وسط فرحة كبيرة من المصلين.. حضور رسمي وشعبي واسع في افتتاح المساجد اليوم    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    زيادة جديدة في أسعار شيكولاتة «فريسكا»    انخفاض كبير ب«حديد عز» الآن.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالأسواق    وزير الاتصالات يبحث مع سفير التشيك التعاون الرقمي    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات ورفع كفاءة شوارع سيدي سالم ودسوق في كفر الشيخ    بالصور.. رئيس مدينة المنيا يفتتح مسجدين جديدين    كرم جبر: مصر تصدت بكل حزم وقوة للإدعاءات الإسرائيلية الباطلة    مقتل شرطيّين جنوب ماليزيا خلال هجوم يشتبه بأن منفّذه على صلة بإسلاميين    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    الرئيس الأوكراني يوقع قانونا يسمح للسجناء بالخدمة في الجيش    وديًا.. مودرن فيوتشر يفوز على النجوم بثلاثية إستعدادًا للزمالك    الهلال بالقوة الضاربة أمام النصر في كلاسيكو الدوري السعودي    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    تعليم الجيزة: متابعة جاهزية اللجان استعدادًا للشهادة الإعدادية    مصرع طالب طعنًا ب مطواه في قنا    السكة الحديد: إيقاف بعض القطارات أيام الجمعة والعطلات الرسمية لضعف تشغيلها    أمه خدرته لاستخراج أعضائه.. نجاة طفل فى بورسعيد من نفس مصير فتى شبرا الخيمة    زعيم السعادة 60 سنة فن    البيت الأبيض: الولايات المتحدة لا تريد أن ترى احتلالا إسرائيليا في قطاع غزة    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    بسبب تمثال للزعيم.. ليلى علوى تتعرض للسخرية من رواد "السوشيال ميديا"    غدًا.. متحف البريد يستقبل الزائرين بالمجان بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    شوقي علام: من يفتي بعدم جواز التبرع بالزكاة لحياة كريمة فقد أخطأ المنهج    صحة قنا: الكشف على 917 مواطنا فى قافلة طبية مجانية بقفط    حسام موافي يحدد أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    الأنشطة غير المصرفية تقدم تمويلات ب 121 مليار جنيه خلال فبراير الماضي    أحمد السقا: أنا هموت قدام الكاميرا.. وابني هيدخل القوات الجوية بسبب «السرب»    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    بعجينة هشة.. طريقة تحضير كرواسون الشوكولاتة    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    إعلام فلسطيني: شهيدان ومصاب في قصف إسرائيلي استهدف مواطنين بحي الزهور    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مخيم البريج ورفح بقطاع غزة    جوري بكر تعلن انفصالها بعد عام من الزواج: استحملت اللي مفيش جبل يستحمله    «المستشفيات التعليمية» تكرم المتميزين من فرق التمريض.. صور    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    البنك المركزي الصيني يعتزم تخصيص 42 مليار دولار لشراء المساكن غير المباعة في الصين    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل مازالت بحاجة لهم؟ بريطانيا والإخوان والتاريخ
نشر في صباح الخير يوم 30 - 08 - 2016


كتب: سامح عيد
لم تصبح «جماعة الإخوان المسلمون» جماعة مجهولة، بل أصبحت ملء السمع والبصر، آلاف الكتب، مئات من رسائل الدكتوراه آلاف من الباحثين فى جميع دول العالم، نحن نتحدث عن جماعة استطاعت الوصول إلى الحكم فى أهم دولة عربية وأكثرها عدداً وهى مصر، عن طريق صناديق انتخابات، لم يثبت تزوير نتائجها بشكل فج، الحكم بمعناه الكامل البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى فى هذا الوقت ورئاسة وحكومة، هذه هى النظرة التى نظر إليها العالم للجماعة، هى أيضاً جماعة عالمية لها فروع فى عدد كبير من دول العالم واحتلت موقعاً سياسياً فى عدد من الدول العربية.
نحن فى هذه الدراسة لسنا فى صدد دراسة «جماعة الإخوان المسلمون»، ولكننا نحاول رصد علاقة الجماعة بالغرب بشكل عام وبريطانيا بشكل خاص، التأثير والتأثر، الصناعة أم التوجيه.
البداية كانت فى مدينة الإسماعيلية عندما بدأ حسن البنا تكوين لبنة جماعته الأولى، كيف وصل إلى شركة قناة السويس واستطاع أخذ 500 جنيه تبرعاً من الشركة لصالح الجمعية التى كانت مشهرة فى هذا الوقت، لم يعرف أحد ما دار بينهم، حسن البنا هو من حكى فقط من طرفه، فى كتابه مذكرات الدعوة والداعية، بريطانيا فى هذا الوقت كانت دولة احتلال، ولها نفوذ كبير على الملك، فقد استطاعت إجبار فاروق عام 1942 عندما حاصرت قصر عابدين وخيرته بين تكليف مصطفى النحاس بتشكيل الحكومة أو التنازل عن العرش.. كان هناك حراك وطنى عقب ثورة 19 تكون عدد من الأحزاب السياسية وبدأ تكوين حراك سياسى دعامته طلبة الجامعة، ورغم أن تلك الحركات كانت تطالب برحيل الاحتلال والاستقلال، ولكنها كانت تنطلق من مفاهيم غربية عن الحرية والديمقراطية وليست أصولية، ولكن مع ظهور حسن البنا بدأت بريطانيا فى دعم الحركات الأصولية التى تدعو إلى إعادة الخلافة.
