«اقتربت منى مجموعة من الرجال، وراحوا يلامسون كل جزء من جسدى تصل إليه أيديهم.. قام نحو 15 رجلا بتمزيق ثيابى، خلعوا قميصى وبنطلونى.. ولم يتكلف أحد عناء مساعدتى». هكذا وصفت لى ناهد ما تعرضت له من اعتداء الجنسى فى مارس الماضى خلال مسيرة للمطالبة بحقوق المرأة فى ميدان التحرير. لابد ألا يكون العنف الجنسى والمضايقات الجنسية هو الثمن الذى تدفعه المرأة كى تطالب بالحياة العامة والحقوق السياسية فى مصر. لكن مع تزايد الحالات فى الأسابيع الأخيرة وعلى مدى السنوات السابقة بلا شك يظهر أن النساء اللاتى يشاركن فى المظاهرات ويقمن بتغطيتها للصحافة أو يترشحن فى الانتخابات، يخاطرن بالتعرض لهذه الاعتداءات. لابد أن تقوم الحكومة المصرية ولجنة الانتخابات المكلفة بالإشراف على العملية الانتخابية وتأمين الانتخابات ببذل المزيد من أجل منع المضايقات والاعتداءات الجنسية، بدءا من إدراك كم هى مشكلة جسيمة وشائعة، مرورا بضمان عدم إفلات المعتدين من العقاب.
مع بدء الانتخابات ومع الدعايا الانتخابية والمسيرات المتوقعة، فقد يتعرض الرجال والنساء على حد سواء لأعمال العنف، لكن خطر العنف الجنسى والتحرش الذى يتهدد النساء له تحديدا أثر سلبى بالغ على حجم مشاركتهن السياسية.
النتائج الأولية للانتخابات التى بدأت فى 28 نوفمبر تشير إلى حصول الإخوان المسلمين وحزب النور الحزبان الإسلاميان المحافظان على نسبة كبيرة من الأصوات. ولقد ذكر حزب النور علنا والأحزاب ذات نفس التوجه أنه يعارض منح أدوار قيادية للسيدات، وإن كان لا يرفض من حيث المبدأ مشاركة المرأة فى بعض المجالات مثل الصحة والتعليم. الزمن وحده كفيل بكشف شكل الدستور الجديد والحكومة الجديدة، لكن نتائج الانتخابات تضيف المزيد إلى المعوقات التى قد تواجهها المرأة.
●●●
عندما قابلت ناخبات مصريات أخيرا، قلن لى إن العنف والتحرش الجنسى مسألة مقلقة بشكل خاص للنساء، اللاتى تتم إدانتهن أحيانا بتهمة «خيانة» أدوارهن التقليدية. البعض مثل ناهد، قلن لى إنهن تعرضن للتحرش والاعتداءات الجنسية عندما تجرأن على المشاركة فى المظاهرات وفى التجمعات السياسية.
وهناك سيدة أخرى تعرضت للاعتداء فى مسيرة مارس الماضى، قالت لى: «قامت مجموعة من الرجال بتمزيق اللافتة (التى كنت أحملها)، وأمسكونى من شعرى ولكمونى فى كتفى.. إحدى صديقاتى شدوا صدريتها، ورأيت فتيات آخريات يبكين».
كنت فى ذلك اليوم فى ميدان التحرير، أسير مع المئات من النساء. سمعت الرجال فى الميدان يهتفون بأن مكان المرأة «الحق» هو البيت، وليس المشاركة فى الشأن العام. وراحوا يصيحون: «رَوّحوا البيت وأكلوا عيالكم... روحوا اتجوزوا».
ولقد شهدت مسيرات أخرى هذا العام اعتداءات جنسية، دون رد فعل ملائم من أجهزة تطبيق القانون. هناك امرأة حضرت مظاهرة فى 8 يوليو بميدان التحرير قالت إن صديقة لها قد تعرضت للإمساك بأجزاء من جسدها، وأن الرجل علق بكلمات نابية على ثدييها. وقالت لى سيدة شاركت فى مظاهرة 9 أكتوبر إن قوات الأمن هاجمتها، وسمعت جنديا يهتف: «دول كلاب وعاهرات».
وقالت لى مرشحات فى الانتخابات إنهن يخشين الاعتداء على مسيراتهن الانتخابية. فيما قد يخشى المرشحون من الرجال أيضا الاعتداء عليهم؛ فإن خوف النساء أعظم من العنف الجنسى والتحرش، وكذلك العدوانية نحوهن بسبب مخالفة أدوارهن التقليدية والخروج للحشد الانتخابى. إحدى المرشحات قالت لى إنها عندما تحدثت فى فاعلية سياسية فى قنا فى شهر يوليو، صاح رجل من الجمهور فيها منددا بعدم ارتدائها للحجاب وأنها «غير إسلامية» ورماها بفردة حذائه.
لكن هذه الاعتداءات معروفة، ويبدو أن الحكومة واللجنة الانتخابية تنكرها. الأسوأ أنه فى أواخر نوفمبر، احتجزت قوات الأمن ثلاث صحفيات وتم الاعتداء عليهن جنسيا.
وفى أكتوبر قابلت أحمد خفاجى، وزير سابق وهو الآن مسئول عن علاقة اللجنة العليا للانتخابات بالمجتمع المدنى، وأدلى لى بتطمينات فارغة، قائلا إن النساء لا يواجهن خطرا استثنائيا بما أنهن موضع تقدير فى مصر. وتحدث بعبارات براقة عن كيف تم تمكين المرأة وكيف أنه قد أصبح لها حاليا حقوق «أكبر» من حقوق الرجل.
لكن الحقيقة أنه رغم خروج السيدات للتصويت بأعداد غفيرة فى المرحلة الأولى من الانتخابات فأمام مصر طريق طويل قبل أن تتمكن المرأة من المشاركة بأمان فى الحياة السياسية والحياة العامة. هناك إصلاحات هائلة مطلوبة من أجل تحسين قدرة قوات إنفاذ القانون ونظام العدالة على التعامل مع هذه المشكلة. لكن لا يوجد وقت نضيعه، فالانتخابات قد بدأت، من ثم فعلى السلطات المصرية أن تواجه الحقائق اليومية وأن تتحمل مسئولياتها تجاه حماية النساء المشاركات فى الحياة العامة من التحرش والاعتداءات الجنسية. ومع بدء الانتخابات قامت المؤسسة العسكرية على الأقل بنشر عناصر نسائية من الجيش لحراسة اللجان الانتخابية.
●●●
لابد أن تشجع اللجنة العليا للانتخابات النساء على إبلاغ هيئات لتلقى الشكاوى عن التهديدات والانتهاكات. وعلى وزارة الداخلية أن تدرب قوات إنفاذ القانون على الرد بشكل ملائم على التحرش والعنف الجنسى. وعلى العاملين بلجان الانتخابات الإبلاغ عن الشكاوى فور تلقيها. ولابد أن يتم التحقيق فى الشكاوى بسرعة، وأن يُحاسب المسئولون عنها. هذه الإجراءات الأولية وحدها لن تجعل الحياة السياسية آمنة للنساء فى مصر، لكنها بداية. ما إن يفهم المتحرشون والمعتدون أنهم لن يتمكنوا من الإفلات من جريرة سلوكهم هذا، فسوف يكفون عنه.