مسنشار للطيران والإسكان والاقتصاد.. من هو أسامة شلبي رئيس مجلس الدولة الجديد؟    القوات المسلحة تحتفل بالعام الهجرى الجديد    بيان عاجل أمام «النواب» بسبب استمرار أزمة الرسوم القضائية    في موكب صوفي مهيب.. الطرق الصوفية تحتفل بذكرى الهجرة النبوية الشريفة غداً (تفاصيل)    البطريرك يونان يتفقّد كنيسة مار إلياس في دمشق بعد التفجير الإرهابي    الأوقاف: محافظة الفيوم تتسلَّم أولى دفعات لحوم صكوك الأضاحي    البنك الدولي يوافق على منحة 146 مليون دولار لدعم كهرباء سوريا    تكريم 200 موظف بعد اجتياز برنامج تدريبي رقمي في بني سويف    الجيش الإسرائيلي ينسحب من بلدة يَعْبَدْ بعد عملية استمرت 16 ساعة    أردوغان يلتقي رئيس الوزراء البريطاني على هامش قمة الناتو    شوبير: حمزة علاء ليس قريبًا من الزمالك.. ويقترب من تجربة احترافية خارج مصر    مصرع طفل غرقا أثناء الصيد بترعة في سمالوط.. والنيابة تصرح بالدفن لعدم وجود شبهة جنائية    حتى 29 يونيو.. عروض مسرحية النداهة ضمن الموسم المسرحي بالوادي الجديد    في أسبوعين..تامر حسني يكسر حاجز ال 12 مليون مشاهدة ب حلال فيك    لمواليد برج العذراء.. ما تأثير الحالة الفلكية في الأسبوع الأخير من يونيو 2025 على حياتكم؟    الأمم المتحدة: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران فرصة لتفادي تصعيد كارثي    البورصة المصرية تربح 27.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    بيراميدز يعطي فيستون ماييلي الضوء الأخضر للرحيل.. ويوضح موقف مصطفى محمد من الانضمام للفريق    محمد شريف: أتفاوض مع 3 أندية من بينها الزمالك وبيراميدز    شبانة: جسلة منتظرة بين الخطيب وريبيرو لحسم موجة التعاقدات الثانية بالأهلي    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    «بسلاح الذكريات السيئة».. ماسكيرانو يحفز ميسي للانتقام من باريس سان جيرمان    محافظ بورسعيد يكشف سبب هدم قرية الفردوس    براءة 12 متهمًا من الهجرة غير الشرعية والسرقة في المنيا    جهاز تنمية المشروعات يطلق الموسم الرابع من مسابقة Startup Power    شكوك بقدرة نتنياهو على استغلال تأييد الإسرائيليين الحرب على إيران    «العربية لحقوق الإنسان»: مراكز المساعدات لمؤسسة غزةتشكل انتهاكاً خطيراً لمبادئ القانون الإنساني    نانسي عجرم ومارسيل خليفة يشاركان في مهرجان صيدا الدولي أغسطس المقبل    عبلة كامل تتصدر التريند بعد أحدث ظهور لها    «حمى القراءة.. دوار الكتابة».. جديد الروائي الأردني جلال برجس    التقويم الهجري: من الهجرة إلى الحساب القمري.. قصة زمنية من عهد عمر بن الخطاب حتى اليوم    هيئة التأمين الصحي توقع بروتوكول تعاون لتعزيز التحول الرقمي في خدمات رعاية المرضى    عاجل- مدبولي يستعرض نتائج تعاون جامعة أكسفورد ومستشفى 500500 لتطوير العلاج الجيني للسرطان    البطريرك يوحنا العاشر يتلقى تعازي بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا    قرار جمهوري بتعيين سلافة جويلي مديرا للأكاديمية الوطنية للتدريب    بنك ناصر يدعم أطفال الشلل الدماغي بأحدث الأجهزة المستخدمة في تأهيل المرضى    الرئيس السيسي يؤكد لنظيره الإيراني رفض مصر للهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف قطر    تطور قضائي بشأن السيدة المتسببة في حادث دهس "النرجس"    محافظ الجيزة يتابع ميدانياً جهود إطفاء حريق بمخزن دهانات بمنطقة البراجيل بأوسيم    مدير مكتبة الإسكندرية يستقبل وفد جمعية الإمارات للمكتبات والمعلومات    القبض على صاحب فيديو سرقة سلسلة ذهبية من محل صاغة بالجيزة    أستاذ بالأزهر يحذر من انتشار المرض النفسي خاصة بين البنات والسيدات    كشف غموض اندلاع حريق في مخزن مواسير بلاستيك بسوهاج    المشاط تبحث مع المنتدى الاقتصادي العالمي تفعيل خطاب نوايا «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»    رابط رسمي.. نتائج امتحانات نهاية العام في كليات جامعة أسيوط    المؤتمر الطبى الأفريقى .. عبدالغفار يشيد بجهود"الرعاية الصحية" في السياحة العلاجية والتحول الرقمي    توريد 3 أجهزة طبية لمعامل مستشفى الأطفال بأبو حمص بتكلفة 4 ملايين جنيه    «دعاء السنة الهجرية».. ماذا يقال في بداية العام الهجري؟    الترجي ضد تشيلسي.. الجماهير التونسية تتألق برسائل فلسطين في مونديال الأندية    وزير الرياضة: منتخب اليد يستحق جهازا فنيا على أعلى مستوى    محافظ القاهرة يبحث مع وزير الثقافة تحويل حديقة الأندلس لمركز فنى وثقافى    تحرير 145 محضرًا للمحال المخالفة لقرارات ترشيد الكهرباء    وزيرة التخطيط تلتقى ممثلى مجتمع الأعمال الصينى خلال المنتدى الاقتصادي العالمي    صور جديدة تظهر الأضرار اللاحقة بمنشآت فوردو وأصفهان ونطنز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. مواجهات نارية في كأس العالم للأندية    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عفوًا.. المستشفى مغلق للخوف
التحذير الأخير من الأطباء: الأمن فى مقابل العمل أو الإضراب دفاعًا عن النفس
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 08 - 2012

