عدت من السعودية بعد رحلة استغرقت أسبوعا كاملا, زرت أكثر من مدينة ولمست حجم التغيير الذى جرى هناك بالنسبة لزائر موسمى مثلى, تلك كانت المرة الأولى التى أسافر فيها للمملكة بعد الثورة, والتقيت مصريين فى أكثر من أربع مدن سعودية, لمعرفة أحوالهم بعد الثورة وهل لمسوا تغييرا فى تعامل الدولة المصرية معهم بعد 25يناير, وهل تغيرت نظرة غير المصريين للمصريين بعد الثورة, ولم يكن الاقتصاد وانتخابات الرئاسة غائبين عن حواراتى مع المصريين بالسعودية. يقدر عدد المصريين العاملين بالسعودية وفق إحصائيات رسمية بحوالى 1,8مليون مصرى, ويرتفع العدد إلى ثلاثة ملايين وفق تقديرات غير رسمية, تلك الأعداد الكبيرة تسمح للمصريين بالانتشار فى كل مناطق المملكة, كما يحتلون حاليا الترتيب الأول بالنسبة للعمالة الأجنبية الوافدة إلى السعودية من حيث العدد. العمالة المصرية بالسعودية لا تشكل أغلبية فى قمة الهرم الوظيفى أو تحتل المناصب الكبرى والقيادية سواء بالقطاعين العام أوالخاص بالمملكة لكنها أيضا لا تعمل فى الوظائف الدنيا كأعمال النظافة وما شابه, حيث يعمل بتلك المهن الوافدون من جنوب شرق آسيا. سُرة (بضم السين) العمل بالسعودية مثل قطاعات الصيدلة والطب والمحاسبة والإنشاءات والمقاولات, بيد المصريين, أى أنهم يمسكون دفة العمل الحيوى بالمملكة, لذا كان السؤال: كيف جرى اتهام المملكة بإنهاء عمل المصريين المقيمين بها للضغط المفاجئ على الحكومة المصرية ويسبب للأخيرة إرباكا، كما يحرم القاهرة من تحويلاتهم الدولارية المطلوبة بشدة فى تلك الفترة, البعض اتهم السعودية برغبتها فى محاصرة الثورة المصرية داخل حدودها حتى لاتصل إلى الخليج, وتداول الإعلام مطالب سعودية بعدم محاكمة مبارك, وعندما رفضت القاهرة فإن الرياض لوحت بإعادة العمالة المصرية. بعيدًا عن صحة الاتهام من عدمه, فإن قرار السعودية بعودة المصريين العاملين بها إلى بلادهم ليس بسيطا على الإطلاق, لأنه سيسبب إرباكا غير عادى وشللا فى قطاعات حيوية بالمملكة يستحوذ المصريون فيها على النسبة الأكبر من التشغيل, ومثلما عرفت فإن أكثر من 90% من صيدليات السعودية يديرها ويعمل بها مصريون, وإنهاء عملهم فجأة يعنى مباشرة إصابة قطاع الصيدلة السعودى بالشلل التام. يفتخر المصريون بالسعودية بمحاكمة مبارك ونقل لى كثيرن عن مشاعرهم أثناء المحاكمة وكيف أن أصدقاءهم من جنسيات مختلفة -منهم سعوديون- وصفوهم بالفراعنة لأنهم حاكموا رئيسهم, وكيف رأى الجميع استحالة محاكمة مبارك لكن عندما جرت فقد زاد احترام المصريين بالخارج, وفى أثناء لقاءاتى عرفت بخروج دعوات مؤيدة بالرياض للمرشح الرئاسى حازم أبو إسماعيل, وجرى توزيع بعض أوراق الدعاية الخاصة به على المصريين بالرياض. فى طريق عودتى من شوارع مكة إلى مطار جدة حدثنى سائقى السعودى عن كثرة أعداد المعتمرين المصريين وكيف يشكلون السواد الأعظم من المعتمرين ويشغلون الفنادق والمطاعم والمتاجر, وأكد لى سائقى - مانقله مصريون لى- كيف أن الأتراك كانوا ينافسون المصريين فى أعدادهم وتواجدهم لكنهم يشكلون نسبة ضئيلة حاليا بعد عودة غالبيتهم إلى تركيا بسبب تحسن أحوال الاقتصاد التركى. عندما تضع السطور السابقة بجوار بعضها, فسوف تتأكد أن الحكومة المصرية ليست فى موقف من لايملك حلا أو ليس بيده أوراقًا تفاوضية مع نظيرتها السعودية، والتى ينبغى أن تعلم أن توقف المصريين عن أداء العمرة لمدة عام سوف يؤثر سلبًا على المملكة, كما أن عودة العمالة المصرية قسرا إلى القاهرة سوف يسبب أضرارًا اقتصادية بالغة للمملكة. مطلوب أن تعرف حكومتنا كيف تدير الأوراق التى بيدها, وأن تعرف السعودية أن تقديم يد المساعدة لمصر، ليس فضلا بل ضرورة للأمن القومى السعودى.. لمن يفهم؟! [email protected]