مع العلم أن بريطانيا اصطدمت بحركة أصولية فى نيجيريا وفى الصومال قبل هذا الموعد ب20 عاماً، ولكن لأن الغرب قد اعتاد ألا تكون أحكامه حدية مطلقة، وأنه يجب أن يطرح البدائل ويمارس التجربة، فيبدو أن الاستراتيجيات اللاحقة، أشارت بمحاولة الاستفادة من هكذا جماعات، وبالفعل فقد دعموا حركة: «حركة ديوباندى» التى تأثر بها المودودى فى الهند كما فعلوا مع حسن البنا فى مصر.. وكانت التجربة قائمة على فكرة، هل الجماعات الأصولية قادرة على محاصرة الحراك الوطنى ضد الإنجليز، وخلق صراع على الهوية، يعطى الإنجليز مساحة أكبر من الوقت ويطيل أمد الاحتلال، ونجحت التجربة نسبياً.
وعندما نتحدث عن دولة احتلال موجودة داخل البلاد ولها مستعمرات أخرى فى الخارج، كانت الحرب العالمية الأولى قد انتهت، والأجواء العالمية متوترة، ومشحونة، وكانت بريطانيا وفرنسا هما القوتان العظميان فى هذا الوقت، لم تكن لأمريكا قوة متفردة فى هذا الوقت، ولقرب أوروبا من الشرق الأوسط فقد تم تقسيم النفوذ بين الدول الأوروبية الثلاث حيث إيطاليا فى ليبيا، وفرنسا فى المغرب العربى، وبريطانيا مصر والهند، كانت العلوم الإنسانية البريطانية قد تطورت، وتجاوزت الأحكام الحدية، واتجهت إلى النسبية، وخضوع كل شىء للدراسة والتجربة، وبناءً عليه فقد سمحت لحركة أصولية بالتمدد، ربما تستطيع تقويض بها الحراك الوطنى الداعى للتحرر، خاصة أنها كانت لها تجربة مع القبائل الموجودة فى الجزيرة العربية فى صراعها على السلطة الذى انتهى بدعم بريطانى لعبدالعزيز آل سعود وكان له ارتباط بدعوة شديدة الأصولية وهى حركة بن عبدالوهاب أو الحركة الوهابية، مع اقتراب الحرب العالمية الثانية، وإشارات أن مصر ستكون جزءًا من المعركة الممتدة بين دول المحور بقيادة ألمانيا ودول الحلفاء وكانت بريطانيا من أهم دولها، التى انتهت الحرب بتغيرات فى الخريطة السياسية، وفى أثناء التحضير لتلك الحرب سعت أجهزة المخابرات بكامل قوتها للداخل المصرى، ومن الطبيعى أن تهتم الأجهزة بتيار أصولى لديه استعدادات تسليحية كبيرة، وقد تواصل حسن البنا مع الألمان، وأعتقد أن هذا كان عاملاً مساعداً للتعجيل بتكوين التنظيم السرى للجماعة، وتدريبه وتسليحه، وفى نفس الوقت فإن المخابرات البريطانية تواصلت للتأكد من تعاونه معها، ولكن البنا كان أكثر ميلاً للألمان وفى نفس الوقت لم يقطع علاقته بالإنجليز، وقد كتب مقالات أشاد فيها بشخصية هتلر القوية وقدرته على تفجير الطاقات الألمانية واعتبرها شخصية ملهمة له، حتى إن الإخوان هم من روجوا شائعات بأن هتلر أسلم ولقب نفسه بالحاج محمد هتلر، وكان الشارع المصرى فى أغلبه الأعم عاطفياً مع الألمان نكاية فى الاحتلال الإنجليزى، من منطلق عدو عدوى صديقى، وتغيرت بعد الحرب موازين القوى لتصعد أمريكا والاتحاد السوفيتى كقوى عظمى، وتتراجع دول أوروبا لتنشط حركات الاستقلال تباعاً فى الشرق الأوسط.
• أجهزة المخابرات والإخوان
بدأت أجهزة المخابرات بتشكيل وحدات وإدارات داخلها لدراسة الإخوان المسلمين ومتابعتهم أمنياً واستخباراتياً حيث سجلت المعلومات إنشاء أول تلك الأقسام فى ديسمبر 1941 بجهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية Military Intelligence، Section 6 المعروف بالاسم المختصر MI6 ، مع تأكيد أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سارت على ذات النهج فأسست فى بداية عام 1948 أول قسم لمكافحة جماعة الإخوان المسلمين على الأراضى الأمريكية.. وفى توقيت متزامن شكل جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكية هو الآخر فرعا خاصا بمكافحة جماعة الإخوان.
بعدها مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة المعروفة باسم جهاز الموساد التى تأسست بتاريخ 13 ديسمبر 1949 حيث شكلت عام 1949 مع جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى المعروف باسم الشين بيت أو الشاباك أقساما سرية خاصة لمكافحة أفكار جماعة الإخوان المسلمين المصرية.
ثم كون جهاز الاستخبارات الحربية الإسرائيلية المعروف بالاختصار «أمان» قسمه الخاص بمكافحة أنشطة وأفكار الجماعة المصرية فى يناير 1954 أكثر من هذا تنظم تلك الأفرع المتخصصة فى أجهزة استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية دورات دراسية سنوية يحضرها العشرات لدراسة الشريعة الإسلامية واللغة العربية لمدد تتراوح من عام حتى ثلاثة تؤهل الدارس للالتحاق بأفرع وأقسام مكافحة جماعة الإخوان المسلمين المصرية فى بلده.
