تشومسكى تحدث على مائدة «الشروق» التى احتفت بزيارته للقاهرة قادما من غزة التى زارها ليجدد موقفه ودعمه كونه الامريكى اليهودى المناضل من أجل الحق الفلسطينى الضائع والذى يراه اليوم قادما ربما فى البداية من خلال حل الدولتين، على إدراكه لصعوبة تحقيق ذلك، وصولا يوما ما «ربما» لدولة واحدة ثنائية القومية عندما تتحقق القدرة الفلسطينية والعربية ويتراجع الصلف الدولى، دون ان يشير إلى تداعى الغطرسة الاسرائيلية، ربما لأنه لا يرى ذلك محتملا على الاطلاق. مائدة الشروق التى جمعت مثقفين وصحفيين وسياسيين، مصريين وفلسطينيين، فى ضيافة رئيس مجلس الادارة ابراهيم المعلم، وصلها شومسكى قادما من غزة بعد عناء عند معبر رفح على الجانب المصرى بالأساس ، كما يقول، وهو يهز رأسه فى أسف، حيث امضى هناك اكثر من 3 ساعات «بدون اى سبب واضح». يقول تشومسكى، فى هدوء رجل تجاوز الثمانين وعاش رحلة طويلة للنضال السياسى والابداع الفكرى، إن «مصر مازالت تصر على ان تكون غزة تحت الحصار»، بعد الثورة التى اطاحت بحكم الرئيس حسنى مبارك واتت بحكم محمد مرسى القادم من صفوف جماعة الاخوان المسلمين والتى طالما تغنت بالقضية الفلسطينية وبمأساة غزة الانسانية. حديث تشومسكى عن صعوبات وآلام العبور من قطاع غزة عبر حدود مصر الشرقية تصادف مع مرور سهل وآمن لأمير قطر حمد بن خليفة الذى وصل القطاع المحاصر والمفقر إلى ما دون حدود الانسانية، بحسب تقارير الاممالمتحدة، محملا بمواد اغاثية ومشاريع اعادة بناء احتفت بها الحكومة المقالة التى يرأسها الحمساوى اسماعيل هنية احتفالا كبيرا. تشومسكى الذى يمعن التفكير فيما تقوم به الدوحة القريبة من دوائر صنع القرار فى واشنطن والمنفتحة على القاهرة فى استثناء عن دول الخليج العربى التى تحسبت من وصول مرسى الاخوانى للحكم ومن كل فصول الربيع العربى ورياحه ليس لديه تفسير جاهز ومباشر لما تقوم به قطر ولا للتفاعل المصرى مع هذا الأمر، لكنه وكما يقول يجد صعوبة فى فصل ما يحدث عما كان قد تردد فى دوائر الحكم اسرائيليا وامريكيا منذ السبعينيات حول ضرورة فتح الحدود بين غزة وسيناء لتخفيف الضغط البشرى الفلسطينى فى القطاع الذى كان خاضعا للاحتلال الإسرائيلى، ويؤدى فى مرحلة لاحقة لإعفاء اسرائيل من حديث الدولة الفلسطينية. كان هذا الكلام يتردد بينما يعلن هنرى كسينجر داهية السياسة الامريكى فى ذلك الوقت الانحياز الشديد لإسرائيل. اسرائيل، كما يقول تشومسكى، تسعى من خلال الحرب والقصف وسياسات الحصار والتجويع إلى جانب عمليات الحشد السياسى لتقليل الوجود الفلسطينى فى كل الاراضى الفلسطينية بما فى ذلك غزة، «وأظن ان المصريين على علم بما يدور وربما ما يجعل القاهرة متحسبة من التسهيل ولو قليلا للفلسطنيين عبر معبر رفح». انصاف الحق الفلسطينى، كما يقول تشومسكى، ليس اولوية امريكية على الاطلاق، بل انه ربما ليس اولوية عربية بالمعنى الكامل فى ضوء تماس كبير بين مصالح «الديكتاتوريات العربية القابعة على مخزون النفط الذى يمثل الهم الاكبر للولايات المتحدة فى الشرق الاوسط»، والربيع العربى الذى لا يرى تشومسكى فى فصوله المتوالية، بما فى ذلك الفصول المصرية، ثورة بل انتفاضات كان يجب ان تكون اكثر راديكالية