تكشف المقارنة بين وضع إسرائيل الأمنى اليوم وبين وضعها قبل «الربيع العربى» أن الذين دعوا إلى تقليص الميزانية الأمنية قبل نشوب حركة الاحتجاجات فى الدول العربية كانوا على خطأ وعرضوا حياتنا للخطر، إذ إن الاعتماد على العلاقات السلمية مع مصر والأردن، وعلى الوضع القائم بيننا وبين الدول المعتدلة الأخرى من أجل تحقيق هذا التقليص، كان سيؤدى إلى خفض عدد الألوية فى الجيش الإسرائيلى وسيجعل الجيش أقل تدريبا وتسلحا، فى وقت يمكن أن تنشب فيه حرب شاملة فى أى لحظة. من الصعب دراسة الشرق الأوسط بمصطلحات جامدة، كذلك من المستحيل القول إن وجود السلام يسمح بتقليص قوة الجيش، وذلك لسببين، هما: أولا، إمكان أن تنقلب الأوضاع فى الشرق الأوسط فى وقت قصير، وهذا ما حدث خلال الأشهر الستة الأخيرة، فالوضع اليوم ينذر بخطر سيطرة الإسلاميين على الحكم فى مصر وسوريا وعدد آخر من الدول. ثانيا، حتى فى ظل السلام، علينا أن نردع أعداءنا عن المبادرة إلى الحرب، لأن العداء لإسرائيل سيظل موجودا فى المنطقة لأعوام كثيرة مقبلة.
يواجه الجيش الإسرائيلى اليوم تهديدات كثيرة ومختلفة، فهناك صواريخ حزب الله التى تهدد معظم المدن الإسرائيلية، والسبيل الوحيد لوقف إطلاق الصواريخ من لبنان فى اتجاهنا هو السيطرة على الأرض. كذلك فى إمكان «حماس» استهداف مناطق واسعة من إسرائيل سواء بالقصف الصاروخى أو بالعمليات الإرهابية، والحل شبيه بالحل فى لبنان. وفى مقدور سوريا أيضا أن تقصف بالصواريخ كل إسرائيل، ولا توجد طريقة لوقف هذا القصف فى أثناء الحرب إلا عبر السيطرة على الأرض وتهديد النظام العلوى.
من جهتها تستطيع إيران فى وقت قريب تهديد إسرائيل بالسلاح النووى، إلى جانب الدعم الذى تقدمه إلى كل من «حماس» وحزب الله. ويمكن أن نضيف إلى هذا كله حالة عدم الاستقرار التى تعانيها السلطة العسكرية فى مصر، الأمر الذى سيضطرنا فى حال نشبت الحرب إلى إرسال قوات إلى حدودنا مع مصر من أجل الحؤول دون خرق محتمل لاتفاقية السلام.
يستنتج من هذا كله أن الجيش بحاجة إلى زيادة ثلاثة ألوية، ومضاعفة قوة نيرانه على المدى البعيد، ورفع مستوى التدريبات بدءا من الأفراد، وصولا إلى هيئة الأركان العامة، كذلك يجب تدعيم الدفاع عن الجبهة الداخلية فى وجه الصواريخ بواسطة شراء عتاد جديد وعصرى.
من أصل مبلغ 50 مليار شيكل هو مجموع الميزانية العسكرية للجيش الإسرائيلى، هناك نحو 11 مليارا مخصصة للتطوير وللتسلح وللتدريب (نحو 2٪ من الميزانية)، أمّا ما تبقى فهو مخصص للمحافظة على قوة الجيش. من هنا فإن تخفيض نحو 2.5 مليار شيكل من ميزانية الجيش سيكون على حساب التدريبات والتسلح والتطوير، ومعنى ذلك الإضرار بنحو 20 ٪ من قوة الجيش الإسرائيلى.
وسيتجلى هذا التقليص بأن يصار إلى الاكتفاء بشراء ست منظومات من القبة الحديدية، فضلا عن تضرر مشروعى العصا السحرية وصاروخ حيتس (المخصصين لاعتراض الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى).
ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الميزانية التى أُقرت ستصل فى سنة 2012 إلى 58 مليار شيكل. ووفقا للحسابات فإن التقليص المقترح سيوازى نحو 9 مليارات شيكل وليس مليارين ونصف المليار، الأمر الذى سيلحق ضررا لا يُحتمل بالقدرة الدفاعية للدولة.