وقد استوثقت من هذا وسألت بعض القيادات الأمنية السابقة، فأكد لى أحدهم أنه درس الحاكمية عند سيد قطب فى أمريكا والواقعة حدثت أثناء زيارة بوش الشرفية إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA بتاريخ 18 سبتمبر 2007 عقب دعوته للاحتفال مع الوكالة بعيدها الستين بصفته مديرا سابقا لها خلال الفترة من 30 يناير 1976 حتى 20 يناير 1977.
وقد سألهم جورج بوش الأب يومها فى خطابه الشخصى مستعلما عن التطوير الذى شهدته CIA منذ رحيله، قائلا: «سمعت أن لديكم عناصر من جماعة الإخوان المسلمين المصرية؟ أين هم الآن؟»، عندها ضجت قاعة الاستقبالات الرسمية بالضحك والتصفيق الحاد فى مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA فى ضاحية لانجلى بولاية فيرجينيا المجاورة للعاصمة الأمريكية واشنطن.
حادثة مشابهة نقلت عن سجلات أرشيف جهاز الموساد الإسرائيلى من عام 1952 وأثناء حفل توديع رئيس الجهاز الأول «رؤوفين شيلواح» الذى شغل مهام منصبه خلال الفترة من 13 ديسمبر 1949 حتى 22 سبتمبر 1952، توجه شيلواح الأب الروحى للموساد برسالة خاصة قرأها على ضباط الجهاز الأوائل من بين المؤسسين الذين تجمعوا مع شباب الجهاز لوداعه تضمنت وصيته المهنية قال فيها: «أوصيكم الاهتمام الخاص بقسم مكافحة جماعة الإخوان المسلمين المصرية الجديد الذى أقمناه معا من أجل دولة إسرائيل. نريد ممن يتخرج فيه أن يكون إخوانيا كاملا لكن ولاءه الوحيد لإسرائيل».
هذا لا يعنى أن تلك الأجهزة كانت تخشى أو تواجه كما يحلو للإخوان أن يصنفوها، على أساس أن أجهزة المخابرات تعاديهم، بل على العكس، فهذه الأجهزة كانت تريد أن تخترق، لتستفيد وتأمن وفى نفس الوقت توجه، وكلام بوش الأب يوحى بشكل من التأكيد على اختراق الأجهزة للتنظيم، وكان سؤاله يعنى، هل وصل أحد عملائنا لمنصب المرشد أم لا، أو على الأقل لعضوية مكتب الإرشاد، ولدى شك أقرب لليقين أن هناك من هم داخل مكتب الإرشاد عملاء لأجهزة استخبارات خارجية، لأن ما حدث فى رابعة كان ضد خبراتنا مع الإخوان سابقاً ومع تاريخهم فى الصدام مع السلطة، وضد مصالحهم المباشرة، بمعنى أن الإخوان على مدار تاريخهم، لا يدخلون فى صدام غير متكافئ مع السلطة، ولكنهم كانوا دائماً يستسلمون، بالمعنى الشعبى «يطاطوا للموجة» عندما تكون عالية، براجماتيتهم تدفع بهم لذلك دائماً، بما يعنى أن التغيير كان تحت توجيه غربى بكل تأكيد.
• أسماء فى الأجهزة
وقد سألت أحد رجال أمن الدولة السابقين، هل اخترقتم مكتب الإرشاد، فقال لى إن كان هذا حادثاً، فإن تلك المعلومة ستكون لدى رئاسة الجهاز فقط، ولكن على مستويات أقل كان لدينا عناصر داخل التنظيم، وقال بعض الأسماء، ولكنه أكد لى أن كل ما يحدث داخل مكتب الإرشاد كان يسجل، ولا نظن أن أجهزة المخابرات الأخرى كانت أقل كفاءة من الأجهزة المصرية فى القدرة على الاختراق.. وعموماً فبعد الثورة وقع كثير من أوراق الجهاز فى أيدى الإخوان أنفسهم، ونشروا أوراقًا فى بعض المحافظات تكشف بعض العناصر الموجودة داخل التنظيم وعميلة للجهاز الأمنى، وشطبوا على أسماء ربما لأهميتها أو لمستواها التنظيمى حتى لا يؤثروا على الصف الداخلى.
وما يحدث الآن على المستوى العالمى من ضغوط تمارس على مصر، لإدماج الإخوان مرة أخرى فى العملية السياسية، والتوافق الكامل بين الإخوان والغرب فى فترة حكم الإخوان، بل والتوافق الكامل بما يخص أمن إسرائيل، وما يجرى الترتيب له فى المنطقة، فى إطار استراتيجية الشرق الأوسط الجديد.
فقد ذكر المؤرخ البريطانى «هيوارث دون» فى كتابه «الدين والاتجاهات السياسية فى مصر» أن حسن البنا قد ألمح خلال اتصالاته مع السفارة البريطانية «أنه على استعداد للتعاون، وسيكون سعيداً لو أن مساعدة مالية قدمت إليه»، وعندما قامت وزارة إسماعيل صدقى - المعروف بتعاونه مع البريطانيين - بإبرام معاهدة «صدقى - بيفن» التى عارضها الشعب المصرى بقوة، وقف مصطفى مؤمن - مسئول الطلاب فى مكتب الإرشاد - دون أدنى خجل أو حياء معلناً تأييد الجماعة لإسماعيل صدقى، مستخدماً الآية القرآنية الكريمة «وأذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان صديقا نبيًا»، بل شبَّه هذه المعاهدة بصلح الحديبية الذى عقده الرسول صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش قبل الفتح.
كما رافق حسن البنا مساعد حكمدار القاهرة فى سيارته ليعمل على تهدئة المظاهرات التى اندلعت ضد هذه المعاهدة.
