تطبيق قانون الإيجار الأبرز.. تفاصيل المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء    الصحة: مساعد الوزير يبحث مع محافظ الأقصر معدلات الإنجاز والتطوير بالمشروعات الصحية    أرض روسية اشترتها أمريكا قبل 158 عاما.. سر اختيار الاسكا لقمة ترامب وبوتين    مصدر مصري مطلع للقاهرة الإخبارية: وفد حماس التقى اليوم رئيس المخابرات العامة المصرية    انتشار حرائق الغابات بجنوب أوروبا.. وفاة رجل إطفاء وتضرر منازل ومصانع    محمود عاشور حكماً للفيديو لمباراة بوركينا فاسو وموريتانيا في كأس أفريقيا للمحليين    موقف نجوم الأهلي من الانتقال لهذة الأندية بيناير    الداخلية تضبط أجنبيتين لإدارة منزلهما للأعمال المنافية للآداب    بعد 9 أشهر من رحيله.. طرح أغنية "بنطلون جينز" بصوت محمد رحيم أليوم    الصحة تستكمل المرحلة الرابعة من تدريب العاملين بمطار القاهرة على أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    محافظ شمال سيناء يبحث استدامة خدمات مياه الشرب بالمدن والقرى    رئيس الوزراء: "مصر لن تغفل حقها في مياه نهر النيل فهي مسألة حياة للمصريين"    باستثمارات 100 مليون.. محافظ المنوفية يفتتح مدرسة الروضة الخاصة بكفر الخضرة    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة    روبيو: لا أفق للسلام في غزة مع بقاء حماس في السلطة    بريطانيا وفرنسا وألمانيا يهددون بإعادة فرض عقوبات على إيران    إلغاء جلسة لجنة الخارجية والأمن بالكنيست لعدم توفر أغلبية للمصادقة على تمديد أوامر استدعاء الاحتياط    التنمية المحلية: مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات التراثية والدينية    الداخلية الكويتية: جميع جنسيات العالم مرحب بها في البلاد باستثناء «جنسية الاحتلال»    موراتا: متحمس لبدء مشواري مع كومو    مصر تحرز ذهبية تتابع السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    بالمواعيد.. تعرف على مباريات ربع نهائي بطولة العالم لليد تحت 19 عامًا    طارق السعيد يكشف سبب غياب إسماعيل مسعود عن الأفروباسكت    تفاصيل توقيع بنك القاهرة وجهاز تنمية المشروعات عقدين ب 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر.. صور    الغرف التجارية: تخفيضات الأوكازيون الصيفي تصل إلى 50%    «شرم الشيخ للمسرح» يعلن تفاصيل مسابقة عصام السيد في دورته العاشرة    أطفال النجوم يفاجئون الجمهور.. أبرزهم ابنة دنيا سميرغانم    ثنائي العود يحيي أمسية في حب فيروز وزياد الرحباني بقصر الأمير طاز    عمرو يوسف يوضح حقيقة تشابه فيلم «درويش» مع مسلسل «جراند أوتيل» |فيديو    هذه الأبراج دائما مشغولة ولا تنجز شيئا ..هل أنت واحد منهم؟    محافظ الفيوم يبحث تطوير منظومة المتابعة والتقييم للمشروعات بالتعاون مع التنمية المحلية    صحة البحيرة : تزويد مستشفى الرحمانية المركزي بجهاز أشعة مقطعية    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور للتأكد من انتظام سير العمل    افتتاح وحدة العلاج الإشعاعي بمستشفى الأورام الجامعي في المنيا    "تراجع المستعمل لا يتوقف".. بيجو 301 موديل 2020 ب570 ألف جنيه    مفتي القدس: مصر تسعى جاهدة لتوحيد الصفوف وخدمة القضية الفلسطينية والوصول بها إلى برِّ الأمان    عارضة أزياء عن أسطورة ريال مدريد السابق: «لا يستحم».. ونجم كرة القدم: انتهازية (تفاصيل)    «أتعرض لحملة تشويه».. الشناوي يوجه رسالة حادة ل مسؤول الأهلي (إعلامي يكشف)    مجلس الوزراء يوافق على إعفاء