«لا بد من ضحية».. هكذا يقول المهندس الشاب أحمد عبد الجليل، الذى جاء إلى مستشفى الدمرداش التعليمى بصحبة والده المصاب بجرح قطعى فى رأسه بسبب اعتداء عليه فى محاولة سرقة بالإكراه.. استقبال المستشفى مغلق بالجنازير والأقفال، لم يتوقف عبد الجليل طويلا أمام الأسباب، قرأ سابقا عن أزمة المستشفى وعرف قصص الاعتداء عليها وعلى نظيراتها فى أغلب المحافظات لا وقت لديه للدخول فى جدل، هرع إلى أقرب مستشفى خاص، وهو يردد ما يقوله أعضاء الأطقم الطبية هناك: «لا بد من ضحية.. العاملون فى المستشفى.. أو المرضى».. !



لم يصل الأطباء إلى هذه المعادلة الصعبة وغير الإنسانية من فراغ، يدافعون عن أنفسهم، لسنا فى حالة تخاذل مثل ضباط الشرطة فى تعزيز الانفلات الأمنى، نحن ضحايا لهذا الانفلات.

فى مستشفى منشية البكرى كان الأطباء فى غرفة العمليات يجرون جراحة لمريض، حين باغتهم صوت إطلاق نار واقتحام مجهولين للغرفة دون اكتراث بحثا عن طبيب «يعتقدون أن إهماله سبب فى وفاة قريبهم»، لكن مسلحون آخرين اقتحموا مستشفى الواسطى ببنى سويف وأطلقوا أعيرة نارية بحثا عن محام دخل المستشفى مصابا لأخذ ثأرهم منه.

لا يقتصر الأمر إذن على مواطنين غاضبين من سوء الخدمة أو «ما يعتقدون» إنها أخطاء الأطباء أو إهمالهم، حتى يملأون ردهات المستشفى توترا وعنفا، لكنها تمتد إلى تحويل المستشفى إلى فناء خلفى لتصفية الحسابات وآخذ الثارات والبحث عن الانتقام.. تبدأ المشاجرات فى الشارع وربما تمر على قسم الشرطة لتنتهى فى المستشفى ويدفع الأطباء ومعاونوهم الثمن فى مواجهة الاعتداءات والإهانات.

أحمد عبدالجليل مثله مثل مواطنين كثر افترشوا الأرصفة أمام مستشفى الدمرداش، أدوار بأكملها خالية من المرضى، هكذا تبدو الحياة داخل أسوار المستشفى الجامعى، باب «الاستقبال» مغلق بالسلاسل والأقفال، منذ 20 يوما فى واقعة ليست الأولى من نوعها خلال الفترة الأخيرة.