أما السيد محمد حامد أبو النصر المرشد الأسبق فى كتابه «حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر» الذى طبع عام 1987 ص 29: 31، اعترف قائلاً: «إنه كان يلقى بتعليمات ومتابعة من حسن البنا فى بلدته منفلوط بضابط المخابرات البريطانى «باتريك» والميجر «لاندل»، وأن حسن البنا أرسل بنفسه رسالة باللغة الإنجليزية سلمها محمد حامد أبو النصر إلى الميجر «لاندل» فى منفلوط.. وأن الوزير البريطانى المسئول عن الشرق الأوسط ومعه سفير بريطانيا فى مصر ووفد من دار السفارة زاروا المركز العام للإخوان المسلمين بالقاهرة، وتقابلوا مع الإمام حسن البنا، وعرضوا معونة مالية كبيرة وسيارات وتبرعات أخرى للجماعة»، وقد ذكر حامد أبو النصر فى كتابه هذا باعتزاز شديد أن ادارة السفارة البريطانية بعد هذه الاتصالات كانت تضع صورة للإمام الشهيد حسن البنا وتكتب عليها أخطر رجل فى العالم، وإن كان قد قال إن حسن البنا قد رفض التبرعات.
قال الدكتور روبرت لامبرت رئيس وحدة الاتصال بالمسلمين فى مجلة نيو استيتسمان فى 5 ديسمبر 2011 يجب أن تفخر بريطانيا بنجاحها فى توفير ملاذ آمن لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين خلال العقود الثلاثة الماضية. كثير من هؤلاء الإخوان جاءونا هاربين من السجن والتعذيب فى بلدان يحكمها مستبدون فاسدون دعمهم الغرب بقوة حتى جاء الربيع العربى، الآن بعض هؤلاء يعودون إلى بلدانهم الأصلية للمساعدة فى بناء الديمقراطيات الجديدة ويحصنون بلدانهم ضد ديكتاتوريات محتملة فى المستقبل فى العالم العربى.. وللعلم فقد استضافت بريطانيا لكثير من المتطرفين تحت بند اللجوء السياسى منهم هانى السباعى صاحب مركز المقريزى، وأبو حمزة المصرى وأبو قتادة وأبو قتيبة وإن كانت رحَّلت الأخيرين على ذمة قضايا إلى الأردن وإلى أمريكا وعلى مدار فترات طويلة كان هؤلاء يحرضون ويبثون خطابات الكراهية من فوق منابر لندن، وضد الغرب نفسه.. وقد أفرج السادات عن الإخوان المسلمين فى السبعينيات بناءً على توصية من الأمريكان نقلها له رئيس المخابرات السعودية كمال أدهم وقتها فى العام 72.
ولم تكن ضغوط أمريكا على مصر فى عهد مبارك خافية على أحد لتطبيق الديمقراطية والسماح للإخوان المسلمين بالعمل السياسى خاصة بعد تواصلهم مع الأمريكان بشكل مباشر، بعد وساطة الدكتور سعد الدين إبراهيم كما اعترف هو نفسه بذلك وقال إنه كان بناء على طلب الإخوان عندما قابلهم بالسجن.
كثير من اجتماعات التنظيم الدولى للإخوان منذ تدشينه فى العام 82 وحتى آخر لحظة، كانت تقام فى العاصمة البريطانية لندن، وبعد ثورة يونيو، سمحت بريطانيا لهم بعمل كثير من المؤسسات والهيئات ومنها كريكل وود فى شمال لندن، حيث أداروا حملة إعلامية من هناك ضد الحكومة المصرية.
• المكان الطبيعى للإخوان
ووصفت مجلة فورين بوليسى الأمريكية لندن بأنها «المكان الطبيعى لجماعة الإخوان خارج مصر»، فهى بالفعل المقر الرئيسى لموقع «إخوان أون لاين» باللغة الإنجليزية منذ تأسيسه عام 2005، لتقديم الجماعة كتنظيم صديق للغرب. كما أن لندن كانت مقراً لما سمى «مركز المعلومات العالمية» الذى أسسته الجماعة فى التسعينيات بهدف توصيل رسالة الجماعة إلى وسائل الإعلام فى العالم، وفيها يقيم المتحدث باسم الإخوان لأوروبا، إبراهيم منير، خلفاً لكمال الهلباوى الذى عاش هناك أيضا لسنوات. كما أن جمعة أمين، قد سعى قبل وفاته للحصول على اللجوء السياسى. وفيها أقام خيرت الشاطر عدة سنوات فى منتصف الثمانينيات، وهناك زامل عصام الحداد، الذى قضى سنوات معه هناك نقلاً عن جريدة الوطن.