سيارات ذوى الإعاقة من الضريبة الجمركية    3 أيام من البحث.. انتشال جثة مندوب أدوية غرق بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    «مصر وطني الثاني».. راغب علامة ينهي أزمته مع نقابة الموسيقيين بعد لقاء مصطفى كامل    "خايف عليك من جهنم".. مسن يوجه رسالة مؤثرة لشقيقه من أمام الكعبة (فيديو)    كيف نخرج الدنيا من قلوبنا؟.. علي جمعة يضع روشتة ربانية للنجاة والثبات على الحق    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    أوقاف سوهاج تختتم فعاليات الأسبوع الثقافى بمسجد الحق    "المتحدة" تطلق حملة توعية بمخاطر حوادث الطرق للحفاظ على الأرواح    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    شروط تقليل الاغتراب لأبناء مطروح الناجحين فى الثانوية العامة    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    غدًا آخر فرصة لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 ضمن الطرح الثاني ل«سكن لكل المصريين 7» (تفاصيل)    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    الحماية المدنية تنقذ أهالي عقار قديم بعد سقوط أجزاء منه بالجمرك    حبس 5 متهمين اقتحموا العناية المركزة بمستشفى دكرنس واعتدوا على الأطباء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستفتاء.. وما بُنى على باطل
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 06 - 2011

كثر التذرع بالاستفتاء فى الآونة الأخيرة لرفض كل خريطة طريق للمستقبل مغايرة لتلك التى يريدها الإخوان المسلمون وحلفاؤهم السلفيون، والتى تطالب بالانتخابات أولا، وليس كما يطالب من قاموا بالثورة بالدستور أولا.
بصورة يبدو معها أن الإخوان والسلفيين قد حولوا هذا الاستفتاء إلى البقرة المقدسة التى لا بد أن يتعرض كل من يريد المساس بها لأبشع اللعنات، ويوصف بمناهضة الديمقراطية والانقلاب على الشرعية، وغير ذلك من عواهن القول والاتهامات. صحيح أن للاستفتاء فى القانون شرعيته، لأنه من أهم ممارسات الديمقراطية المباشرة، إلا أن هناك أيضا فى القوانين الدولية، وفى بلدان كثيرة من العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية، أنواعا من الاستفتاءات منها الاستفتاءات الملزمة، وتلك ذات النتائج غير الملزمة. وفى كثير من قوانين دول العالم لا يكون الاستفتاء ملزما إلا إذا دعت إليه السلطة التشريعية المنتخبة، كما هو الحال فى الولايات المتحدة حيث يفرقون بين الاستفتاء Referendum، والذى يحال للشعب من مجلس منتخب، وبين المبادرة Initiative التى تطرحها على الشعب جهات غير منتخبة. ووفقا لهذا التوصيف فإن ما طرح على الشعب المصرى، لم يكن استفتاء بل مجرد مبادرة من جهة غير منتخبة.
وصحيح أيضا أن الاستفتاء الذى جرى يوم 19 مارس الماضى، كان أول ممارسة ديمقراطية بعد الثورة، واتسم بإقبال غير مسبوق على المشاركة فيه بعد عزوف الشعب المصرى لعقود عن الانتخابات والاستفتاءات زراية منه لها، ووعيا بما تنطوى عليه من كذب وتدليس.
لكن هذا الاستفتاء لم ينج هو الآخر من الكذب والتدليس، ولذلك لم يشارك فيه إلا أقل من 40% ممن لهم حق التصويت فى مصر. والواقع أننى كتبت حينها، مقالا طويلا نشر فى (القدس العربى) اللندنية بعنوان «عوار التعديلات الدستورية انقلاب على الثورة»، لكنى أحب أن أكشف هنا عن أن هذا الاستفتاء، الذى أصبح الآن بقرة الإخوان والسلفيين المقدسة، بنى على باطل، وما بنى على باطل فهو باطل، حسب القاعدة القانونية المعروفة فى كل قوانين العالم ودساتيره.