ممنوع الاقتراب من باب الاستقبال

«اللى هيفتح أبواب الاستقبال هنقتله.. واللى هنشوفه لابس بالطو أبيض هنوريه المطاوى دى بتعمل إيه.. طالما مش عايزين تعالجوا صاحبنا الأول قبل الناس دى».. هكذا يروى أمين إسماعيل مشرف استقبال الحوادث بمستشفى «الدمرداش» كلامه عن واقعة الاعتداء على الدكتور كريم صبرى جوهر رئيس قسم الأوعية الدموية بالمستشفى وإصابته بارتجاج وقطع عرضى واحتجازه بالمستشفى على أيدى عدد من الشباب لم تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين كانوا فى صحبة مصاب بطلق نارى وطعن نافذ بسلاح أبيض، وهى الواقعة التى تم على إثرها غلق الاستقبال.

يصف إسماعيل الواقعة بأنها الأكثر عنفا، ويتكلم بغضب «هما كانوا حوالى 15 شابا داخلين معاهم صاحبهم مصاب بطلق نارى وطعن نافذ طبعا دكتور الاستقبال كشف عليه فقال: «أنا مش هقدر اعمل له حاجة ده محتاج دكتور أوعية دموية، اتصلنا بالدكتور كريم وقال نازل حالا، لكن هما مكنش عندهم صبر وكمان واقفين ماسكين الطبنجات والمطاوى، طلبنا منهم أن يخرجوا، ويسيبوا مرافق واحد عشان زحمة المكان وعشان الدكتور يعرف يكشف راحوا شتمونا وهوشونا، وقالوا كلنا هنقعد هنا ولما نزل الدكتور كريم قالوا انت اتأخرت واشتبكوا معاه وراحوا ضاربينه على رأسه بالمطاوى وطعنوه احنا انقذناه من ايديهم بالعافية.. اتصلنا بالشرطة والجيش ومحدش عبرنا.. واحنا معرفناش نعمل حاجة كل اللى قدرنا عليه اننا نقلنا المرضى التانين لقسم الطوارئ عشان الدكاترة تكمل لهم كشف وعلاج هناك.. بعد 3 ساعات تقريبا مشيوا لوحدهم والشرطة برضو مكنتش جت».

الشرطة التى تأخرت على مستشفى الدمرداش تأخرت أيضا على مستشفى المنصورة، حين هاجم 50 شخصا المستشفى بالخرطوش والأسلحة الآلية والبيضاء بعد منعهم من مرافقة مريض وفق قواعد المستشفى، ولم تأتِ إلا بعد ساعتين من الترهيب.

من القاهرة إلى الإسكندرية شمالا وسوهاج جنوبا وطنطا والمحلة الكبرى فى الوسط، إلى الإسماعيلية شرقا، لم تنجُ مستشفى من اعتداء، ولم يعد صوت الرصاص غريبا فى أروقة وردهات المستشفيات، وصار كل شىء «مستباحا» حتى غرفة العمليات وقت الجراحة.

مشاجرة بين تاجرين فى الشوارع وإبراهيم معوض 40 سنة قتل رزق مسعد، 43 سنة بطلق نارى خلال المشاجرة، ونال معوض من أهالى رزق نصيبا وافرا من الضرب مما أسفر عن إصابته إصابات خطيرة تم نقله على إثرها إلى مستشفى المحلة العام، لكن أهالى القتيل لاحقوه داخل المستشفى وحولوها إلى مسرح عمليات حربية هددوا الأطباء وحطموا غرفة الاستقبال، واقتحموا غرفة العمليات التى كان يجرى فيها غريمهم جراحة لإنقاذه، طلبوا من الأطباء إنعاشه، ثم نحروه بالسواطير والسيوف وسط ذهول الأطباء..!

الأسئلة الغامضة

هل هى مصادفة أن تكون الجرائم فى حق المستشفيات وداخلها بهذا التنوع وعلى امتداد الخريطة كاملة؟ لا يجد الدكتور أيمن البغدادى مدير عام مستشفى «الدمرداش» إجابة لهذا السؤال لكنه مقتنع أن الأمر ظاهرة وأن السلوك العدوانى تجاه المستشفيات صارا مرضا يستحق المواجهة، وأن السؤال الأكثر غموضا فى تخاذل الدولة.