• أخطر مؤامرة
وأخطر مؤامرة حدثت ومازالت تؤرق العالم حتى الآن، هو الاتفاق المصرى السعودى الأمريكى على الحرب فى أفغانستان، وقد كانت هذه الفكرة، هى فكرة المخابرات الألمانية فى الأربعينيات، وقد ارتأوا وقتها أن الذى يصلح لتقويض الاتحاد السوفيتى، هو تيار أصولى متعصب، وبما أن الغرب فقد أصوليته السابقة، واقترب من العلمانية أكثر، فإن الأصولية القادرة على القيام بهذا الدور هى الأصولية الإسلامية ومن هنا نشأت العلاقة بينه وبين الإخوان فى مصر، والتقط الخيط بعد ذلك المخابرات الأمريكية والبريطانية لينفذ فى 79 أكبر جريمة فى حق الأمة العربية والعالم، حيث وجدت مصر فى هذا تخلصاً من الجماعات الإسلامية ظناً منها أن الروس سيفتكون بهم هناك، أما أمريكا، فهى فى صراع ممتد مع الاتحاد السوفيتى، وكنا نحن وقود تلك المعركة، ونسينا عدونا الأصلى إسرائيل، لنذهب لحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، تحت مزاعم النساء يغتصبون الأطفال يقتلون وحى على الجهاد وواه معتصماه، هذه الاشتغالات التى احترفها المتاجرون بالدين، وقد قام العالم العربى وقتها بجمع أموال طائلة من المواطنين تحت رعاية الدولة، حتى قال لى أحد المشاركين فى قلب المعركة فى أفغانستان وأصيب فى الحرب، لقد قمنا بحملة لجمع التبرعات من الكويت ولم تكن تكفى الشنط لحمل الدولارات التى جمعناها، فوضعناها فى أجولة، ولم تكن تلك الأموال لها سجلات، بما جعل جزء منها يذهب للحرب، والجزء الآخر يذهب لتدعيم تلك الجماعات مالياً وعسكرياً، وبعد أن كان أفراد الجماعات الإسلامية فى السبعينيات يسرقون محلات الذهب لشراء السلاح التقليدى، أصبح لديهم الأموال لشراء أسلحة ثقيلة واجهوا بها الدول بعد ذلك وأصبحت مستوياتهم القتالية أعلى، لأنهم تدربوا على أيدى الأمريكان، بل تدربوا أيضاً على يدى رجال صاعقة وقوات خاصة مصرية سابقين، ونحن الآن مازلنا فى مواجهة الجيل الثالث لأفغانستان، الأكثر كفاءة والأكثر عنفاً ودموية بعد تراكم الخبرات وتسجيلها فى كتب كما فى كتاب إدارة التوحش لأبو بكر ناجى، وحرب العصابات لأبو عبيدة، وهى أسماء حركية بالطبع.
والمخابرات البريطانية هى من أطلقت «راديو كابول الحرة» فور الغزو السوفيتى لأفغانستان عام 1979. ومن أشرف عليه هو اللورد «نيكولاس بيت هيل»، مسئول مخابرات جهاز MI6 عن الشرق الأوسط والاتحاد السوفيتى. كما أن هذا اللورد هو من أسس أيضاً ما يعرف ب«لجنة أفغانستان الحرة» فى عام 1981 فى أعقاب زيارة قامت بها رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر وابيت هيلب إلى الولايات المتحدة، وكان الهدف منها دعم المجاهدين. وقدمت الأموال من خلال هذه اللجنة لأجنحة «بيشاور السبعة» التى ضمت كل المجاهدين. وكان لأسامة بن لادن مكتب فى لندن يدير من خلاله أنشطة الجهاد من خلال ما عرف بلجنة الجهاد وقتها التى ضمت الجماعة الإسلامية فى مصر، وتنظيم الجهاد فى اليمن، وجماعة الحديث الباكستانية، وجماعة الأنصار اللبنانية، والجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، ومجموعة بيت الإمام فى الأردن، والجماعة الإسلامية فى الجزائر.
ويقول «مارك كورتيس» فى كتابه «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع المتطرفين الإسلاميين». الذى اعتمد على الوثائق السرية الرسمية التى أفرجت عنها الحكومة البريطانية فقد حدث أول اتصال مباشر ومعلن بين مسئولين بريطانيين والإخوان فى عام 1941 ويشير «كورتيس» فى كتابه إلى أنه بحلول عام 1942، بدأت بريطانيا على وجه اليقين فى تمويل الإخوان.
فى 18 مايو 1942 عقد مسئولو السفارة البريطانية اجتماعا مع وزير المالية المصرى أمين عثمان باشا، نوقشت فيه العلاقات مع الإخوان واتفق على أن «حكومة الوفد ستدفع سرا مساعدات مالية لجماعة الإخوان، بالإضافة إلى مساعدات أخرى للجماعة ستقدمها السفارة البريطانية، على أن تقوم الحكومة المصرية بزرع عملاء لها داخل الجماعة لمراقبة أنشطة الجماعة عن كثب وإطلاع الجانب البريطانى على هذه المعلومات.. ونحن، من جانبنا، سنطلع الحكومة على أى معلومات (تتعلق بالجماعة) نحصل عليها من المصادر البريطانية.
• الإخوان وفترة حكم مبارك
ولم يفقد الإخوان أهميتهم للندن فى فترة حكم الرئيس مبارك، فقد حرصوا دوماً على الاتصال بقادة الجماعة، خصوصاً بعدما بدأ يتصاعد القلق على مصير نظام «مبارك». ويوضح خطاب أرسله السفير السير ديريك بلامبلى، السفير البريطانى فى القاهرة، إلى السفير السابق فى القاهرة جون سويرز، بتاريخ يونيو 2005 (تسرب إلى مجلة نيوستيتسمان البريطانية، التى نشرته فى 20 فبراير 2006)، أن الهدف من الاتصال بالإخوان فى مصر هو التحسب لما يحدث بعد مبارك.
وكان الفرنسيون هم أول من أطلقوا على العاصمة البريطانية «لندنستان» فى التسعينيات، بسبب عدد الجماعات المتطرفة التى تؤويها لندن تحت حماية حكومتها وأجهزة مخابراتها. فى هذه الفترة بدأت أجهزة الأمن الفرنسية تشعر بالقلق والإحباط جراء وجود متزايد للإسلاميين الجزائريين، الذين استخدموا لندن كقاعدة خلفية لشن حملة إرهابية ضد فرنسا. كانوا فى الغالب ينتمون ل«الجماعة الإسلامية المسلحة»، التى اغتالت الرئيس الجزائرى «محمد بوضياف» فى يونيو 1992.
