لا ملامح ثورية فى التركيبة الحكومية الجديدة سوى المستشار أحمد مكى كوزير للعدل، والدكتور محمد محسوب الذى رشح كوزير للمجالس النيابية، وخلاف ذلك من الظلم الشديد، بل من العبث أن يقال إن هذه حكومة ثورة. إن اسم رئيس الحكومة فى حد ذاته يصلح مؤشرا جيدا على أن المستهدف منها أن تمد الجسور مع ما يسمى بالدولة العميقة والنظام القديم، بالقدر ذاته الذى تتصالح به مع الحاضر المفروض بالقوة وتتواصل به مع المستقبل، وعليه لا مفاجأة على الإطلاق فى أن تشتمل تركيبة الحكومة الجديدة على عديد من الأسماء المجهولة، مادام رئيسها مع كل الاحترام لشخصه قادما من المجهول.
لقد استخدمت كلمة «الكفاءة» ومصطلح «التكنوقراط» كفزاعة لإسكات كل من ينطق بكلمة عن تشكيل الحكومة، وكأن هناك تناقضا بين معيارى الكفاءة والثورية، أو كأنهما لا يجتمعان، على الرغم من أن هذه الثورة بالأساس هى ثورة نضوج الوعى وامتلاك التقنية، بدليل أن النظام الساقط ترنح وتهاوى أمام الثوار فى معركة استخدام التكنولوجيا ومعطيات الثورة الإلكترونية.
وعليه لا يمكن أن نعتبر أننا أمام تشكيل حكومى جديد، وبالأحرى يمكن أن نصف ما جرى بأنه تعديل أو توليف أو تلفيق أو توفيق بين الدولة العميقة والمستقبل فى زيجة غير منطقية وغير ملبية لأحلام المصريين بأى حال من الأحوال.
وبمعيار التعهدات التى التزم بها الدكتور مرسى قبل تنصيبه رئيسا، فهذه التركيبة لا تجسد معنى الشراكة الحقيقية فى المشروع الوطنى الجامع الذى تسهم فيه كل الطاقات من كافة التيارات والاتجاهات السياسية، فضلا عن أنها حكومة منزوعة السياسة، باستثناء وزراء الإخوان، والمستشار مكى والدكتور محسوب، وما عدا ذلك فقد جىء بمجموعة من الأكاديميين البعيدين تماما عن السياسة.
ولا يعقل أبدا ونحن على بعد عام ونصف العام فقط من اندلاع الثورة أن تأتى الحكومة الجديدة بوجوه من الحزب الوطنى ونظام مبارك، بالإضافة إلى أسماء أخرى مستهلكة فى حكومتى عصام شرف والجنزورى.
ولا يستقيم أن تتحدث عن حكومة ثورة ويكون وزير الداخلية فيها هو شاهد النفى فى قضية قتل المتظاهرين، والذى لا يترك مناسبة إلا ويتحدث فيها عن وطنية حبيب العادلى، ويردد رأيه الخاص فى الثورة باعتبارها مؤامرة أجنبية، وكان يمكن لرئيس الحكومة الجديد أن يسأل فى ذلك كل من تعاملوا معه من أسر الشهداء والمصابين، أو فى اللجنة المشكلة للإفراج عن المعتقلين.. وحتى لو وضعوا فى أعين المتحدثين شماعة الكفاءة، فالرجل هو مدير الأمن العام لسنة ونصف السنة وكما ترى سعادتك الأمن فاض وغطى وأغرق ربوع مصر، هذا إن تغاضينا عن بطولاته فى مذبحة محمد محمود.
ويبقى لافتا للنظر والأمور تدار بمنطق «لا صوت يعلو فوق صوت التكنوقراطية» أن يستقر منصب وزير الإعلام عند الزميل المحترم صلاح عبدالمقصود.. هو نقابى جيد ورجل طيب ودمث الخلق، لكن عفوا هو ليس عنوان الكفاءة والنبوغ التكنوقراطى عندما يتعلق الأمر بتوليه حقيبة وزارة الإعلام، فهذا اختيار سياسى بالأساس بهدف أن تكون مفاتيح الخطاب الإعلامى فى قبضة جماعة وحزب الإخوان.