يرى الدكتور أيمن الاستقبال خاوٍ فيما أثاثه مبعثر منذ الاعتداء.. أسرة مقلوبة وأكياس محاليل دوائية مسكوبة على الأرض وأبواب وأثاث محطم وزجاج متناثرة، ويروى بنبرة حزينة «قبل الثورة كان مصاب الطلق النارى ده فى الاستقبال حدث مهم لأنه غريب.. لكن اليومين دول لو غرفة الاستقبال ماستقبلتش 5 أو 6 حالات كدة أن مكنش اكتر ميبقاش يوم عادى.. ده غير مصابين السلاح الأبيض اللى متواجدين دايما.. وللأسف مش بيدخلوا بمرافق واحد أو اتنين دول عادة بيبقوا عشرات وكلهم عايزين يقعدوا.. وفوق كل ده بيدخلوا مسلحين ومعاهم مخدرات ودى أجواء منقدرش نقدم فيها خدمة طبية بكفاءة ده غير ترويع المرضى الآخرين».

عند دخولك من البوابة الرئيسية لمستشفى الدمرداش التى تستقبل مليون مريض سنويا، نصيب قسم الجراحة منها يصل ل200 ألف مريض، ويجرى عمليات جراحية ل35 ألف مريض، تجد أن الحياة طبيعية، والحركة شبه مستمرة، ولكن لا يمنع هذا خلو أدوار بأكملها من المرضى مثل الدور الثانى والثالث، نتيجة لإغلاق الاستقبال.

يصف الدكتور أيمن البغدادى غلق باب الاستقبال بأنه شكلى، ويقول «الأطباء مش مضربين عن العمل زى ما الناس بتقول.. واحنا منقدرش نقفل أبواب المستشفى فى وجه المرضى لأن ضميرنا مايسمحلناش.. إحنا بنستقبل حالات معينة زى مرضى المغص الكلوى أو مرضى الجراحة والعمليات.. لكن أى مصاب بطلق نارى أو طعنات نافذة مش بنستقبله لأن هم دول اللى اتعودوا يعتدوا على المستشفى والدكاترة.. إحنا استحملنا كتير.. بس الوضع كدة زاد والدكاترة والعاملين هنا أرواح برضه لازم نخاف عليها زى أرواح المرضى بالظبط.

يرى البعض غلق أبواب الاستقبال غير مبرر وتراخى من الأطباء فى محاولة للضغط على المسئولين لتحقيق مطالب سبق، وأن طالبوا بها مثل زيادة رواتبهم وتعديل ساعات العمل، وهو ما ينفيه الدكتور احمد بكر أمين عام نقابة القاهرة، قائلا: «فرق بين الإضراب والدفاع عن النفس.. والنقابة هى من خاطبت المستشفيات فى حال تعرضها لاعتداء والشرطة لم تتدخل لإنقاذهم بأن يغلقوا الاستقبال مباشرة.. وهناك 4 خطوات حددتها النقابة.. أولا غلق الاستقبال.. ثانيا المدير هو المسئول مش الأطباء عشان ماحدش يطلع يقول إضراب.. ثالثا إدارة المستشفى تبلغ مأمور قسم المنطقة أنه المسئول عن إغلاق الاستقبال وأرواح الناس اللى مش هتلاقى علاج مسئوليته لأنه مجاش يحمى المستشفى.. وأخيرا يبلغ النقابة أنهم غير مضربين وأن الأطباء متواجدين ومستعدين للعمل فور تأمين الاستقبال.. وده معناه أن المستشفى تعمل محضر إدارى بواقعة الاعتداء على موظفيها.. مايبقاش بلاغ فردى من دكتور عشان ميجبرهوش على التنازل».

إغلاق استقبال مستشفى الدمرداش ليست حالة فريدة من نوعها، وإنما هى حالة عامة فى جميع مستشفيات الجمهورية التى تغلق أبواب الاستقبال مرة كل أسبوع تقريبا لتعرضها لاعتداءات، وكثيرا ما تغلق أكثر من مستشفى كبرى فى مدينة واحدة فى القاهرة حدث من شهر إغلاق استقبال قصر العينى واحمد ماهر والدمرداش وسيد جلال مرة واحدة، مما يعرض أرواحا كثيرة للخطر.

الدكتورة منى مينا عضو مجلس نقابة الأطباء وأحد مؤسسى حركة أطباء بلا حقوق تعترف بأن «إغلاق غرف الاستقبال بالمستشفيات يهدر أرواح ولكن فتحها يهدر أرواحا أيضا، طالما أن الأمن يتقاعس عن أداء واجبه وهؤلاء ذنبهم فى رقبة المسئولين الذين يتجاهلون مطالبنا بحماية المستشفيات، وما يحدث هو تقاعس متعمد من قبل المسئولين فهم ليسوا عاجزين عن تأمين المستشفيات».