• المؤامرة بين الوهم والحقيقة
هناك مبالغات كثيرة تحدث هذه الأيام فى موضوع المؤامرة، ولكن هناك أجهزة مخابرات لكل دول العالم، وهى مهتمة بالشئون الخارجية، ومهمتها حماية أمنها القومى، ومن هذا المنطلق، فدورها جمع معلومات عن الدول التى تمثل تماس معها، هذه الدول تحاول القيام بمهامها تجاه شعبها ووطنها وهذا الدور فى جوهره الأساسى، هو توفير حياة كريمة لمواطنيه، وياحبذا لو تجاوز ذلك إلى حياة رفاهية، ومن ضمن الرفاهية الاطمئنان والأمن والأمان، وفى سبيل ذلك فهى تدرس المجتمع الخارجى، وتحاول التحسب لأى شىء يضر أمنها ويؤثر على رفاهيتها، وفى نفس الوقت استغلال كل المواقف والحركات لمصالحها، ولكن ما يجب أن نلفت النظر إليه هو أن المصالح لا تتعارض فى كل الأمور، بل أحياناً مصالحنا كعالم ثالث، كثيراً ما تتقاطع مع المجتمع الغربى، فليس من العقل أن نقف ضد مصالحنا المباشرة، لأن الغرب يساعدنا فيها، فقط لأنها قادمة من الغرب، فعلى سبيل المثال، فى الجانب الصحى، فقد ساعدونا فى إنهاء مرض شلل الأطفال، لأن إنهاءه فى العالم، سيمنع نقل عدواه ويقضى على المرض نهائياً، أيضاً قبول بعثات المصريين وتعليمهم فى جامعات الغرب الذى بدأ مبكراً مع رفاعة الطهطاوى ورفاقه، كان مصلحة مشتركة، فمن جانبنا أصبح لدينا قامات علمية صنعت نهضة وتعليمًا فى مصر، جعلها رائدة فى الشرق الأوسط، وناقلة للعلم بعد ذلك، قبل أن نتراجع تعليمياً فى العقود الأخيرة، وكان الغرب يستفيد فى محاولة تنميط مجتمع، سيكون مستهلكاً بعد ذلك للمنتجات الغربية، من ملابس وديكورات وأسلوب حياة، فمن المؤكد أن بيوت الطين التى كانت تملأ الريف المصرى، غير مستهلكة لسنت واحد من المنتجات الغربية، وانظروا إلى الريف الآن، حيث المنازل أصبحت على الطراز الأوروبى، لأن المجتمع الغربى بعد الحرب العالمية الثانية، وصل إلى قناعة، أن الحرب والسيطرة العسكرية هى أسوأ الطرق للاستفادة من الدول الأخرى، وأن هناك بدائل أخرى أكثر نجاعة، وهو الامتصاص الطوعى لمقدراتك، بحيث تكون دولة مصدرة للمواد الخام، ومستوردة للمنتجات الغربية، فهو يؤثر فى نمط استهلاكك من ناحية، ويعوق قدراتك على التصنيع من جهة أخرى.. ولذلك كانت مواجهة غاندى ناجحة، سيقاطع المنتجات الغربية وسيحارب النمط الغربى فى العيش، وقاد المقاومة السلمية حتى نال الاستقلال.. وقد كان غاندى باللبس الغربى قبل أن يقاطع ويبدأ ما يعرف بثورة الملح والمجتمع الغربى ليس كتلة واحدة، فمن منطلق علمانيته، فقد استقطب كثيرًا من العرب والمسلمين، وأقام لهم المساجد، وأعطاهم الجنسيات، وسهل لهم طرق العيش والتقدم، فمن جهة هى عملية سرقة للعقول العربية، ولكنه من جهة أخرى قدم لك خدمات اقتصادية وعلمية قيمة، ولم يكن كلهم عقول فذة، ولكن كثيرًا منهم من العمالة العادية، وحتى تلك العقول، كانت ستقتل تحت أنظمة استبدادية شمولية فى مصر وغيرها من الدول، ولذلك فتعارض المصالح ليست هى الأساس، وتداخل المصالح وتوافقها يتوفر فى كثير من الأحيان، وعلينا أن نكون يقظين فى المجمل، لتحقيق مصالحنا وتجنب الأضرار عند تعارض المصالح.
وجهاز المخابرات الذى لا يتآمر لتحقيق مصالح وطنه، فهو جهاز خائن لبلده حتى ولو بالإهمال والتراخى، فالتآمر حق مشروع لأى وطن، والخيبة هى أن تستسلم وتخضع لمؤامرات الآخرين ليحققوا مصالحهم على حسابك.
كما يحدث عندما نحارب بعضنا البعض، بأسلحة الغرب، لتتضخم ثروات الغرب وتزداد رفاهيته، وتزداد أنت بؤساً وخراباً وضعفاً.
ما قصدته من هذا المقطع أن لا نصدر الكراهية للقابعين فى الغرب، حتى لا يكونوا قنابل موقوتة، فأوروبا طبقاً لآخر إحصائيات يتجاوز المسلمون بها الخمسين مليون نسمة، وفى إنجلترا تجاوز عدد المسلمين الثلاثة ملايين نسمة، وعليهم أن يندمجوا فى المجتمع الغربى ويشاركوه أحزانه وأفراحه آلامه وأحلامه.
