أتحفنا الإعلام بمحاضرات قانونية الأيام الماضية احتفالا بحكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب الخاصة بالنظام الانتخابى. وتخللت المحاضرات مصطلحات رنانة من نوعية «سيادة القانون»، و«دولة المؤسسات»، و«احترام أحكام القضاء»، و«الشرعية الدستورية». وحاول المحاضرون تصوير الأمر على أننا أمام موضوع سياقه دستورى وقانونى. ثم جاء ما يسمى الإعلان الدستورى المكمل ليقطع أى شك فى أن السياق الحقيقى سياسى بامتياز وأننا أمام انقلاب من المجلس العسكرى على الشرعية.
والحقيقة أن عن الحديث عن شرعية دستورية فى ظل حكم المجلس العسكرى هو من قبيل الخرافات والأساطير.
●●●
منذ تنحى الرئيس المخلوع، خرجت مصر من السياق الدستورى التقليدى الذى يقضى بتولى رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية منصب رئيس الجمهورية لحين انتخاب رئيس جديد.
وتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد بموجب الثورة الشعبية التى أقر بشرعيتها. ولولا شرعية هذه الثورة لوجب من منظور الشرعية الدستورية اعتبار تولى المجلس إدارة شئون البلاد انقلابا عسكريا يستوجب محاكمة من قاموا به بتهمة الانقلاب على النظام الجمهورى.
وفى محاولة لإعادة الأمور لسياق الشرعية الدستورية أجرى استفتاء 19 مارس الذى تضمن تعديل عدة مواد فى دستور 1971 تخص إجراء الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية ووضع دستور جديد للبلاد. وتم الاستفتاء فى ظل وعود وتصريحات من المجلس العسكرى بتسليم السلطة لبرلمان ورئيس منتخبين فى غضون أشهر من تاريخ الاستفتاء.
وبصرف النظر عن قبول أو رفض هذه التعديلات الدستورية، فقد رتبت الموافقة عليها فى الاستفتاء أوضاعا معينة مفادها عودة دستور 1971 معدلا لتجرى الانتخابات فى ظله.
إلا أن المجلس العسكرى لم يلتزم بنتيجة الاستفتاء، وبدأ أول خطوة فى الخروج عن مسار الشرعية بإصداره إعلانا دستوريا بإرادته المنفردة بتاريخ 30 مارس 2011. وتضمن الإعلان النصوص التى تم الاستفتاء عليها بعد ادخال تعديلات على بعضها، كما تضمن نصوصا من دستور 1971 أيضا بعد تعديل بعضها، فضلا على نصوص لم يستفتِ عليها الشعب ولم تكن موجودة فى دستور 1971.
ومن التعديلات التى أدخلها المجلس العسكرى فى هذا الإعلان الدستورى أنه انتقص من سلطات مجلس الشعب فى دستور 1971 بالرغم من مخالفة ذلك للاستفتاء بأن انتزع منه سلطة سحب الثقة من الحكومة ليضمن أن يكون مجلس شعب بلا سلطة رقابية حقيقية.
ومن النصوص التى لم يستفتِ عليها الشعب النص على إعطاء المجلس العسكرى سلطة إصدار القوانين.
إن مفاد نتيجة الاستفتاء كما سبق أن ذكرنا عودة دستور 1971 معدلا، وبذلك يعتبر أى تعديل يدخله المجلس العسكرى عليه بعد ذلك سواء بالإضافة أو الحذف أو التغيير غير دستورى وباطل بطلانا مطلقا ما لم يقره الشعب فى استفتاء (وهو ما لم يحدث).
فإذا احتكمنا للشرعية الدستورية قد نصل لنتيجة أن كل القوانين التى أصدرها المجلس العسكرى أثناء الفترة الانتقالية مطعون فى شرعيتها لأن الشعب لم يقر فى الاستفتاء إعطاء سلطة التشريع للمجلس العسكرى.
واستمر المجلس العسكرى فى الخروج عن مسار الشرعية الدستورية بأن أصدر إعلانات دستورية لاحقة للإعلان الدستورى الأول دون الرجوع للشعب فى استفتاء كما تقضى القواعد الدستورية.
●●●
ثم يأتى أخيرا ما يسمى الإعلان الدستورى المكمل الصادر سرا فى 17 يونيو 2012، وهو كسابقيه غير دستورى لتضمنه نصوصا دستورية لم يستفتِ عليها الشعب. وأعطى به المجلس العسكرى لنفسه سلطة التشريع مرة أخرى، وسلطة تشكيل الجمعية التأسيسية، وسلطة الاعتراض على الدستور الذى تعده الجمعية التأسيسية، ومنع رئيس الجمهورية من تعيين قادة الجيش، ومنعه من اتخاذ قرار الحرب دون موافقة المجلس العسكرى.
وهذا الإعلان ما هو إلا نصوص وثيقة السلمى المشبوهة التى قوبلت باحتجاجات شعبية واسعة دفع ثمنها عشرات الشهداء ومئات المصابين فى أحداث محمد محمود، وما هو إلا تأكيد لشكوك قطاعات واسعة من المصريين بشأن جدية المجلس العسكرى فى تسليم السلطة.
فعن أى شرعية يتحدث من يدعون حماية الشرعية الدستورية؟ ولماذا غابت طوال عام ونصف العام، واستحضرت الآن فقط لتستخدم ذريعة لحل المجلس التشريعى المنتخب واستبداله بمجلس معين لم يختره الشعب؟