الأمن لحماية المنشآت وليس الأرواح

يبتسم البغدادى، ويتابع بأسى «هنا نقطة شرطة صغيرة خاصة بمستشفيات الدمرداش لكن مسئوليتها الحفاظ على المنشآت.. لكن أرواح الناس مش شغلتها هما عرفوا أن فى كارثة بتحصل فى الاستقبال لكن ماحدش فيهم حاول يحمينا»، ويوضح الدكتور رأفت فوزى أحد الأطباء الذى حضروا الواقعة أنهم حاولوا الاستنجاد بهم وبالشرطة ولم يجب أحد، «احنا بقالنا 18 شهر فى الحالة دى.. وماحدش بيستجيب والأمن اللى المفروض يحمينا بيجى يقف يتفرج».

علل البعض أن ما تتعرض له مستشفيات الجمهورية من اعتداءات مستمرة جاء نتيجة للانفلات الأمنى، وغياب الحرس الجامعى من الجامعات، حيث قضت محكمة القضاء الإدارى عام 2010 بطرده من الجامعات والمستشفيات التابعة لها على أن تقوم الحكومة بإنشاء وحدات للأمن الجامعى تتبع وزارة التعليم العالى، بدلا من الحرس الجامعى التابع لوزارة الداخلية، ويقول الدكتور البغدادى «احنا رفضنا تدخل الحرس الجامعى وتوغل الأمن فى الجامعات.. لأنه تقييد لاستقلالية التعليم.. لكن زى ما كان ليهم عيوب كان ليهم مميزات.. مستحيل اعتداءات زى دى أو حد يدخل بالسلاح زى ما بيحصل دلوقتى كان يحصل مع الحرس الجامعى.. كل رجال الشرطة أولادنا لكن الأربعة اللى الداخلية بعتتهم صغيرين فى الحجم جدا ومش مسلحين كمان يعملوا ايه دول قدام طبنجات ومطاوى ده من يومين شوية ناس زعقوا فيهم جريوا وخافوا ولما رجعوا اعتذروا.. معذورين برضه مهى أرواح».

لكن نقابة الأطباء تطالب بما يمكن أن يوازى مزايا الحرس الجامعى بإنشاء شرطة متخصصة لتأمين المرافق الطبية وتعديل التشريعات لتغليظ عقوبات الاعتداء على المستشفيات.

بينما تظل أبواب الاستقبال مغلقة يجلس الكثيرون من المرضى الفقراء ومحدودى الدخل على أرصفة الشوارع المحيطة بالمستشفيات وأمام الأبواب منتظرين إعلان فتح طاقة الأمل، حيث تتعامل المستشفيات الجامعية والحكومية على مستوى الجمهورية مع عشرات الملايين من المرضى سنويا، وعندما يجد المريض باب الاستقبال مغلقا لتعرض المستشفى لاعتداء لا يجد حلا أخرى سوى الانتظار أو الموت بهدوء.

«الشرطة متواطئة».. يقول الدكتور أحمد بكر بداية من عدم القبض على الجناة، أو الدفاع عن الأطباء والمرضى، وأخيرا الإفراج عن مرتكبى هذه الاعتداءات، مثلما حدث فى واقعة الاعتداء على مستشفى الساحل.. تم القبض على الجناة وتسليمهم لقسم الشرطة، ولم تمر سوى ساعات حتى عاد الجناة ذاتهم للانتقام.

يتابع الدكتور أحمد حديثه بهدوء «فى بداية الأمر يعنى من سنة كده بعد قيام الثورة كان فيه اعتداءات.. لكن كنا بنشوفها إلى حد ما مبررة يعنى حالة خطيرة.. أو مصاب هيموت وأهله عايزين يعالجوه قبل الآخرين وكنا بنستحمل ونقول ظروف استثنائية.. ده غير أننا بنعترف أن مش كل الدكاترة ملايكة من السما.. يعنى أكيد فيهم اللى بيعامل المريض وحش أو بيتأخر عليه.. لكن مش كل الدكاترة كده.. لكن حاليا الاعتداء بيقع قبل ما يكشفوا حتى على المريض كأنهم بيتلككوا.. ده غير أن الاعتداء تجاوز غرفة الاستقبال ووصل لحد سكن الأطباء والاعتداء عليهم هناك زى حادثة مستشفى طما.. أو الاعتداء على حضانات الرضع وأقسام النساء والتوليد».

