محافظ المنوفية يعتمد تنسيق القبول بالثانوي العام والرياضي ب 230 درجة للعام    محافظ المنيا يوجه بإعانات عاجلة للأسر الأكثر احتياجا    محافظ الدقهلية يوجه بسرعة الانتهاء من تطوير كورنيش شربين على النيل    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يخطر بهدم ووقف بناء منازل ومحلات غرب الخليل    الخارجية الفلسطينية تطالب بتحرك دولي عاجل لردع العدوان الإسرائيلى على القدس والأقصى    تخفيض سعر تذكرة مباراة تشيلسي وفلومينينسي في مونديال الأندية إلى 13 دولارا    فريدة خليل تتوج بذهبية نهائي كأس العالم للخماسي الحديث    النيابة العامة تأمر بحبس قائدي 3 سيارات نقل تعمدوا تعريض حياة المواطنين للخطر    تفاصيل طقس اليوم 2025.. الظواهر الجوية بالمحافظات    كريم عبد العزيز ينفرد بصدارة نادي ال100 في شباك تذاكر السينما المصرية ب4 أفلام    الحبس سنتين لثلاثة متهمين في قضية معامل التحاليل الوهمية والاستيلاء على أموال نقابة الصحفيين    بعد امتلاء البحيرة، باحث بالشأن الإفريقي يكشف: إثيوبيا تملأ خرانا جديدا مع سد النهضة    بايرن يوضح تفاصيل إصابة جمال موسيالا    الصحة: مرض الجذام لا ينتقل بسهولة والعلاج متوفر مجانا    أخيرا.. زوبيمندي إلى أرسنال    محافظ الدقهلية يوجه بسرعة الانتهاء من تطوير كورنيش شربين على النيل    هاني حليم القيادي بحماة الوطن: مشاركة مصر في قمة بريكس تعزز فرص فتح أسواق جديدة للصادرات    وزيرا خارجية إيران وفرنسا يبحثان هاتفيًّا تطورات المنطقة بعد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة    قريبًا الإعلان عن نتائج النسخة الثانية من مسابقة "ترجم.. إبدع"    مصدر من اتحاد الكرة ل في الجول: منتخب مصر الثاني يقترب من مواجهة سوريا وديا    جلسة عاجلة أمام القضاء للمطالبة بصرف منحة استثنائية لأصحاب المعاشات    بعد تطبيق قانون الإيجار القديم؟.. اعرف هتدفع كام؟    رفع قيمة وثيقة التأمين من الحوادث للمصريين بالخارج إلى 250 ألف جنيه    تطوير السكة الحديد.. ما الذي حققته النقل في 11 عامًا؟ - صور    ميتسوبيشي تطلق سيارتها Grandis الجديدة في الأسواق.. صور وتفاصيل    "أراك قريبا والرحلة لن تنتهي".. فينجادا يوجه رسالة قوية ل شيكابالا    كهرباء الإسماعيلية يكشف لمصراوي كواليس صفقة أوناجم    19 مرشحًا لانتخابات مجلس الشيوخ يخضعون للكشف الطبي في أسيوط    ما موقف طالب الثانوية العامة المتخلف عن موعد أداء اختبارات القدرات 2025؟    لو هتطلع مصيف لمطروح بالقطر: اعرف مواعيد القطارات من القاهرة والعكس    إعدام 13 طن أغذية فاسدة خلال حملات رقابية مكثفة بالمنيا    كلية الألسن بجامعة الفيوم تعلن عن وظائف شاغرة لأعضاء هيئة التدريس.. تعرف على الشروط والأوراق المطلوبة    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض اللحوم والبيض وارتفاع الذهب    الخميس.. لطيفة تطرح أغنية سوري من ألبوم قلبي ارتاح    قصور الثقافة تنظم يوما ثقافيا ضمن مشروع جودة الحياة بالمناطق الجديدة الآمنة    «يساعدونك على حل مشاكلك بهدوء».. أكثر 5 أبراج تفهمًا للغير    سلاح الجو الأمريكي يعترض طائرة فوق نادي ترامب بولاية نيوجيرسي    "معلومات الوزراء" يكشف تفاصيل أول جهاز تنفس صناعي مصري    تظهر في العين.. أعراض تكشف ارتفاع نسبة الكوليسترول بشكل خطير    حزب أمريكا.. إيلون ماسك يستهدف عددا قليلا من المقاعد فى الكونجرس    ورش للأطفال عن السمسمية والأمثال الشعبية ضمن مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها"    البحوث الإسلامية يطلق سلسلة الأطفال المرئية (أخلاقنا الجميلة) لتعزيز الوعي القيمي والتربوي    أرسنال يعلن ضم الإسباني مارتن زوبيمندي من ريال سوسييداد    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بالدقهلية    مسؤولون: ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات تكساس إلى 50 شخصًا    «المصري للتأمين» يكشف دوره في دعم السلامة المرورية    أحدث ظهور ل«هالة الشلقاني» زوجة الزعيم عادل إمام    الصحة تنظم برنامجا تدريبيا في أساسيات الجراحة لتعزيز كفاءة الأطباء    «الداخلية»: ضبط سائق نقل ذكي تحرش بسيدة خلال توصيلها بمصر الجديدة    بيراميدز يكشف موقفه من ضم ثنائي الزمالك    محافظ الدقهلية:إحالة مديرة مستشفى مديرة للصحة النفسية للتحقيق لعدم تواجدها خلال مواعيد العمل    حياة كريمة توزع 2000 وجبة سبيل بمناسبة يوم عاشوراء    «كان بيتحكيلي بلاوي».. .. مصطفي يونس: الأهلي أطاح بنجلي بسبب رسالة ل إكرامي    دعاء الفجر | اللهم ارزقني سعادة لا شقاء بعدها    وداع مهيب.. المئات يشيعون جثمان سائق «الإقليمي» عبده عبد الجليل    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    آل البيت أهل الشرف والمكانة    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد زيادة يروي حكاية فيصل
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 07 - 2012

الدكتور خالد زيادة مفكر وباحث تاريخي مبدع‏,‏ بعثته لبنان ليكون سفيرا لها في القاهرة‏,‏ كما كانت دول أمريكا اللاتينية ترسل كبار أدبائها سفراء في باريس ليدخلوا المشهد الأوروبي من بابه الذهبي ويظفروا بجوائز نوبل‏.‏ ومع أن القاهرة ليس عندها أوسمة كبري تمنحها فمازال بوسعها أن تشرف من يلتمسون الدفء في حضنها الحضاري بشهادة مواطنة إبداعية, مهما اغبرت اجوائها قليلا بزوابع الخماسين الديموقراطية وتوهم بعض الناس استقالتها من هذا الدور الريادي للنهضة العربية وأطلق بعض من أبنائها ذقونهم وألسنتهم بحرب الأدب والفن والثقافة الطليعية عن جهل وسوء تقدير. وقد تراوح إنتاج الدكتور خالد زيادة بين الدراسات الحضارية المعمقة من جانب والمغامرات السردية المطولة من جانب آخر, وحكاية فيصل تجربة مثيرة في التمثيل الجمالي لتاريخ العروبة القريب في مطلع القرن العشرين, وكيف انبثق حلمها من رحم الخلاص من تركة الرجل العثماني المريض وبطش القوي الاستعمارية المتربصة وكيف دانت في بدايتها للوصاية الانجليزية فتمخضت عن ولادة الكيان الصهيوني إلي جوار بعض الملكيات المتواطئة في سوريا والعراق وشرق الأردن قبل أن تأتي الموجة الناصرية لتنتزع قمر العروبة من مدار الاستعمار وتضعه في الفلك الطبيعي الذي مازال يبحث عن مساره العملي حتي اليوم.
ولأن الكاتب يؤثر صيغة الراوي المتكلم, وهذا أمر عسير في الروايات التاريخية- فإنه يجعل فيصل يتحدث عن نفسه علي غير المعهود مازجا بين التاريخ وتخييل الذات وعلم النفس والتوثيق في سبيكة أدبية متقنة تحاول النفاذ إلي جوهر المشاعر ومعني الاحداث, يحكي فيصل لنفسه مبررا كتابته: أردت حيث عزمت علي تسجيل هذه الأوراق منذ خروجي من دمشق أن أكتشف نفسي, أنا الذي لا اعرف نفسي إلا في نظرات الاخرين وآرائهم, يقولون إنني كريم حتي الجنون, وبسيط مثل بدوي في الصحراء, يقولون إنني داهية صموت, واذا بدأت بالكلام لا أتوقف, يقولون إنني صبور وحكيم وضعيف متردد, وأنني ملهم وأملك سحرا أمارسه علي الناس فأخضعهم لإرادتي. لا أعرف أنني أقدر أن أكون هؤلاء جميعا. لم أكن أفكر بالكرم حين أنفق المال. ولا بالصبر حتي تجبرين الوقائع علي الانتظار وكظم يأسي... أما حين يدعي إلي التنصيب ملكا علي العراق برعاية الانجليز فإنه لا يجد غضاضة في ذلك مستغلا تنافسهم مع الفرنسيين الذين قهروه وأحبطوا مشروعه الأول ويكتب عن نفسه قائلا: لا اعرف رواية علي بطلها أن ينشيء من العدم مملكتين, لقد ظننت أنني بلغت نهايتي يوم ودعت ملكي وتشردت في القطارات, ليست سوي أقدار, لقد صرت رمز العروبة التي اقترنت باسمي. لم تكن العروبة سوي فكرة فصنعت منها جيشا وثورة ومملكة, كونتها علي شاكلتي فحملت خصالي وصارت تشبهني في هياجي وصمتي وترددي.
