فى السادسة والربع من مساء الجمعة شاهدت ضابط شرطة يؤم مجموعة من المتظاهرين بميدان التحرير فى صلاة المغرب ومن بين المصلين كان هناك أكثر من ضابط ملتح بالزى الرسمى. ذهبت لمبنى ماسبيرو وعدت بعد ساعتين لأجد مظاهرة فى الميدان تهتف «يا أمريكا يا ملعونة.. مش عايزين منك معونة» وكذلك: «بالطول بالعرض.. هنجيب أمريكا الأرض».
من حق الجميع أن يتظاهر سلما، لكن الذى يلفت النظر أن معظمنا لم يعد يفكر فى مدى معقولية الهتافات المرفوعة حتى لا يتحول الأمر ليصبح نكتة.
يفترض أن رافعى مثل هذه الشعارات يدركون أن أمريكا لا تضغط علينا لتعطينا المعونة، وربما العكس هو الصحيح.
يفترض أن رافعى هذه الشعارات يعرفون أن أمريكا تذلنا ليل نهار وتهددنا فى كل أزمة بقطع المعونة مثلما حدث أثناء أزمة احتجاز المتهمين فى قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى.
أشارك هؤلاء المتظاهرين الحلم فى أننا نستطيع الاستغناء عن المعونة الأمريكية وأى معونة أجنبية أخرى، ففى العلاقات الدولية لا توجد دولة تتعطف على أخرى بالمعونات، أو القروض لوجه الله، بل لأجل مصالحها، وأمريكا تعطينا هذه المعونات لنستمر فى المعاهدة مع إسرائيل والمحافظة على استقرار أوضاع المنطقة وعدم التحالف مع إيران وتدفق البترول.
من سوء، الحظ أن حكامنا جعلوا حاجتنا للولايات المتحدة أكثر من حاجة الولاياتالمتحدة لنا، وبسبب سوء السياسات الخارجية المستمرة منذ سفر السادات إلى القدس فى نوفمبر 1977، وقعنا فى فخ محكم من التبعية لواشنطن، نحتاج لجهد ووقت وإرادة توافق مجتمعى كى نتمكن من الخروج منه بأقل الاضرار.
قد نعذر بعض المتظاهرين البسطاء والعفويين وهم يطلقون هتافات حنجورية ضد أمريكا، لكن كيف نعذر سياسيا مثل الشيخ جمال صابر المنسق العام لحملة «لازم حازم» وهو يخطب الجمعة فى ميدان التحرير موجها حديثه للمصلين قائلا: «أعدوا أنفسكم للقاء عدوكم والجيوش الغربية، ولا بد أن يكون هناك رجال يؤمنون بالقضية على أنها حرب صليبية».
يا شيخ جمال لو ان كل السلفيين يفكرون مثلما تفكر «فعليه العوض ومنه العوض»، لا توجد يا سيدى حرب صليبية لأننا ببساطة أضعف من أن نكون عدوا لأحد.
اقرأ الواقع جيدا وسوف تكتشف ان الصراعات بين أمريكا المسيحية وأوروبا المسيحية كبيرة وبين أمريكا وروسيا أكبر، ثم ان الصراعات بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة انت تعلم حجمها بل ان الصراعات بين دول سنية وأخرى مثيلة لها كبيرة. إذن معظم الصراع فى العالم الآن سببه المصالح والسيطرة وليست بسب الدين.
وحتى يا سيدى لو كان السبب هو الدين وكان الأمر هو حروب صليبية كما تعتقد فماذا أعددت حضرتك وأنصارك وسائر التيار الإسلامى وبقية قوى المجتمع الليبرالية والمدنية لمواجهة العدو؟!.
ألم تفكر يا شيخ جمال انك تحتاج إلى سلاح لقتال هذا العدو.. وللصدفة هى أن العدو الذى هو «الغرب» هو الذى يمدك بالسلاح والغذاء وسائر المنتجات.
لو كنت مكان الشيخ جمال وسائر الشيوخ والهتيفة والمحتجين.. لتظاهرت كما أشاء لنصرة الرسول وإدانة الفيلم المسىء ثم انصرف إلى عملى وانكب عليه حتى نصبح أقوى أمة، ولكى يحدث ذلك مطلوب ان نأخذ بالأسباب وأولها معرفة آخر ما وصل إليه العلم الدينوى لنصل إلى المرحلة التى وصل إليها عدوى.
لو حدث ذلك لن تكون هناك مشكلة أصلا، لأن الأعداء سوف يحترموننا ويعملون لنا ألف حساب.
الحروب يا شيخ جمال لم تعد بالسيوف والخيول.. «والبيداء تعرفنى»: هى تحتاج لأسلحة كثيرة متقدمة واقتصاد قوى والأهم لعقول متفتحة تعرف متى تتكلم ومتى تصمت ومتى تعمل؟!.