريكى من الشعب المصرى وجيشه فى أعقاب فشل المخطط بإسقاط الإخوان فى يونيو 2013. ◄ أبواب الخيانة وتبنت الولاياتالمتحدة فى عهد الرئيس باراك أوباما (2009-2017)، مقاربة فتح الأبواب لجماعة الإخوان، فسمحت لهم بتكثيف نشاطهم فى الولاياتالمتحدة والعمل بشكل علنى بعد عقود من العمل بشكل غير رسمى وغير علنى، بما فى ذلك الانتشار فى الاتحادات الطلابية بين الطلاب المسلمين فى الجامعات، وكانت الاستخبارات الأمريكية تستهدف من ذلك أن يبلغها الإخوان أولا بأول عن وجود عناصر جهادية بين صفوف المسلمين الأمريكان، وكانت العلاقات الأمريكية الإخوانية زادت قوة منذ عقد التسعينيات، إذ اعترف الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون، والمقرب من الإدارات الأمريكية، فى حوارات صحفية عدة بأنه لعب دور الوسيط بين الإخوان والأمريكان فى عصر الرئيس السابق حسنى مبارك، وأنه سهّل اللقاءات بين قيادات الإخوان خيرت الشاطر ومحمد بديع ومحمد مهدى عاكف وعصام العريان مع مسئولين أمريكيين، وبطبيعة الحال تمت هذه اللقاءات دون علم القاهرة، بهدف تصعيد الإخوان مقابل رعايتهم للمصالح الأمريكية فى المنطقة، لكن هذا المسار تم فرملته عندما اتحد الشعب والجيش فى يد واحدة، وجهت ضربة ساحقة لمخططات الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والإقليمية بجر مصر إلى الفوضى.