عمليات الإرهاب فى بريطانيا
هل نحن أحجار على رقعة الشطرنج؟
هل يصنع الغرب الإرهاب أم يوجهه؟
هل 99% من أوراق اللعبة مع الغرب؟
هل أى رئيس قادم فى العالم العربى يجب أن يٌقبِّل العتبات المقدسة فى البيت الأبيض، كما نوَّه مصطفى الفقى فى مصر؟
هل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى أحد توابع الإرهاب؟
هل الغرب هو من حضَّر العفريت؟
واللى يحضر العفريت يصرفه يتحمل أذاه
نبالغ كثيراً فى قدرات الغرب، أو هم من نشروا هذا من منطلق الحرب النفسية ضدنا، ونجحوا بشكل كبير، لا أعتقد أنه بعد الحرب العالمية الثانية وأخيراً بعد الحرب على العراق وأفغانستان، فقد أصبح الغرب، يحاول إدارة الواقع لا صناعته، وقد رأينا كيف أن إسرائيل التى انتصرت على جيوش عربية مجتمعة، كيف هٌزِمتْ أمام حزب الله فى لبنان فى 2006 وأمام غزة فى 2008
• من صنع داعش؟
فلا نستطيع أن نقول إنها صنعت الإرهاب أو صنعت داعش فهذه مبالغة، فالأصولية والتشدد قادم من أفكارنا التقليدية، ومن كتبنا العتيقة، يؤججه واقع مؤلم فى ظروف بيئية مناسبة تساعد على انتشاره، فعندما يشعر المسلم العربى بالظلم والغبن من الاستبداد من جهة، ومن الغطرسة الإسرائيلية والمساعدة الغربية لها، فيصاب بما يسمى جرح الكبرياء على المستوى الحضارى وعلى المستوى الدينى، تلك الظروف تكون عوامل تهيئة، لخضوع الفرد تحت تأثير أى سيالات عاطفية خاصة لو كانت دينية، تنشأ الفكرة تتحرك، ربما تكون الأدوار اللاحقة هو توجيهها، بعيداً عنا من وجهة نظر المخابرات الغربية التى تعمل لمصالحها.. فقناعتى الشخصية أن الغرب لم تحضر عفريتاً، فالعفاريت نشأت لدينا وموجودة عندنا، ولكن ربما حوله الغرب من عفريت صعلوك، لمارد كبير.. عشرات العمليات الإرهابية طالت الغرب، ولكن بريطانيا وهى موضوع حديثنا اليوم كانت الأقل فى عدد الحوادث، ربما لجهازها الأمنى الأقوى، وربما لاحتضانها لكثير من الهاربين، جعلتها فى تحالف ضمنى خفى مبدأه عيب متعضش الإيد اللى اتمتدت لك فى وقت شدة.
ولكنها فى العام 2005 كانت على موعد مع الإرهاب
فى صباح يوم 7 يوليو 2005م، قام 4 من المتشددين بتفجير أنفسهم، ثلاثة منهم تمت فى محطات قطارات الأنفاق والانفجار الرابع تم فى حافلة نقل عام مكونة من طابقين.
التفجيرات تسببت فى مقتل 50 شخصًا، وإصابة 700 آخرين.
أعقبها قرارات من تونى بلير بالتوقيف لمدة 6 أسابيع، هنا نتحدث عن حياة تتهدد، عن نمط حياة معرض للتراجع، عن أمن ورفاهية معرضة للاهتزاز، وهذا حدث بقوة مع أحداث فرنسا وبلجيكا وألمانيا وأمريكا، حقيقة، فالغرب يتجرع من كأس شربناه جميعاً، ولكن للعلم فأثره بالغ علينا وعلى الدين نفسه، فالأبحاث التى قامت بها جمعيات إسلامية، كشفت عن ضرر بالغ وتأثر نفسى لدى المسلمين، ومن ضمنها ارتفاع معدلات التشكك فى الدين أو عدم الارتياح كما وصفها التقرير وصلت إلى 80% كما تقول الدراسة، فلا مجال للشماتة إذاً، فالهم طايلهم وطايلنا، وعلينا التكاتف لا الاستخفاف والشماتة، نظام مش قولنالك، وربما تحاول بعض الأنظمة استغلالها لدعم الغرب للاستبداد والقمع على أساس أنه استبداد وقمع للإرهاب، رغم أنه من لبنات البيئة الخصبة لنموه وتشبثه.
فى بداية عهد براون ضبطت عدة أعمال إرهابية لعمليات متسلسلة، إحداها كان صدفة إذ أصيب القائمون على العملية أثناء الاستعداد لتنفيذها.
ونستطيع أن نجزم أن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى هو من توابع الإرهاب، فالأحداث الإرهابية التى ضربت فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وكذلك اللاجئين السوريين وهى أحد تجليات الإرهاب فى سوريا، الذين تحملت أوروبا جزءًا من فاتورتهم، كل هذا كان عامل ضغط على البريطانيين، لقبول الانفصال عن الاتحاد الأوروبى، رغم المصالح الاقتصادية الجمة التى كانت تحققها بريطانيا من هذا التحالف، وهذا هو أذى العفريت أو المارد الذى تتحمله بريطانيا اليوم ولا تستطيع أن تتفاداه، ومازالت الأحداث تتوالى، ومازالت جعبة القدر ممتلئة ودروس التاريخ لا تنتهى.
