صحيح أن العبرة بالخواتيم، لكنها قد تكون بالبدايات أيضاً. فملامح بداية أى عمل تؤشر على مسارات تطوره فى المستقبل. والناظر إلى البدايات التى اقترنت بموضوع تشكيل الحكومة الجديدة يمكن أن يلاحظ بسهولة حالة الارتباك التى تسيطر على عملية اختيار أعضائها، مما يدفعنا إلى التنبؤ بأن أداءها سوف يغلب عليه الارتباك أيضاً. ولعل التأجيل المستمر للإعلان عن التشكيل الوزارى الجديد مرده أحد أمرين، أولهما: غياب الرؤية، وثانيهما: التجاذبات بين الأطراف المختلفة التى تتمتع بحق اختيار الحقائب الوزارية. وأكبر دليل على غياب الرؤية يرتبط باختيار اسم رئيس الوزراء نفسه، فالمتابع لا يعلم على أى أساس تم تسمية «قنديل» لهذا المنصب، وهل جاء بناء على انتمائه السياسى إلى الإخوان، حتى ولو كانت تصنيفته «أخ محب»؟! أم أن المسألة تعود إلى أن ملف المياه أهم من ملفات الأمن والاقتصاد والتحول الديمقراطى، لذلك جىء برجل تخصصه «المياه» على رأس الحكومة؟ أم أن الاختيار جاء بشكل «جهجهونى» لمجرد أن «قنديل» هو صاحب «الدقن» الوحيد فى التركيبة الوزارية «الجنزورية» و«الشرفية» من قبل، وأن «الدقن» أصبحت معلماً من معالم جهاز الحكم فى مصر؟ أما التجاذبات فحدث عنها ولا حرج، فهناك أطراف عدة تتمتع بسلطة ونفوذ قوى فى اختيار أصحاب الحقائب الوزارية، هناك الإخوان وحزب الحرية والعدالة، وهناك السلفيون وحزب النور، وهناك المجلس العسكرى، وهناك الفلول أيضاً. وتلك ببساطة هى الأطراف الأربعة التى توافقت على إجهاض الثورة، وشرب دماء شهدائها، والحديث باسمها، وسوف يكون لكل طرف منها نصيب فى اختيار عدد من الوزراء، وسلم لى على الكفاءة! فلن يستطيع أحد أن يسائل أى وزير، لأن كل عضو فى الوزارة سيكون له «ضهر» معين يتمثل فى القوة السياسية أو المؤسسية التى جاءت به، فوزراء الإخوان سيحميهم الإخوان، وكذا وزراء السلفيين والعسكرى والفلول. فالوزارة الجديدة يمكن أن نسميها ونحن مرتاحو الضمير «وزارة مجلس شعب»، وإياك تقول أن هذا طبيعى لأننا نريد نظاماً برلمانياً، فالنظام البرلمانى يعنى أن يشكل حزب الأغلبية الحكومة طبقاً للبرنامج الذى فاز به فى الانتخابات، ويختار الوزراء القادرين على تنفيذ هذا البرنامج، وهذا غير حادث بالمرة، إلا إذا اعتبرت أن مواجهة الفقر ب«إزازة زيت»، والحر ب«مروحة خوص»، والعدالة الاجتماعية بالزكاة، والقمامة بحمل «مقشة»، سياسات تعبر عن برنامج. الوزارة الجديدة ليست وزارة «برلمانية»، بل وزارة «برطمانية».. وعلى المواطن العادى أن يستعد لرحلة توهان قادمة، بسبب الأداء المرتبك وغير الكفء للوزراء المتوقعين، ويعلم أنه الخاسر الوحيد فى هذه اللعبة، بسبب تسليم «ثورته» للجزار الذى ذبحها.. وياما فى «البرطمان» يا مواطن!