ما التقى مصريان فى السعودية إلا وكان الخوف على مصر ثالثهما. فى رحلة حجى قابلت مئات المصريين، بداية من مطار جدة الدولى وشوارع المدينة وأسواقها التجارية نهاية بمكة وشققها الفندقية.
بعض هؤلاء جاءوا بالطبع من أجل حج البيت الحرام، بعضهم مقيم ويعمل فى المملكة، إضافة إلى مجموعة متنوعة من الصحفيين والإعلاميين المصريين دعتهم وزارة الإعلام والثقافة لأداء فريضة الحج.
ما أن يلتقيك أى مصرى ويعرف أنك قادم من مصر أو أنك صحفى، إلا ويبادرك بالسؤال البديهى وهو: «مصر رايحة على فين؟». وعندما تجيبه إنها ذاهبة إلى مكان أفضل مما كانت فيه قبل 25 يناير إن شاء الله، لا يشفى ذلك غليله، ويستمر فى توجيه أسئلة تفصيلية عن كل شىء فى مصر مثل هل تجرى الانتخابات أم لا مرورا بنوايا المجلس العسكرى نهاية بالمصير المتوقع لحسنى مبارك وأسرته وكبار مساعديه الفاسدين.
أحد هؤلاء المصريين المقيمين قال لى: لماذا تصرون على محاكمة مبارك، اتركوه وشأنه، وراعوا سنه، وأنه خدم مصر فى يوم من الأيام، وركزوا على المستقبل وانسوا الماضى.
وبعد ثلاثة أيام من التنقل ما بين جدة ومكة اكتشفت أن رؤية هذا الشخص ليست فردية، ويتبناها بعض المصريين، لهؤلاء جميعا قلت، إن محاكمة مبارك محاكمة عادلة هدفها الجوهرى، ليس فقط محاسبته عن الأخطاء القاتلة التى وقع فيها وسمح بها، بل وهذا هو الأهم حتى يكون عبرة لمن يأتى بعده.
ورغم الخلافات فى الرؤى أحيانا بين المصريين المقيمين فى المملكة، فكل من التقيتهم يتمنون أن تنتهى الأمور على خير، وتصل مصر إلى بر الأمان.
ومثلهم مثل أى مصرى مقيم فى الخارج يشعر أبناء الجالية المصرية هنا بالوجل والخوف من أى خبر سيئ حتى لو كان بسيطا. كثيرون منهم يسألون عن أخبار بسيطة مثل حادث قطع طريق أو خطف طفل، ويعتقد بعضهم أن ذلك هو ما يحدث فى كل مكان. وعندما تخبرهم أن ذلك ليس هو القاعدة، وأن البلد لا يزال بخير يقول بعضهم إننى أحاول أن أجعل الأمور طبيعية لأننى أؤيد الثورة. أحد الأشخاص قال لى إنه ألغى نزوله إلى مصر فى إجازة هو وأسرته خوفا مما يقال فى وسائل الإعلام عن البلطجة والعنف، وفى هذه اللحظة عرفت معنى أن تنشر صحيفة أو تبث فضائية خبرا غير صحيح.
جزء من تفكير بعض المصريين فى السعودية يشبه إلى حد كبير تفكير «حزب الكنبة» فى مصر.
من حق هؤلاء أن ينتقدوا وأن يقلقوا ويخافوا على بلدهم، لكن عليهم أيضا أن يتعودوا على التفكير والعمل الإيجابى.
فى يد هؤلاء المصريين الموجودين بالمملكة وفى كل بلدان الخليج، بل وفى كل العالم أن يضخوا المزيد من التحويلات والمدخرات فى عروق الاقتصاد الوطنى، وفى مشروعات جديدة، لو فعلوا ذلك فى مشروعات محددة، فالمؤكد أن صدى هذه الرسالة سيكون كبيرا ويمثل أقوى رد على المشككين ليس فقط فى الثورة، بل وفى قدرة مصر على النهوض والانطلاق.