فقد كان استفتاء على تعديلات على دستور 1971 بعد أن أسقطته الثورة، وعلى مواد معينة بنفس أرقامها فى هذا الدستور الساقط.
إذن فقد استفتى الشعب على تعديل مواد فى دستور سقط، وشيعته شرعية الثورة، التى يحكم باسمها المجلس العسكرى، إلى مثواه الأخير. لأن دستور 1971 ليس فيه ما يتيح للمجلس العسكرى تولى سلطات رئيس الجمهورية، لأنه يتولاها وفق شرعية الثورة وحدها.
إذن فنحن بإزاء استفتاء بنى على باطل أولا. وبنى على باطل ثانيا لأنه كان تنفيذا لآخر خريطة طريق رسمها الرئيس الفاسد المخلوع: والتى اقترح فيها قبل سقوطه تشكيل لجنة لتعديل تلك المواد بعينها وبأرقامها، وتنظيم استفتاء على تلك التعديلات. وهو أمر لا يجوز قانونا إلا إذا كان الدستور لا يزال ساريا.
كما أن هذا الاستفتاء بنى على باطل، ثالثا لأن نتيجته تستخدم الآن وكأنها نتيجة استفتاء على خريطة طريق لمسار مصر فى المرحلة الانتقالية. وهو أمر فيه قدر كبير من التدليس. ففى كل الجدل الذى أثير أثناء الفترة المحدودة التى اتيحت لمناقشة التعديلات الدستورية لم يطرح الأمر على الإطلاق وكأن الاستفتاء على هذه التعديلات هو استفتاء على خريطة طريق للمستقبل. بل ظل الجدل محصورا فى إطار الدوافع الأصلية لتلك التعديلات، كما طرحها الرئيس الفاسد المخلوع، وهو تغيير قواعد الترشح لرئاسة الجمهورية، وتحديد فترة تلك الرئاسة، وطبيعة الانتخابات المتعلقة بها. بل إن ما يعد خريطة الطريق التى تنادى بانتخابات برلمانية أولا جاء ضمن أكثر مواد تلك التعديلات ارتباكا، وهى المادة 189 التى اضطرت اللجنة، على طريقة يكاد المريب يقول خذونى، إلى تفريعها إلى مكرر، ومكرر أ، وإلى تضمينها مفهوم انتخابات الدرجة الثانية التى لم يعرفها إلا دستور 1930 المرفوض بإجماع الشعب المصرى.
وهو باطل رابعا لأن الشعب استفتى فيه على تناقض مربك! حيث تنص المادة 76 المعدلة والمتعلقة بانتخابات رئيس الجمهورية على عرض: «مشروع القانون المنظم للانتخابات الرئاسية على المحكمة الدستورية العليا قبل اصداره لتقرير مدى مطابقته للدستور‏». والمقصود بالطبع، وللمرة الثانية الدستور الساقط. وهو الأمر الذى تكرر فى المادة 28 من الإعلان الدستورى فيما بعد، برغم أن الإعلان الدستورى المفروض فيه أن يكون بديلا للدستور الساقط، لكنه بسبب الخلط والتخليط الذى اتسم به الأمر كله، لا يزال يشير للدستور الساقط.