• الفيلم الهندى البريطانى (shoot on sight)
ما هو دور السينما فى الأحداث؟
هذا الفيلم أنتج عام 2007 بعد أحداث 2005 بعامين.. هذا الفيلم يتحدث عن المسلمين فى بريطانيا، وكيف يتم استقطابهم من قبل الجماعات المتشددة، وكيف يتحول طلاب علم متميزين وفائقين إلى انتحاريين، وقد جسد باحتراف اللغة العاطفية التى يستخدمها المشايخ واللعب على المظلومية الحضارية والتاريخية وعلى جرح الكبرياء العقائدى والحضارى، ويتحول شاب، استقبله العالم الغربى ووفر له فرصاً سانحة للمستقبل، ولكنه يرفضها بكل صلف وينتحر ليقتل مدنيين، المشكلة فى سينما من هذا النوع، أنها تحول المفاهيم النخبوية إلى مفاهيم للعامة، وفى الوقت الذى أرفع فيه القبعة لصناع الفيلم على مستوى السيناريو والإخراج والتمثيل، ولكنه فى نفس الوقت كشف واقعنا المرير، وجعل المسلمين أمام أعين المواطن، هم محل شك، والمسلم هو مسجل خطر لدى المجتمع الغربى ، وأنه لا يغرك زيه الغربى ولا براءته ووداعته وتحضره، فإنه يحمل فى قلبه نقطة سوداء، ستحوله إلى انتحارى يقتل المدنيين فى لحظة.
• التقرير البريطانى فى عام 2015
لماذا جاء التقرير مائعاً؟
هل مازال الغرب فى حاجة إلى الأصولية؟
شكل كاميرون لجنة وعملت على مدار عام ونصف بشكل جدى، ونستطيع أن نقول إنها بذلت مجهوداً كبيرًا، ووصلت إلى حقيقة أفكار حسن البنا ومن بعده سيد قطب، ووصلت إلى جوهر الأفكار المتطرفة، ورصدت الأعمال الأخيرة للإخوان ودرستها جيداً وحللتها واستمعت إلى شهادات وقد استعانت بباحثين غربيين وعرب من بينهم فوزى صالح. ومما قالته اللجنة أوضح أنه أجرى تقييماً لوجهات نظر الإخوان المسلمين بشأن العنف والإرهاب، ولجوء الإخوان المسلمين فى مصر وفروع أخرى تابعة لهم إلى أعمال العنف، مؤكداً خلال تقريره أن حسن البنا قبل باستغلال العنف لأغراض سياسية، ونفذت الجماعة خلال حياته اعتداءات، بما فيها اغتيالات سياسية ومحاولات اغتيال ضد أهداف من رموز الدولة المصرية وضد مصالح بريطانية ويهودية.
وأضاف فى تقريره أن أبرز منظرى الإخوان سيد قطب تبنى أفكار المنظر الهندوباكستانى أبو الأعلى المودودى، مؤسس الحزب الإسلامى «الجماعة الإسلامية» لترويج عقيدة التكفير، وبناء عليه أعلن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، أن التحقيقات التى تجريها بلاده حول التطرف أظهرت علاقات غامضة للإخوان مع جماعات العنف والإرهاب.
• نتائج التحقيق
وأكد رئيس الوزراء البريطانى، أن التحقيق أظهر أن أى علاقة مع الإخوان أو التأثر بهم تعد مؤشرا على التطرف، كاشفا عن أنه سيتم تكثيف المراقبة على أنشطة وآراء جماعة الإخوان وأنصارها فى الخارج.
مؤكدا أنه ثبت بعد مراجعة أجرتها الحكومة البريطانية، ارتباط الجماعة الوثيق بالتطرف المشوب بالعنف، وأضاف كاميرون أن نتائج المراجعة خلصت إلى أن الانتماء إلى جماعة الإخوان أو الارتباط أو التأثر بها مؤشر محتمل للتطرف، وأصبحت الجماعة كفكر وكشبكة نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات ممن انخرطوا فى العنف والإرهاب».
وهنا يطرح السؤال نفسه، لماذالم تصنف بريطانيا الجماعة بإنها إرهابية بشكل واضح وصريح، هل مازال الغرب فى حاجة إلى الأصولية لتحقيق أغراض ومآرب أخرى.
بالتأكيد فمازالت المنطقة فى حالة سيولة كبيرة، والجماعات الأصولية تمددت وانتشرت وكثرت تنوعاتها وتبايناتها، وإذا كانت المنطقة مقدمة على حرب مذهبية شيعية سنية، فهى فى حاجة إلى الأصولية لمد أجلها، فمن غير المنطقى أن تدخل تيارات علمانية ويسارية فى حروب طائفية، وإذا كان الغرب فى حاجة إلى التعامل مع جماعات متطرفة، وحاول ترتيبهم الأولى فالأولى، فإن جماعة الإخوان المسلمين ستكون فى المقدمة لعدة أسباب، أولاً، أنها الأكبر من حيث العدد، والأكثر اتساعاً، ثانياً، أن الانضباط لديها هو الأعلى والأكثر، والسمع والطاعة من القاعدة للقيادة هو الأعلى تطبيقاً، وثالثاً، أنهم برجماتيون ومن السهل التفاهم معهم، وتبادل مصالح بمصالح السبب الرابع أنهم تحت السيطرة، آندر كنترول، ردود أفعالهم محسوبة، ومن الصعب الخروج على النسق، السبب الخامس، أنهم الأقدم، وأنهم الأكثر اختراقاً سواء من أجهزتنا أو من أجهزة صديقة، نستطيع معرفة ما يفكرون فيه والتنبؤ أيضاً بما يفكرون فيه.
إذاً فالدراما لم تنته فصولها بعد، ومازالت أمامنا أحداث مثيرة سينتجها التاريخ، ولا أحد على الأرض يتحكم فى السيناريو بشكل كامل.•


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.