يؤمن الفنان نور الشريف بأن بحر الفن لم يخنه ولا مرة واحدة وأن الحياة التى نعيشها لا تعرف أبدا الأبيض فقط أو الأسود فقط بل يغلب عليها اللون الرمادى، وفى الوقت نفسه يؤكد أنه لا يمكن أن يعتزل لأن الموهبة ليس لها عمر افتراضى.. نور الشريف الشهير ب«عرفة البحر» يحلم بخلق موسم درامى جديد بعيدا عن «مفرمة» رمضان التى ظلمت الكثير من الأعمال الجيدة، ويعتبر إعادة إحياء «الحاج متولى» من خلال «الزوجة الرابعة» ذكاء إنتاجيا ويحدث فى كل العالم، لكنه لم يشاهد المسلسل الجديد ليقول رأيه فيه. •من هو «عرفة البحر»؟ هو رحلة استكشاف فى النفس البشرية من غيرة وحقد ومؤامرات، وهناك شىء أحرص عليه فى جميع أعمالى الأخيرة، وهو إبراز العلاقة بين المسلم والمسيحى ففى مسلسل «الدالى» كان «رفقى» الشخصية المسيحية، وهنا الشخصية التى يلعبها مدحت مرسى، وهى أشياء لم أطلبها من الصفتى بل موجودة منذ البداية وأعتقد أننا فى ظروف تاريخية تتطلب منا وجود هذا المزج فى المجتمع المصرى والتأكيد عليه. •وما هى الأدوات التى قدمت بها الشخصية؟ عرفة هو الإنسان الذى يتوهم أنه قوى وفى مواقف صغيرة يكتشف أن قوة الانسان ليست فى ثروته أو قسوته بل فى مدى صلابته وكيفية وقوفه أمام الصعاب بلا انهيار، وهناك شىء يشغلنى هنا أتمنى وبكل صدق أن يكون قد وصل للناس ألا وهو أنه عندما يوجد شخص ما يدافع عن حقوق الصيادين والعمال فى أى شركة فالدراما تقدمه دوما فى صورة ملاك وهو شىء ليس حقيقيا فى الواقع وهنا لدينا شخصيتى عرفة وخراشى وهما الاثنان لديهما طموح شخصى يبعدهما أحيانا عن مصالح الفقراء لكنهما ليسا شياطين أو ملائكة إنهما شخصيات آدمية من لحم ودم. •ألا تعتقد أن «عرفة البحر» تعرض للظلم نتيجة الزحام الدرامى؟ منذ عدة سنوات والدراما التليفزيونية أصبحت سوقا ضخما تتحكم فيه الوكالات الاعلانية وأنا مع التنوع لكن بشرط الجودة ولكن كم الانتاج الحالى لشهر رمضان أكبر من احتياج السوق. فما نراه الآن كارثة حقيقية.. فتخيل أنك تجلس على مائدة طعام لتجد 100 صنف بالتأكيد ستزهد فى الطعام كله وبالتأكيد لن تعرف كيف تختار وأنا أتساءل معكم وبصوت عال لصالح من هذا التزاحم؟.. بالتأكيد هناك قنوات كثيرة خسرت وأنا كممثل محترف وكمشاهد لا أستطيع أن أتابع أكثر من 6 مسلسلات مع أن المفروض أن معدلات المشاهدة الطبيعية 4 أعمال ولكننى أضغط على نفسى وأشاهد 6 كى أرى ما يعجب الجمهور وأعرف توجهات الذوق العام. •مسلسلا «عرفة البحر» و«الخواجة عبدالقادر» عرضا فى نفس التوقيت مما فرض على الجمهور متابعة أحدهما.. إلى هذا الحد غياب التنسيق؟ لا أستطيع التدخل فى سياسة القناة التى سمحت لنا بإنتاج العمل وقامت بشرائه بدون أن تتدخل فى السيناريو أو تطلب قراءته مسبقا وأنا لا أملك السلطة أن أتحدث مع القناة وأطالبها بعرض كل عمل فى وقت آخر •لكنك بالتأكيد كنت تستطيع أن تطلب منهم تغيير موعد العرض بعد أن لاحظت مدى تأثير تزامن العرض؟ أنا ضد تغيير موعد عرض العمل بعد أن يبدأ لأن هذا سيعطى انطباعا خاطئا للجمهور وللرأى العام خصوصا أن العمل ستتم إعادته بعد رمضان، وسيتم عرضه على 12 قناة فى مختلف الدول العربية وقد سألت المنتج أمير شوقى فقال لى إنهم يرغبون فى تنشيط المشاهدة على قناة الحياة البنفسجية من خلال عرض مسلسلى بها. •سمعنا أنك تحاول خلق موسم درامى خارج رمضان؟ بالفعل وأنا أناشد وكالات الإعلان تقديم موسم موازٍ بعيدا عن «مفرمة» رمضان، وكلنا نتذكر أن مسلسل «نور ومهند» التركى نجح خارج رمضان والمهم أن تقدم شيئا جيدا. •هل هناك محاولة عرض أفضل لعرفة البحر؟ بعد العيد سيتم عرضه على قناة الحياة الحمراء وبعد 6 أشهر سيتم بيعه لبقية القنوات. •طوال تاريخك الفنى تعطى فرصا لمخرجين جدد وهو ما تقوم به الآن وتعطى الفرصة لأحمد مدحت.. فلماذا تحب المغامرة دائما؟ هذا ما أقوم به طوال تاريخى وقمت به من قبل مع عاطف الطيب ومحمد خان وداوود عبدالسيد وسمير سيف ومنذ عامين مع حسنى صالح وأنا لا أعتبرها مغامرة بل حساب عقلى.. وبالنسبة لاختيارى أحمد مدحت فقد كنت أخاف من فكرة وجود مخرج تقليدى يعطينى عملا تقليديا وهو ما لم أكن أرغب فيه أبدا. أنا والمنتج أمير شوقى سالم بحثنا كثيرا وأرسل لى أعمالا لمخرجين كثر حتى أرسل لى فيلم «العالمى» الذى أخرجه أحمد مدحت وأعجبنى الفيلم والتقيت مدحت واتفقنا على العمل. •نلمح خلال الأحداث الخاصة بالمسلسل يقينه بوجود صداقة بين عرفة والبحر.. فمن أين جاء هذا اليقين؟ الإنسان عندما يتعايش مع شىء لفترة طويلة يتحد معه ويصبح جزءا منه. •وبحر الفن هل هو صديقك؟ نعم هو صديقى وصادق معى دائما وحتى فى أخطائى فأنا أتحمل مسئوليتها لأن حساباتى لم تكن دقيقة. •المشاهد يشعر أن «عرفة البحر» نموذج للمصرى عبر عصوره بخيره وشره وضعفه وقوته فهل كنتم تقصدون هذا؟ بالطبع كنا نقصد هذا وهناك جمل حوارية مثل «أنا جايلك أضعف مما كنت» وكل شخص منا داخله جزء من الشيطان وهو ليس ملاكا. •هناك استدعاء حدث هذا العام لمسلسل «الحاج متولى» من خلال مصطفى شعبان فى «الزوجة الرابعة».. فما رأيك فى العمل؟ لم أشاهد «الزوجة الرابعة» لكن هذا يحدث فى العالم كله أن يتم إعادة عمل بعد تحقيق نجاح جماهيرى كبير وتعيد النص بممثلين آخرين والبعض يحصل على نفس الفكرة كى لا يدفع مقابلا للمؤلف، وهناك ذكاد إنتاج فى تكرار نجاح قديم وهو ما تم تقديمه فى «العار» من قبل ونجح. •البعض يشعر بالقلق على مستقبل الفن فى البلاد.. هل لديك الشعور نفسه؟ لا أشعر بالقلق.. لكننا فى أحوج ما يكون لأن تملك كل القوى الوطنية بعد نظر فيما يتعلق بمصلحة مصر بمن فيهم ائتلافات الشباب ودعنا نتساءل ماذا حدث للشباب وخصوصا أنهم لم يحصلوا على شىء من الثورة ومن كسب هم أناس آخرون.. اعترف أنهم قد ساندوا الثورة ولكنهم لم يقوموا بها. ولدى تساؤل آخر.. أين القوى الليبرالية التى لم تتفق لأن كل واحد يريد أن يكون هو البطل؟.. فجماعة الإخوان المسلمين هى الكيان الوحيد فى مصر المنظم تنظيما حقيقيا ويعمل ومنذ الثلاثينيات على تقديم المصلحة المباشرة مع الفقراء. بينما قدمت الأحزاب الأخرى مجرد كلمات فى الوقت الذى قدم فيه الإخوان خدمات ملموسة للفقراء وبالتالى لهم شعبية حقيقية من مبدأ المصلحة والباقيون اكتفوا فقط ببيع الكلام. •من أين أتيت بهذا التفاؤل؟ لأن الشعب المصرى بكل فئاته ومنهم مبدعون يبتلع أى شىء يواجهه ويقدم ما يريده قد يتأخر بعض الشىء وأنا أنصح بقراءة «الفتى مهران» و«انت اللى قتلت الوحش» و«العرضحالجى» وكلها تمت كتابتها بعد النكسة والشىء الساحر فى مصر أن تجد يساريين أو إخوان وتم اعتقالهم عدة مرات وتجدهم يعملون ولديهم أعمال فى التليفزيون الرسمى.. فنحن لسنا عقلا واحدا أو مذهبا أو منهجا واحدا والتنوع الموجود فى سلوك الشعب المصرى جزء من شخصيتنا وهو ما لم يوقف الفن فى أى عصر وتخوفى الوحيد هو أن تبدأ موجة تكفير الناس. وأتذكر مقولة الإمام الغزالى فى القرن الثانى عشر «من لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم ير ومن لم ير لم يبصر وعاش فى متاهات العمى والضلال»، والعالم اليوم لم يعد به سر وحتى لو فرض أنه سيتم فرض قيود فهناك قنوات فضائية خارج مصر. وحينها سيكون هذا الممنوع هو الفاكهة التى يبحث عنها الجميع لأن الممنوع مرغوب وهذا هو السبب فى عدم شعورى بالقلق. •هل يمكن أن تفكر فى الاعتزال لأن للموهبة عمرا؟ مستحيل أن اعتزل ولكنى أطرح تساؤلا أن الله سبحانه وتعالى قد خلق لكل شىء عمرا افتراضيا.. فهل للموهبة عمر.. فسيد درويش مثلا مات صغيرا ولكنه قد ترك إبداعا يكفى عمرا كاملا ومثله بليغ حمدى، فالبعض قد يكون متخوفا من هاجس داخلى من الموت صغيرا فيستهلك موهبته فى أقصر مدى ممكن ووقتها ستكون كارثة لو استهلك موهبته وظل بقية عمره فى منطقته وقتها سيتوقف مكانه بل سيتراجع. والابداع شىء من عند الله وبه إلهام وومضات ولحظات مضيئة لا تأتى كل مرة بدليل نجيب محفوظ بعد الثلاثية توقف عن الكتابة لمدة ثلاثة أعوام وبعدها كتب أقل منها ليعود لكتابة الأعظم منها فيما بعد.