فالإعلان الدستورى نفسه هو ابن هذه التناقضات. إذ كانت المفارقة المرّة أن المجلس العسكرى اكتشف بعد فوات الأوان أنه سار، ساهيا أو واعيا، على خريطة طريق فاسدة وضعها الرئيس المخلوع. وأنه مضى بتلك الخريطة إلى حائط مسدود، استفتى فيه الشعب على مواد سقط الدستور الذى يتضمنها، ووجد أن الحل لهذا المأزق هو إعلان دستورى من 63 مادة تتضمن المواد المستفتى عليها بنصها أحيانا، وبغير نصها أخرى. وهو أمر يطرح تناقضا صارخا، إذا كان باستطاعة المجلس العسكرى أن يضع إعلانا دستوريا من 63 مادة، فلماذا شكل لجنة لتعديل حفنة من المواد واستفتى الشعب عليها، بدلا من وضع دستور كامل يستفتى الشعب عليه؟ ألم يكن الأجدر استفتاء الشعب على الإعلان الدستورى بدلا من استفتائه على عوار تعديلات على دستور سقط؟ ولماذا يعلن المجلس العسكرى عن لجنة لتعديل حفنة من المواد، ولا يعلن عن تلك التى صاغت إعلانا دستوريا من 63 مادة؟
هنا تجىء إشكالية أخرى، وهى حيدة اللجنة التى قدمت تلك التعديلات التى أجرى الاستفتاء عليها. فقد كانت لجنة معيبة برئاسة طارق البشرى المعروف باتجاهه الإسلامى، وليس معروفا بأى إسهام فى الفقه الدستورى، وكان فيها عضو بارز من جماعة الإخوان المسلمين هو صبحى صالح، وآخر متعاطف معها. هى لجنة معيبة ومفضوحة لأنها لا تتسم بالحياد، ولأن ثلاثة من أعضائها الثمانية ينتمون فعليا أو فكريا لتيار التأسلم السياسى، أى بنسبة تقترب من الأربعين فى المائة، وهو أمر مريب. لأنه لم يكن باللجنة تمثيل للمرأة ولا لشباب الثورة، أو لأى تيار سياسى آخر. وكان عضو جماعة الأخوان فيها محاميا عاديا لا يتميز عن أى محام آخر من نصف مليون محام مصرى. وقد شاءت الظروف أن تكشف لنا أنه برغم معرفة الجميع بافتقاره لأى مؤهلات تؤهله لأن يكون عضوا فى تلك اللجنة، يفتقر أيضا للباقة والكياسة وسداد الرأى.
والواقع أن مجرد وجود شخص بمستوى صبحى صالح وتفكيره الاقصائى المرذول فى لجنة التعديلات الدستورية كفيل وحده بالطعن فيها وفيما صدر عنها من تعديلات، والدفع ببطلانها. وهو باطل خامس قام فيه الاستفتاء على عمل لجنة معيبة.
لذلك كله ليس ثمة مجال لأى حصانة دستورية لاستفتاء قام على باطل خماسى الأركان.
ولا بد أن يستجيب المجلس العسكرى لمطالب شباب الثورة الذين يحكم بشرعية ثورتهم. وهى المطالب التى تقول بضرورة وضع الدستور أولا، لا بمنطق لجنة التعديلات ومتأسلميها المعيب، ولا بمنطق الإعلان الدستورى، وإنما بانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتمثل فيها أطياف الشعب كله لوضع دستور جديد للبلاد يرسم خريطة طريقه الواضحة لها. ثم يستفتى عليه الشعب. جمعية يكون ربع أعضائها على الأقل من النساء، ونصف أعضائها من الشباب تحت سن 40 سنة، لأن هذه الفئة العمرية تشكل أكثر من 70% من الشعب المصرى، وهى الفئة التى قامت بالثورة، ولا بد أن يكون لها رأى فى دستورها.
وقد كشفت مظاهرات الجمعة 27 مايو التى قاطعها الإخوان وحلفاؤهم لنا عن أولويات الثورة الحقيقية، وأكدت على أن الأخوان الذين التحقوا بالثورة متأخرين، خرجوا منها مبكرين، بعد أن توهموا بأنهم وقد فصّلوا، شكرا لآية الله طارق البشرى، التعديلات الدستورية على مقاسهم قد قطفوا ثمارها، ويشنون الآن حملاتهم الفجة والضارية على كل من يقف ضد قفزهم على الثورة التى التحقوا بها متأخرين وانفضوا عنها مبكرين. فثورة 25 يناير هى ثورة شباب مصر وشعب مصر كله، وليست ثورة الإخوان بأى حال من الأحوال. لذلك ليس من حقهم الانقضاض عليها أو المتاجرة باستفتاء بنى على باطل، ولا بد أن يكون للثورة ولشبابها من كل الأطياف، وليس للإخوان، اليد العليا فى رسم خريطة طريق المستقبل التى تنادى بالدستور أولا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.