ما ينقص من أدبية الرواية التاريخية عموما هو قصور مدي الخيال المبدع فيها كلما لامست الواقع ففقدت توهجها مهما حاولت بث الحياة فيه.وقد ألجم خالد زيادة خياله حتي لا يشتط فيحرمه من لذة التوثيق المولع به مع أنه كان يتفلت أحيانا ليبتكر صورا محتملة تعطي قصته مذاقا فنيا شهيا, مثلما يحكي عند خروجه من العاصمة بسيارته في طريقه إلي بلدة الكوة واعتراض خيال يرفع بندقيته في وجهه ليسلبه قبل أن يبادر حارسه فيقفز عليه بسرعة السهم ليحميه من هذا المعتدي, فيتساءل الملك في نفسه: مالذي ستفعله صحف العالم وتخبره ؟ ماذا سيقول والدي واخوتي حين يصلهم الخبر, فكرت بسخرية أن قضائي في هذه الارض الققاحلة علي يد بدوي قاطع للطريق لن يكون سوي قدر أعمي أصاب ملكا تائها في مملكته وعندما يلج في خواطره تتراءي له صور طريفة, فهو يعتبر ثورة الشريف حسين ووالده مجرد حدث منزلي عائلي لم يعرف بأمرها سوي أبنائه وعدد من أولاد عمومته كان الإعلان عن الثورة عبارة عن طلقة بندقية أطلقها والدي من شرفة داره في مكة فكانت بمثابة الاشارة التي سمعها رجاله المتجمعون تحت شرفته فانطلقوا للاستيلاء علي المواقع التركية والأتراك علي الطلقات بالقنابل التي أصاب بعضها حجرته قبل أن يستسلم حاميهم في مكة.. لم تخف قنابل الأتراك الشريف حسين فقد كانت شجاعته هي فضيلته الكبري, ولا أدري إذا كان عناده يعادل شجاعته, لكن الفضائل مهما كانت نبيلة لم تكن كافية للفوز في الحرب. هذه الملاحظات السياسية الثاقبة ذات الطبيعة الفلسفية والاخلاقية هي التي تعطي للرواية وزنا يتجاوز التاريخ ليتساءل عن مغزاه وحكمته التي يمكن استخلاصها من أحداثه.
لكن علي كثرة المشاهد المثيرة للتأمل واللحظات الفارقة المدهشة سنجد أكبر مظهر لإيثار المؤلف الدبلوماسي كظم خياله الذي يتمثل في خلو الرواية تقربيا من العطر الأنثوي, فقد جعل حياة الملك المطارد خالية من هذا الحضور, فليس في قصره ولا حاشيته ولا في صحبته أية امرأة مهما كان دورها, ومع أن ذلك قد يكون مبررا في بلاط مؤقت في مطلع القرن الماضي في الشام فإنه يصيب الرواية بالجفاف والكدر ويحرمها من أهم ملمح إنساني لحياة البشر, فيما عدا هذه السطور التي انتقيتها من الرواية المطولة لأبرهن علي إمكانية أن يخترق الخيال سقف التاريخ المدون لا نجد في الرواية ما يبث فيها عبق الحياة ونكهة اغراءاتها ويزيد من أدبيتها وإنسانيتها وهي مشبعة بدخان التاريخ, فالفن لابد أن يقيم جدليته علي قوانين الوجود, وإن كان كاتبنا قد آثر أن يستخلص من التاريخ حكمته وهو ينطق فيصل بهذه الكلمات لعلني محكوم بأن أنقل شعبي من زمن إلي آخر, زمن تصنعه العقائد والأفكار والمصالح, لاحساب فيه لكلمات الشرف والشجاعة والحب.
المزيد من مقالات د‏.‏ صلاح فضل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.