على كل الأطراف فى مصر أن تتحرك من الآن لمنع حريق قد يندلع بعد 48 ساعة لو استسلم الكل لإغواء المناطحة والتصادم.. وأحسب أن جماعة الإخوان وحزبها مطالبان قبل غيرهما بدور أكبر فى درء خطر داهم كبير يلوح فى الأفق. إن قيادات فى الجماعة والحزب بدأت فى الاعتراف بخطأ النزول إلى الميادين فى الجمعة الفائتة، وهذا الاعتراف يستوجب اعتذارا عن الأخطاء، متبوعا بخطوات وإجراءات تحول دون تكراره، مع الأخذ فى الاعتبار لدرجة اليقين أن المتربصين بهذه الثورة لعبوا فى الخفاء وفى العلن لتأجيج التناحر بين فصائل تنتمى للثورة.
ولا يكفى أن يمتنع الإخوان عن المشاركة فى فعاليات الجمعة المقبلة، بل عليهم دور أكبر فى إزالة سحب الاحتقان التى تتجمع فى سماء مصر هذه الأيام، مع الدخول المفاجئ للسلفيين على خط المواجهة بإعلانهم الاحتشاد ضد مسودة الدستور الجديد، رفضا لبقاء المادة الثانية.
وعلى الجانب الآخر هناك قرار من القوى الليبرالية واليسارية بالتظاهر فى كل الميادين ضد الجمعية التأسيسية وضد الدستور الذى يكتب الآن، ومن ثم فإن نذر خطر كثيرة تلوح فى الآفق، إذا ما تواجد الطرفان فى مكان واحد وحدثت مواجهة.
وليس الإخوان وحدهم مطالبين بالتحرك العاجل لوأد الأزمة فى مهدها، إذ من المهم أن يبادر رئيس الجمهورية بدعوة كل الأطراف للجلوس على مائدة واحدة، للخروج من هذا المأزق، الذى يعد التهديد الأكبر للدولة المصرية وثورتها فى الوقت الراهن.
كما أن على رموز وقيادات القوى المدنية مسئولية سياسية وأخلاقية فى الحفاظ على «أنسنة» الصراع قبل أن يتخذ طابعا منفلتا غير عقلانى.
لقد تحول الدستور الذى يكتب الآن إلى لغم يوشك أن ينفجر فى وجوه الكل، خصوصا مع هذه الحالة من الرغبة فى الاحتراب إلى ما لا نهاية من قبل أطراف عدة، وعليه فإن المطلوب أن تلتقى القوى الوطنية على أرضية واحدة، لإجراء نوع من المكاشفة والمصارحة، فمن أخطأ يعتذر ويحاسب.
وتخيل لو أن اشتباكا واحدا صغيرا وقع بين الجموع الخارجة يوم الجمعة المقبل وقد وصلت عملية شحنها وتعبئتها إلى منتهاها، ماذا يمكن أن يحدث لا قدر الله، ولدينا تجربة مريرة من يوم الجمعة الماضى، كان من الممكن أن تنتهى إلى كارثة قومية لولا عناية الله.
ولو نظرت خارج هذا الإطار ستجد أن روحا «قبائلية» تسود العديد من مؤسسات الدولة، تجعلها أشبه بدويلات كل واحدة منها ترسم حدودها بطريقتها وترفع علما وتردد نشيدا مختلفا، والأخطر أن تصل هذه النزعة إلى المؤسسة القضائية تخرج من دور الحكم بين الجميع إلى طرف فى الصراع.
ووسط هذا الضجيج والصخب الكل خاسر، والفائز الوحيد هو نظام مبارك الذى بدأت رموزه تخرج من أحراشها وتهاجم المدينة فى جنح الظلام، وقريبا لو مضت الأمور على هذا النحو ستأتى فى وضح النهار، طالما هناك حملان قد تقبل بالتحالف مع الذئاب لكى تنتصر على شركائها السابقين.