لتصير ثورة، لم يصل بعد لمرحلة التأثير فى صناعة القرار الامريكى. الادارة الامريكية وان كانت قد اختارت ان تذعن لدعم الشعوب المطالبة بإنهاء الديكتاتورية فى تونس كما فى مصر، بعد تردد يراه تشومسكى فاضحا من جانب فرنسا إزاء تونس ومن جانب امريكا إزاء مصر، فهى «ليست متحمسة على الاطلاق لدمقرطة العالم العربى». لكن تغيير هذا الوضع، كما يضيف تشومسكى فى حديث الآمل والمتأمل معا، ليس بالمستحيل وليس بالضرورة محتاجا لاوقات طويلة لأن بناء التغطرس الغربى الاسرائيلى ليس بالقوة الفعلية والحاسمة ولأن الولاياتالمتحدةالامريكية، كما يلفت على سبيل المثال، فقدت السيطرة بصورة يراها ربما غير متوقعة على ساحات امريكية اللاتينية المجاورة لها عندما «تحققت هناك الثورات». فى الوقت نفسه يقول تشومسكى لضيوف مائدة «الشروق» التى ضمت ضمن آخرين الكتاب اهداف سويف ورضوى عاشور ومنير البرغوثى والاستاذة الجامعية رباب المهدى والصحفيين اميرة هويدى وسمر الجمل والاعلامى يسرى فودة إن الهم الامريكى الاكبر من منظور الادارة والساسة، فى الشرق الاوسط هو ايران. وإيران الساعية لتطوير التكنولوجيا النووية فى اتساق مع مقتضيات اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية المنضمة إليها، عكس ما يروج له الغرب واعلامه، ليست بالمعضلة المستعصية على الحل.
الحل للملف الايرانى، كما قال تشومسكى على مائدة الشروق، وعاد فكرر فى محاضرة احتشد لها المئات والمئات بمقر الجامعة الامريكيةبالقاهرة فى ميدان التحرير، «هو امر بسيط فلتعلن منطقة الشروق الاوسط، بما فى ذلك اسرائيل، منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل».
الطرح الذى يلقى به المناضل والمثقف الامريكى الكبير هو فيما بدا طرحا تهكميا اكثر منه واقعى لأنه يعلم، كما يعلم كل من ضيوفه، ان الولاياتالمتحدةالامريكية الذى يتحدث تشومسكى بتفاصيل لافتة عن دعمها العسكرى والاستراتيجى اللا نهائى لإسرائيل من ادارة لأخرى لن تتحرك نحو دفع اسرائيل فى اتجاه التخلص من اسلحة تمتلكها الاخيرة وهى الوحيدة غير المنضمة فى منطقة النفوذ الحيوى لمعاهدة منع انتشار اسلحة الدمار الشامل.
«حقيقة الامر ان ايران على عكس اسرائيل لا تمثل تهديدا بينما اسرائيل على عكس ايران لا تسمح بتفتيش منشآتها النووية، وامريكا ليست بالفعل داعمة للديمقراطية، هذا هو محتوى الامر»، كما يقول تشومسكى.
ويضيف ان الولاياتالمتحدة ومعها الغرب يسعون لمنع ادراك عالمى مجتمعى بمفاهيم المناطق الخالية من اسلحة الدمار الشامل، بل ان الاعلام الغربى يعتم على اجتماعات تجرى فى هذا الشأن اتصالا بالشرق الاوسط بما فى ذلك اجتماعا قادما خلال اسابيع بهلسنكى.
الضغط الشعبى، يقول تشومسكى، هو اساس التغيير سواء فيما تعلق بوضعية اسرائيل فى المنطقة او حال الشعب الفلسطينى او الملف الايرانى، وهذا الضغط يتطلب حشدا لا تبدو النخبة السياسية العربية، كما فى دول اخرى فى المنطقة او حتى فى الغرب، مستعدة لحشده بعد. ويضيف وإلى ان يتغير ذلك وإلى ينتهى قبول ضحايا الهيمنة الامريكيةالغربية بلعب دور الضحايا وإلى ان تتحول الانتفاضات إلى ثورات مكتملة ويتسع مداها، فإن روح «ميدان التحرير» ستبقى مرشدة اكثر منها مؤثرة.