يصمت الدكتور أحمد لحظات ويتابع بسخرية «الدكتور يروح يعمل بلاغ فى القسم أن تم الاعتداء عليه فيقوم المعتدى يعمل بلاغ هو كمان ويقول إن الطبيب هو اللى اعتدى الأول.. وفى القسم يجبروا الطبيب أنه يتنازل بحجة أنه مش أد البهدلة والشوشرة.. وللأسف الطبيب بيضطر يعمل كده.. والمثير للشك أكتر أن معظم البلطجية دول معتادى الإجرام وسوابق وكأنه بيجى يتمم مهمة ويرجع للقسم تانى».

تتعجب الدكتورة منى من عجز الحكومة والمسئولين عن تأمين المستشفيات «عندنا مشكلة كبيرة مع الأمن وكأن مطالبنا هى أن يحضروا لنا لبن العصفور، إيه هى صعوبة أنهم يحطوا 4 أفراد أمن لكل بوابة ويكونوا مسلحين بصورة لائقة تسمح لهم بالدفاع عن نفسهم وعن المكان.. احنا بنطالب بتأمين المستشفيات الكبرى على الأقل اللى بتتعرض للهجوم بصورة يومية.. وهو ده السؤال اللى يتسأل للرئيس حاليا.. هل تعجز عن تأمين منشآت حيوية مثل المستشفيات»؟.

رصيد فقدان الثقة

مازالت الأسباب الحقيقية وراء كل اعتداء مجهولة أو حتى مشوشة فكل يروى الوقائع كما يراها هو، كما أن الأجهزة المعنية لم تخرج بحقيقة واحدة حتى الآن عن الأسباب والدوافع، وبالرغم أن الدكتورة منى تنتمى للأطباء الذين يتعرضون للاعتداء على أيدى الغاضبين من أهالى المرضى أو حتى بلطجية غير معروف دوافعهم، إلا أنها حاولت تبرير الموقف ووصفه بصورة موضوعية، وقالت: «عادة ما تكون الاعتداءات من قبل أصحاب الحالات الحرجة، حيث يشعرون بضعف الخدمة التى تقدم لهم أو بطئها أو ضعف ثقتهم فيمن يقدمونها لهم وهو رصيد لا يستهان به من فقدان الثقة فى الخدمات الطبية فى مصر، بل وأحيان كثيرة يشعر المرضى بأن العاملين بالمستشفيات الحكومية يحاولون التخلص منهم لذلك يفرغون غضبهم بالعنف، قد يكون لهم عذرهم ولكن سوء الخدمة ليست مسئولية الأطباء وحدهم وإنما هو تدهور فى منظومة الصحة بأكملها، ولكن هذا لا يمنع أن استخدام العنف غير مقبول بالمرة أى أن كانت شكواهم، خاصة أن هذه الحوادث تسبب ترويع مرضى آخرين وأحيانا إصابتهم».

منظومة الصحة فى مصر بحاجة للتطوير وإعادة الهيكلة، هكذا كرر مرشحى الرئاسة خلال انتخابات الرئاسة 2012، ولكن لم يضع أحد صورة حقيقية عن كيفية هذا التطوير وسد العجز بالمستشفيات الحكومية، ويرى الدكتور أحمد بكر أن جزءا من الاعتداءات يحدث من قبل أهالى عدد من المرضى بحاجة لعلاج فورى وضخم تعجز المستشفيات عن تقديمه، لكن لما لمسه المرضى طوال عقود من فقدن الثقة فى المستشفيات الحكومية يدفعهم الآن للتنفيس عن غضبهم، «ماحدش بياخد باله من الإمكانات اللى بنشتغل بيها جوه المستشفيات.. لأن فى مستلزمات بتتسرق.. وفلوس بتهدر.. وشروط العمل مجحفة بالنسبة للأطباء ومرتباتهم متدنية جدا.. ودى سياسة اتبعها النظام اللى فات وهى اللى خلقت جو من عدم الثقة.. يعنى هل معقول يجى لى مريض وأقوله مش هينفع نعمل العملية عشان مافيش خيوط مثلا أو نقص فى أدوية وأنا عندى.. هل منطقى أن دكتور يعمل كده.. لكن وقتها الناس مش بتبقى مصدقة وليهم عذرهم.. بس هنعمل إحنا كمان ايه؟».

ينتظر الأطباء نهاية إجازة عيد الفطر.. النقابة ستدعو لجمعية عمومية طارئة لدراسة الموقف، ومدى استجابة الدولة لمطالب الأطباء التى رفعها النقيب لكل الجهات.. وإلا فقد كتب عليهم الإضراب.. وهو كره لهم وللمجتمع كله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.